أوباما ينخرط في جهود سلام جنوب السودان بتهديد المُعرقلين

أوباما ينخرط في جهود سلام جنوب السودان بتهديد المُعرقلين

29 يوليو 2015
تحدّث أوباما خلال الاجتماع بلهجة حادة (فرانس برس)
+ الخط -
مع استنفاد الفرقاء في دولة جنوب السودان كل المهل، فيما يتصل بالوصول إلى اتفاق سلام شامل ينهي الحرب المشتعلة في الدولة الوليدة لما يزيد عن العامين، قررت الإدارة الأميركية أن تدفع برئيسها باراك أوباما الذي وصل إلى مقر المفاوضات الجنوبية ــ الجنوبية، في أديس أبابا، يوم الإثنين، لإيصال رسالة واضحة إلى الفرقاء الجنوبيين، تحمل إصراراً وتصميماً على معاقبة معرقلي عملية السلام. وفور وصوله، عقد أوباما اجتماعاً مطوّلاً مع دول الجوار الجنوبي، ضمّ كلا من السودان وأوغندا وكينيا وأثيوبيا، لبحث الأزمة في الدولة الوليدة بسرية تامة.

لم يكن اختيار أوباما لهذه الدول عشوائياً، بل جاء نظراً لتأثيرها على الحرب الدائرة هناك، لا سيما دولتي السودان وأوغندا، فضلاً عن دور الدول ككل في مرحلة العقوبات، إذ لم يفت الرئيس الأميركي تهديدات مباشرة بفرض عقوبات على الأطراف الجنوبية، في حال لم تتوصل إلى اتفاق سلام خلال الأسابيع المقبلة.

أعادت زيارة أوباما إلى مقر المفاوضات الجنوبية ــ الجنوبية، تسليط الضوء على أزمة الحرب في جنوب السودان، بعد أن خطفته تطورات العراق وسورية وأحداث اليمن وليبيا. فقد شهدت دولة جنوب السودان حرباً أهلية امتدت لما يزيد عن العامين، راح ضحيتها أكثر من عشرة آلاف شخص، وشرّد نحو مليوني ونصف المليون نسمة، كما تدحرجت الدولة إلى وضع إنساني سيئ.

وبعد فشل تسع قمم أفريقية في إحداث اختراق في ملف السلام الجنوبي، حدّدت الوساطة الأفريقية بقيادة الهيئة الحكومية لدول تنمية شرق أفريقيا (إيغاد)، 17 أغسطس/آب المقبل، موعداً نهائياً لتوقيع الحكومة في جوبا والمعارضة على اتفاق سلام نهائي، مهدّدة في حال فشل الأطراف في التوقيع، بالانتقال إلى ملف العقوبات ورفع الملف برمته إلى مجلس الأمن الدولي.

لم يصدر عن الاجتماعات أية تصريحات رسمية فيما يتصل باجتماع أوباما بقادة دول الجوار والاتحاد الأفريقي، باستثناء بعض التسريبات التي تحدّثت عن خطة أميركية لحشد قوى دولية للتدخل بشكل مباشر في الدولة الوليدة، في حال فشلت المفاوضات الحالية، وهو ما رفضته دول الجوار، باعتباره مدخلاً للوصاية الدولية، مقترحة عقوبات أخفّ وطأة، بفرض حظر السفر وتصدير السلاح، فضلاً عن تجميد أرصدة الجهات التي تعيق عملية السلام.

اقرأ أيضاً: الجولة الأفريقية لأوباما: تجاهُل النصائح لفتح أبواب منافسة الخصوم 

وأبلغت مصادر معنيّة "العربي الجديد"، بأنّ "أوباما وجّه حديثاً مباشراً لكل من أوغندا والسودان الذي مثّله في الاجتماع وزير الخارجية، إبراهيم غندور، بضرورة التوقف عن أية أدوار سلبية، فيما يتصل باستمرار الحرب". وأضاف المصدر أنّ "أوباما تحدّث خلال الاجتماع بلهجة حادة، وطالب الدولتين بأن تقوما بدور إيجابي، فيما يتصل بإقناع الفرقاء الجنوبيين بالتوقيع على اتفاق السلام"، مشيراً إلى نفاد صبر القوى الدولية من العبث الذي يجري في الدولة الوليدة.

