داعش يهدد غزّة وسط غياب البيئة الحاضنة

داعش يهدد غزّة وسط غياب البيئة الحاضنة

04 يوليو 2015
غزّيون يتضامنون مع أهلهم في اليرموك (محمد عبد/فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي لم تضمد بعد جراح سكان قطاع غزة المحاصرين منذ تسع سنوات، جراء العدوان الإسرائيلي صيف العام الماضي، ظهر، وللمرة الأولى، تهديد لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) بضم القطاع إلى مناطق نفوذه الكثيرة في الشرق الأوسط.

وفي التسجيل المصور الذي بُث على مواقع التواصل الاجتماعي، يتحدث عناصر من التنظيم عن غزة، ويتهمون حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تسيطر على القطاع بأنها "غير جادة بما يكفي لتطبيق الشريعة الإسلامية". ومن بين المتحدثين أشخاص قيل إنهم من سكان غزة سابقاً، ويقاتلون مع التنظيم في سورية.

اقرأ أيضاً: "حماس" و"جهاديو" غزة... المواجهة المؤجلة

ولم تقتصر التهديدات "الداعشية" على "حماس" فحسب، بل طالت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" ومن سماهم المتحدث بالفيديو "كل العلمانيين"، الذين قال إنّهم "لا شيء، وزبد... وسنحكم غزة رغماً عنكم".

وهدد التنظيم، الذي لا تجد أعماله وجرائمه قبولاً جماهيرياً في الأراضي الفلسطينية، بتكرار تجربة مخيم اليرموك بسورية مع القطاع، وقال إنّ "ما يصير اليوم في الشام، وفي مخيم اليرموك خصوصاً، إنما سيحدث في غزة ورب الكعبة".

واتهم ناشطون فلسطينيون في وقت سابق عناصر من "داعش" بارتكاب جرائم في مخيم اليرموك الفلسطيني بسورية، بعدما اقتحموه وأحكموا عليه الحصار والإغلاق. ويمكن القول، إنه لا يوجد بيئة حاضنة للتنظيم أو عناصره المتشددة في القطاع، فغزة معروفة بوسطيتها الدينية. وإن وُجد له مناصرون وأتباع، فهؤلاء لا يعدّون.

وحصلت عدة مواجهات قاسية في أوقات سابقة بين "حماس" وعناصر سلفية جهادية في القطاع، خرجت "حماس" منتصرة فيها، لجهة قدرتها على فرض سيطرتها على الأرض وعلى هؤلاء العناصر. ويقول سلفيون في غزة، إنّ "حماس" تعتقل نحو 30 من العناصر المتشددة في سجونها منذ سنوات.

ويشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، عدنان أبو عامر إلى أنّ هذه التهديدات ليست الأولى من نوعها على قطاع غزة، فالقطاع منطقة جغرافية صغيرة تتعرض لمخاطر أمنية داخلية وخارجية، سواء من قبل الاحتلال بافتعال حروب جديدة أو سابقة، أو محاولة إحداث فلتان أمني.

ويوضح أبو عامر في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ الفلسطينيين في غزة استطاعوا بصورة أو بأخرى التغلب على هذه المخاطر والتهديدات، سواء من خلال اليقظة الدائمة لأجهزة الأمن، أو الالتفاف الشعبي والجماهيري حول الإجراءات الخاصة بعدم  تحويل قطاع غزة إلى نموذج لما يحصل في الإقليم العربي.

ورغم خطورة التهديدات، وفق أبو عامر، إلا أنه " ليس بالضرورة أنّ يكون لها وقع وترجمة على أرض الواقع في غزة في ظل الحملة الأمنية الحاصلة في القطاع، لإحباط مثل هذه التهديدات ومنع ترجمتها على أرض الواقع".

ويلفت أبو عامر إلى أنّ هذه التنظيمات لها أيديولوجية خاصة بها، وعلاقتها ثأرية مع "حماس"، وهذا الأمر ليس وليد التطورات الإقليمية الأخيرة في المنطقة، في إشارة إلى بعض التحليلات التي تتحدث عن "مرحلة داعش في غزة" لخلخلة حكم "حماس" بدعم إقليمي.

غير أنّ أبو عامر يؤكّد أنّه "قد يكون لبعض الإنجازات العسكرية لبعض هذه التنظيمات شعور بالانتصار ومحاولة نقل التجربة إلى غزّة"، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ هناك جملة من العوامل التي تحول دون تعميم ما يحصل في بلدان عربية مجاورة على قطاع غزّة، أهمها، إلى جانب الجهود الأمنية الميدانية، وجود رفض شعبي وجماهيري لاستنساخ تلك النماذج في غزة ورغبة السكان هنا بالعيش بهدوء واستقرار بعيداً عن أي احتراب داخلي، خصوصاً وأنّ الفلسطينيين في غزة لم ينتهوا بعد من تضميد جراحاتهم من الحروب الاسرائيلية الأخيرة.

ويوضح أستاذ العلوم السياسية بغزة أنّ حركة "حماس" لا تبدو وحيدة في مواجهة هذه التهديدات، بل إنّ هناك حالة من الانسجام في مواقفها مع باقي مواقف الفصائل الفلسطينية حتى المختلفة معها سياسياً وفكرياً، وهذا ما يمنح الأجهزة الأمنية غطاء شعبياً ورسمياً لإحباط مثل هذه الظواهر من جهة، وعدم تمرير تلك الأفكار بسهولة على الفلسطينيين من جهة ثانية.

غير أنّ الكاتب والمحلل السياسي طلال عوكل يقول لـ"العربي الجديد"، إنّه لا يجوز بأي حال من الأحوال تجاوز التهديدات الأخيرة التي أطلقها عناصر تنظيم "داعش"، ويجب التعامل معها على محمل من الجدية، والعمل على أخذ كافة الاحتياطات والتدابير اللازمة.

ويشير عوكل إلى أنّ "التهديدات ليست موجهة فقط لحركة "حماس"، بل لكافة شرائح المجتمع الفلسطيني، بما فيها فكر "الإخوان المسلمين" الذي تمثله "حماس" في قطاع غزة، بعد تكفير التنظيم للحركة ولجماعة الإخوان في مرات عديدة".

ويلفت إلى أنّ الساحة الفلسطينية المحلية لا تتسع لدخول "داعش" كتنظيم جديد، إلا أنّ الواقع المعيشي والأوضاع في القطاع المحاصر إسرائيلياً، تسمح بظهور التشدد والالتحاق بفكر التنظيم الذي يتخذ من العراق وسورية مركزاً له.

المساهمون