العملية التركية: مناطق "خالية" وهجمات حتى تغيير موازين القوى

العملية التركية: مناطق "خالية" وهجمات حتى تغيير موازين القوى

26 يوليو 2015
رحّب داود أوغلو بطرح موضوع العملية برلمانياً (فرانس برس)
+ الخط -
بدت ملامح العملية العسكرية التي أعلنت عنها الحكومة التركية منذ أيام أكثر وضوحاً، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، وذلك بعد التصريحات التي أدلى بها، يوم السبت، كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال أحمد داود أوغلو، ووزير الخارجية التركية مولود جاووش أوغلو، والتي أشارت في مضمونها إلى أن "العملية واسعة جداً، وستؤدي إلى قلب موازين القوى على الأرض في سورية، وقد تؤدي إلى حلّ نهائي للأزمة السورية في المستقبل القريب، بالتعاون مع الولايات المتحدة وباقي الحلفاء".

وفي إطار العملية العسكرية، والتي بدأت فجر يوم الجمعة، استهدف سلاح الجو التركي مواقع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في سورية وأيضاً معسكرات حزب "العمال" الكردستاني في شمال العراق. وبحسب رئاسة الوزراء التركية، فقد انطلقت طائرات "أف 16" التركية من كل من القاعدة الجوية التركية الثامنة في ولاية دياربكر، وقاعدة إنجرليك باتجاه شمال العراق وسورية، موجّهة ضرباتها إلى سبعة معسكرات تابعة لـ"العمال"، منها معسكرات قنديل وهاكورك والزاب وحافتانين ومِتينا وأفاشين.

كذلك تم توجيه ضربات لمواقع "داعش"، من خلال المجال الجوي السوري. وأشار وزير الخارجية التركي، إلى أن "سلاح الجو التركي قام بالضربات لوحده، ولم يتم استخدام طائرات التحالف على الرغم من إعلان افتتاح قاعدة إنجرليك لدول التحالف ضد "داعش". وأكد داود أوغلو في وقت لاحق، أن "أوامره كانت تقضي بأن يتم ضرب داعش في اليوم الأول والكردستاني في اليوم الثاني، لتعود الهجمات وتستهدف داعش مرة أخرى في اليوم الثالث".

وعلمت "العربي الجديد" أن "الاتفاق الجاري بين أنقرة وواشنطن، يقضي بفتح قاعدة إنجرليك وباقي القواعد العسكرية الجوية التركية المهمة، أمام سلاح الجو الأميركي وعدد من طائرات الدول المشاركة في التحالف، مقابل إنشاء منطقة عازلة تم الاصطلاح على تسميتها: منطقة خالية من داعش محمية بحظر الطيران. على ألا يتمّ اعتبارها منطقة آمنة أو عازلة، لتجنّب استفزاز الدول الداعمة للنظام، كروسيا وإيران، والتأكيد أن العمل العسكري الأميركي التركي في الأراضي السورية، موجّه في هذه المرحلة ضد داعش، لا ضد النظام السوري".

وستمتد المنطقة الخالية من التنظيم في ريف حلب، بين كل من مدينتي جرابلس ومارع بطول 98 كيلومتراً وعمق 40 كيلومتراً، وسيتم تطبيق منطقة حظر الطيران عند الضرورة. وبحسب الاتفاق، ستقوم بالمهمة حينئذ الطائرات الأميركية المتواجدة في قاعدة إنجرليك، كما سيتم استخدام الصواريخ التركية متوسطة المدى في حال احتاج الأمر.

اقرأ أيضاً: بارزاني يدعو أنقرة إلى وقف قصف مواقع "الكردستاني"

وجاءت تصريحات جاووش أوغلو لتوضح استراتيجية العملية العسكرية بشكل أكبر، عندما أكد بأن "المناطق الآمنة ستتشكل تلقائياً بعد القضاء على خطر داعش". وقال إن "هدفنا هو إزالة خطر داعش من كل من سورية والعراق، حينها ستتشكل المناطق الآمنة من تلقاء نفسها، وسنستمر بالدعوة إلى حلّ في سورية من دون (الرئيس السوري) بشار الأسد".

وأكد جاووش أوغلو، بالتالي بشكل غير مباشر، أنه "لن يسمح للنظام السوري بالتمدد في المناطق التي من المفترض أن يخليها داعش، بل ستكون من حصة المعارضة السورية المعتدلة، والتي يبدو أنها تتكوّن حتى الآن من بقايا الكتائب التابعة للجيش السوري الحر، بالإضافة أيضاً إلى الدفعات التي سيتم تخريجها من برنامج تدريب المعارضة السورية المعتدلة، وحركة أحرار الشام، والتي بدأت تعيد ترتيب نفسها وتدعم أجنحتها المعتدلة بما يرضي واشنطن. أما جبهة النصرة، فيبدو بأنه لن يكون لها دور في كل هذا، لتكون المرحلة الأخيرة بالتعاون والتفاوض مع حلفاء النظام السوري، أي روسيا وإيران، لتكوين هيئة حكم انتقالية من دون الأسد".

