جولة هولاند الأفريقيّة: مصالح اقتصادية ومحاربة "بوكو حرام"

جولة هولاند الأفريقيّة: مصالح اقتصادية ومحاربة "بوكو حرام"

05 يوليو 2015
استعداد فرنسي لاستضافة قمة لمواجهة "بوكو حرام" (فرانس برس)
+ الخط -

لم تغيّر الأزمة اليونانية التي تهز أوروبا، من أجندة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي قام بجولة أفريقية سريعة شملت بنين وأنغولا والكاميرون، ما يعكس أهمية المصالح الاقتصادية والسياسية الفرنسية في تلك البلدان. وكانت بنين محطته الأولى، حيث عقد مباحثات مع الرئيس، توما بوني يافي، تناولت سبل دعم هذه الدولة الأفريقية الصغيرة التي تنعم باستقرار سياسي نادر في القارة السمراء منذ عام 1990 ولم يزرها أي رئيس فرنسي منذ زيارة الرئيس الراحل فرانسوا ميتران عام 1983. وأشاد هولاند كثيراً بالاستقرار الديمقراطي لهذا البلد، وحيّا قرار بوني يافي الذي يحكم البلاد منذ عام 2006 احترام الدستور البنيني وعدم الترشح لولاية رئاسية ثالثة في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد العام المقبل. وقال هولاند فور وصوله إلى العاصمة كوتونو موجّهاً كلامه للرئيس البينيني: "جئت هنا لأنكم مثال للنموذج الديمقراطي في أفريقيا واستقرار مؤسسات الدولة".

كما تأتي زيارة هولاند لبنين بعد مضيّ حوالي أسبوعين على تعيين ليونيل زينسو رئيساً للوزراء بعد هزيمة حزب الرئيس، وهو رجل أعمال فرنسي بينيني أقام لفترة طويلة في فرنسا وتربطه علاقة صداقة وثيقة بوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، وله حظوظ قوية في الفوز في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وبدت المفارقة صارخة مع بنين عند انتقال هولاند إلى أنغولا، محطته الثانية في هذه الجولة الأفريقية. ذلك أن الرئيس الأنغولي، جوزي إدواردو دوس سانتوس، الذي يبلغ من العمر 72 عاماً، هو واحد من أقدم الرؤساء الأفريقيين ويحكم البلاد بقبضة من حديد منذ 32 عاماً، ويتعرض لانتقادات دولية شديدة بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في بلاده. وكان واضحاً أن هولاند تمسّك بخيار الواقعية السياسية وتجنّب الخوض في الشأن السياسي في أنغولا، مركّزاً على الوضع الاقتصادي في هذا البلد الغني بالنفط والذي يُعتبر ثاني مصدّر للنفط في القارة الأفريقية.

واصطحب هولاند معه حوالي خمسين شخصية اقتصادية من أصحاب المقاولات الفرنسية، وتم التوقيع على عشرات العقود والصفقات لتعزيز التبادل التجاري بين البلدين منها صفقة بقيمة 200 مليون دولار لصالح شركة "بي تي بي" الفرنسية، في حين بلغ الحجم الإجمالي للعقود التي تم التوقيع عليها حوالي مليار دولار. وعلى الرغم من الجفاء السياسي بين البلدين، ففرنسا حاضرة بقوة في المشهد الاقتصادي الأنغولي، حيث إن شركة "توتال" النفطية تستغل ثلث الآبار النفطية في أنغولا كما أن شركة "آكور" الفندقية الدولية تملك حوالي خمسين فندقاً في أنغولا، غير أن فرنسا صارت تواجه في السنوات الأخيرة منافسة شرسة من المقاولات الصينية التي صار لها حضور وازن في أنغولا.

اقرأ أيضاً: هولاند يعلن استعداده لعقد قمة جديدة بشأن "بوكو حرام"

وختم هولاند جولته الأفريقية السريعة بزيارة الكاميرون التي لم تطأها قدم رئيس فرنسي منذ 15 عاماً، حيث عقد مباحثات مع نظيره بول بيا. وتطرق هولاند خلال مؤتمر صحافي في العاصمة الكاميرونية، إلى العلاقات بين البلدين وآثار الماضي الاستعماري الأليمة التي لا تزال تلقي بظلالها السلبية على العلاقات بينهما، إذ تواجه فرنسا موجة عداء شعبية عميقة ضدها ترسّخت حتى في أوساط النخبة المثقفة. وقال هولاند ملمّحاً إلى عمليات القمع الواسعة التي مارسها الجيش الفرنسي في الخمسينيات من القرن الماضي ضد الكاميرونيين وأسفرت عن سقوط عشرات الآلاف من الضحايا في منطقة لاساناغا ماريتيم: "جئت إلى الكاميرون وأنا على وعي بالفصول المأساوية في تاريخ العلاقة بين بلدينا. لكن فرنسا تقيّم تاريخها الاستعماري برزانة من أجل بناء مستقبل أفضل للعلاقة مع الكاميرون، وسنعمل قريباً على فتح أرشيف الكاميرون لتتضح حقيقة هذه الفصول الأليمة".

وتطرق هولاند أيضاً إلى قضية أخرى عقّدت العلاقات بين البلدين في السنين الأخيرة. ويتعلق الأمر بسيدة كاميرونية من أصل فرنسي تدعى يان أيوم، حُكم عليها بالسجن لمدة 25 عاماً بعد أن أدانها القضاء الكاميروني بتهمة الفساد المالي. وناشد هولاند نظيره الكاميروني إعادة فتح هذه القضية للنظر في ملابساتها، مؤكداً أنه لا يود التدخل في القضاء الكاميروني المستقل.

واكتسى موضوع محاربة الإرهاب الجهادي في أفريقيا ومواجهة جماعة "بوكو حرام" التي تزعزع استقرار المنطقة، أهمية كبيرة في محادثات هولاند مع نظيره الكاميروني. وثمّن هولاند مشاركة الكاميرون النشيطة مع نيجيريا والنيجر وتشاد في محاربة هذه الجماعة التي باتت تهدد الحدود الكاميرونية أيضاً. وأكد الرئيس الفرنسي أن بلاده ستدعم بقوة الكاميرون من أجل التصدي لهذه الجماعة. وختم هولاند جولته بالإعلان أن باريس مستعدة لاحتضان قمة فرنسية أفريقية للبحث في سبل محاربة "بوكو حرام" وأنه ينتظر رداً في أقرب الآجال من الرؤساء الأفارقة المعنيين بهذه الحرب.



اقرأ أيضاً: التورط الفرنسي في المستنقع الأفريقي.. مناداة خطر "الشباب" الصوماليين

المساهمون