ويُنتظر أن تلتئم في 5 أغسطس/آب المقبل المفاوضات المباشرة بين الفرقاء الجنوبيين في أديس أبابا، لمناقشة مسودة الاتفاق التي سلّمتها "إيغاد" إلى الطرفين الخميس الماضي. وحملت المسودة مقترحات بتعيين زعيم المتمردين رياك مشار، نائباً أول للرئيس سلفاكير ميارديت، فضلاً عن إدارة المناطق التي تحت سيطرته. ومنحت الحكومة 53 في المائة من السلطة، والمعارضة 33 في المائة، والمعتقلين العشرة، 7 في المائة، والأحزاب الجنوبية الأخرى، 7 في المائة. واقترحت فترة انتقالية وأخرى غير انتقالية، تتضمن وجود جيشين في الدولة الوليدة لمدة 18 شهراً.

وأبدت جوبا تحفظاً على مسودة الاتفاق، وفي الوقت عينه تفاؤلاً في نجاحها، أثناء التفاوض المباشر، في تعديلها. وقال نائب وزير الخارجية الجنوبي وعضو الوفد المفاوض، بشير باندي، إنّ "جوبا ستقترح تمديد الفترة ما قبل الانتقالية للتمكن من إدماج الجيشين، باعتبار أنه يصعب الاحتفاظ بجيشين في دولة واحدة".

ويرى وزير مجلس الوزراء المقال، أحد المعتقلين العشرة، دينق ألور، أنّ وجود أوباما في مقر المفاوضات في أديس أبابا ولقاءه بدول الجوار الجنوبي، سيدفع بالعملية التفاوضية إلى الطريق الصحيح، مضيفاً أنّ هذا الأمر سيساعد في إنجاح عملية التوقيع على اتفاق سلام شامل ضمن المهلة المحددة. ويكشف ألور لـ"العربي الجديد" عن أنّهم توصلوا إلى تفاهمات عدّة مع مشار، خلال سلسلة اجتماعات، ستدفع بعملية السلام، قائلاً "مشار مستعد اليوم للوصول إلى اتفاق أكثر من أي فترة سابقة".

يقول المحلل السياسي، عمار عوض، إنّ "ثقل تدخل أوباما في الملف الجنوبي، من شأنه أن يمثّل ضغطاً على الأطراف المفاوضة، لكن ليس بالضرورة أن يكون العامل الحاسم لحثّهما على التوقيع والالتزام بالاتفاق، باعتبار أن النقطة الأساسية تكمن في الإرادة الداخلية". ويوضح عوض، أنّ "أوباما سيؤثر أكثر على دول الجوار، لإيقافها عن التدخل في شؤون الجنوب وإعاقة عملية السلام".

أما الخبير في الشأن الجنوبي، مصطفى بيونق، فيؤكد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الضغوط لن تأتي بنتيجة، وأنّ قضية السلام مرهونة بيد كل من سلفاكير ومشار". بحسب بيونق "صحيح أن ظهور أوباما في المشهد الجنوبي له تأثير إيجابي، خصوصاً إذا مارس ضغوطاً على الخرطوم، لتقوم بدورها بالضغط على الفرقاء الجنوبيين، لكن الأمر يتعلق بميارديت ومشار في نهاية المطاف".

ويختلف المحلل السياسي، الطيب زين العابدين، مع ما ذهب إليه بيونق، مشيراً في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن نسبة احتمالات التوقيع والالتزام باتفاقية السلام هذه المرة، تفوق النسب الماضية لعوامل عدّة، يكمن أبرزها في تقديم "إيغاد" مسودة اتفاق "معقولة"، تكاد تكون شبيهة بمسودة اتفاق السلام الشامل التي وقعتها "الحركة الشعبية" مع الحكومة في الخرطوم ما قبل الانفصال، مضيفاً، "فضلاً عن أن الحرب أنهكت الطرفين، إلى جانب تسليط سيف العقوبات، الذي جاء على لسان أعلى سلطة دولية".

اقرأ أيضاً: أوباما يبحث مع زعماء أفارقة "خطة بديلة" لجنوب السودان