وفي هذا الوضع بدا الصمت الإيراني والروسي على العملية التركية مبرراً، فالعملية واسعة، ولا تهدف فقط إلى مهاجمة "داعش" أو "العمال" فحسب، بل تهدف لإنهاء الأزمة السورية بالتعاون مع الروس. الأمر الذي أكده وزير الخارجية الأميركي جون كيري، قائلاً "نعمل مع الروس على الأزمة السورية، ونريد أن ندخل الأتراك والسعوديين في ذلك".

من جانب آخر، وضعت العملية العسكرية التركية خطوطاً أكثر وضوحاً للتحالفات في المنطقة، فالحديث التركي بعد الغارات على "العمال" كان مع مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، وليس مع حكومة بغداد الموالية لإيران. وذكر داود أوغلو في هذا الصدد أنه "قمنا بتقييم الظروف، ونقلنا أهداف العملية وإطارها العام بشكل خاص للبرزاني، وتحدثت معه هاتفياً وأبلغته بأن تركيا ستتخذ جميع التدابير، إن لم ينته العمال عن أفعاله".

أما على المستوى الداخلي، فقد استمرت الشرطة وقوات الأمن التركية بحملتها الكبيرة التي أسفرت حتى الآن عن إلقاء القبض على أكثر من 590 عنصراً في 22 ولاية تركية على صلة بـ"داعش" و"العمال" و"جبهة تحرير الشعب الثورية".

وأبدى داود أوغلو ترحيبه بدعوة حزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) لعقد اجتماع طارئ للبرلمان، يوم الأربعاء المقبل، قائلاً إن "اجتماع البرلمان سيكون فرصة لنا لإطلاعه على آخر التطورات في العملية العسكرية". وذلك في الوقت الذي ما زالت فيه جهود تشكيل الحكومة الائتلافية، جارية على قدم وساق بين "الشعب الجمهوري" و"العدالة والتنمية".

وجاء ذلك، في وقتٍ استمر "العمال" في هجماته داخل البلاد، وقتل ثلاثة عناصر شرطة وجندياً تركياً، في هجوم بالقنابل محلية الصنع على إحدى مديريات الأمن في ولاية دياربكر، أدى أيضاً إلى جرح سبعة من عناصر قوات التدخل السريع في الولاية.

كذلك شنّت وحدات تابعة لـ"العمال" حملة بحق عدد من المدنيين، ومنها خطف سيارة إسعاف مع طاقمها، و15 عاملاً في ولاية هكاري، ليعود ويطلق سراحهم مع الإبقاء على ضابط شرطي تم اختطافه في دياربكر.
وأصدر "العمال"، أمس، بياناً أكد فيه هجمات الجيش التركي على مواقعه، مضيفاً بأنه "بعد الهجمات التي شنّها الجيش التركي على قيادة ومعسكرات قوات حماية الشعب، لم يبق أي معنى لإعلان وقف إطلاق النار. وسيتم كشف تفاصيل الهجوم في أقرب وقت للشعب".

مع العلم أن "العمال" هو من بادر بالتصعيد منهياً وقف إطلاق النار قبل أكثر من أسبوع، ومعلناً التعبئة العامة وعودة حرب العصابات، ليتم تنفيذ ذلك على الأرض بعد التفجير الانتحاري في بلدة سروج، إذ شنّ الحزب هجمات على الشرطة والجيش التركي، متهماً الحكومة بدعم "داعش"، مبرراً ذلك بالانتقام لضحايا التفجير.

وقد وضعت غارات الجيش على مقرّات "العمال" وما تلاها من تطورات، مستقبل وحظوظ استمرار عملية السلام برمتها على الطاولة، ليتوعّد داود أوغلو مؤكداً التزام حكومته بـ"عملية السلام بشرط تخلي العمال عن السلاح". وأضاف أن "العملية التي نحن مستمرون بها تحت عناوين عدة مثل عملية التسوية، أو الوحدة الوطنية، هي عملية تاريخية واستراتيجية، غير أنه لن يتم استيعاب أولئك الذي استغلّوا العملية بشكل سلبي"، في إشارة إلى "العمال". كما وجه داود أوغلو كلامه لحزب "الشعوب الديمقراطي"، قائلاً: "عليكم أن تتخذوا قراركم الآن، هل تريدون العنف أم السلام؟".

وفي السياق، ردّ "الشعوب الديمقراطي" على تصريحات داود أوغلو، في بيان، أدان فيه حملات الاعتقال، ودعا إلى وقف العملية العسكرية ضد "العمال"، قائلاً: "لا يوجد أي مشكلة لا يُمكن حلّها بالمفاوضات". وذلك بعد ساعات من البيان المشترك الذي أصدرته غرفة التجارة والصناعة في دياربكر، بمشاركة 20 تجمّعاً لرجال الأعمال الأكراد، تمّت خلاله الدعوة إلى وقف جميع أنواع العنف، والحفاظ على المناخ الإيجابي الذي أنتجته عملية السلام ووقف إطلاق النار، وبذل الجهود للحفاظ عليها.

اقرأ أيضاً ثلاثة أهداف للعملية التركية: النظام السوري ليس بمأمن