ثلاثة أهداف للعملية التركية: النظام السوري ليس بمأمن

ثلاثة أهداف للعملية التركية: النظام السوري ليس بمأمن

25 يوليو 2015
أعلن داود اوغلو الحرب رسمياً أمس (فتح أقطس/الأناضول)
+ الخط -
حدّدت تركيا لعمليتها الأمنية، داخل الأراضي التركية وفي الجارة سورية، ثلاثة أهداف مترابطة؛ هي خطر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) و"الخطر الكردي" المسلّح، و"الديمقراطية في الجوار"، وهو ما يفهم منه بوضوح إطاحة النظام السوري. ثلاثة أهداف تعيد التذكير بالمبدأ المسيّر للعقل التركي منذ مصطفى كمال: سلام في الداخل سلام في الخارج، على اعتبار أن التحديات في الداخل والإقليم مترابطة لدرجة يستحيل فصل أحدها عن الآخر. 

اقرأ أيضاً: ساعات حاسمة على صفارة إطلاق التدخل التركي في سورية

وأعلن رئيس الحكومة الانتقالية التركية أحمد داود أوغلو الحرب رسمياً في سورية، أمس، وذلك بعد الاشتباكات التي وقعت بين الجيش التركي وعناصر من تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) على الحدود المشتركة في ولاية كيليس التركية المقابلة لمحافظة حلب السورية، وما تلاها من ضربات جوية وجهها سلاح الجو التركي فجراً لقواعد وتجمّعات "داعش" في ريف حلب الشرقي بالقرب من الحدود السورية، في ما بدا أنه "ساعة الصفر" للعملية الكبيرة التي شدد داود أوغلو نفسه على أنها ستكون "شاملة".

وقال داود أوغلو، إنّ "العملية الأمنية التي بدأت اليوم ليست منفردة بل جزء من عملية شاملة"، وأكد خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بعد زيارته لمحكمة التمييز العليا، أن الأعداء المباشرين في الحرب، هم "داعش" و"العمال الكردستاني"، لكن النظام السوري أيضاً بقي هدفاً استراتيجياً، بقوله إن التحركات التركية "تستهدف أيضاً بناء الديمقراطية وإعادة الأمن إلى الدول المجاورة لها". وأضاف أن "الجميع يعلم أن تركيا تمرّ بمرحلة دقيقة للغاية؛ فالنظام والأمن مهزوزان في معظم الدول المحيطة بنا، ونعيش في حالة من الفوضى تحت ضغط المنظمات الإرهابية، مما يحدث ثغرات أمنية في حدودنا، لذلك فإن تركيا مضطرة للحركة لحماية أمنها القومي، ومن جانب آخر أيضاً لصنع الأمن والديمقراطية الحرّة في الدول المجاورة لها، والتي لم تعد قادرة فقط على إقامة انتخابات ديمقراطية، بل إن الحياة اليومية أصبحت أمراً مستحيلاً".

ويبدو أن تركيا قرّرت أن تنخرط في الحرب السورية بشكل مباشر، عندما أكّد داود أوغلو أن العملية التي قام بها الجيش التركي بقصف سلاح الجوّ لمواقع "داعش" في سورية ليست عملية واحدة بل هي جزء من عملية متكاملة، قائلاً إنّ "العملية التي بدأت اليوم ليست منفردة، بل هي جزء من عملية شاملة، وكما تستمر المنظمات الإرهابية في ضرب وتخريب الأمن والاستقرار في بلادنا، نحن أيضاً قررنا أن نقيم عملية واسعة ومتكاملة لتكون محصورة بيوم واحد أو بمنطقة واحدة، إذ إننا تفحصنا الخطوات التي سنقوم بها بكل عناية، وأرسلنا التعليمات إلى جهاز الاستخبارات والقوات المسلحة بشكل مفصّل"، مضيفاً "كما أننا نراقب الحدود السورية بشكل دقيق للغاية، حيث سيتم الرد بشدّة على أصغر حركة قرب الحدود".

ونفى داود أوغلو قيام أنقرة بإبلاغ النظام السوري قبل العملية التي قام بها الجيش التركي في الأراضي السورية، قائلاً إن "تركيا اتخذت قرارها ونفذت. وأبلغنا الدول الحليفة بذلك"، مشيراً إلى أن التحرّكات التركية لا علاقة لها بالمفاوضات القائمة مع واشنطن، قائلاً إن "الإجراءات التي اتخذناها لا علاقة لها بالمفاوضات مع الولايات المتحدة، وعندما نقول إنه لا علاقة لها، لا يعني بأننا لم نخبر واشنطن بالأمر، لكن القرار المتخذ له علاقة بأمننا القومي. أما المفاوضات حول فتح قاعدة إنجرليك فهي شأن مختلف تماماً، لقد أخبرنا الدول الحليفة بقرارنا لأن التنسيق أمر لا بد منه، ولأن للدول الحليفة تحركاتها العسكرية في المنطقة أيضاً، وتم أيضاً إبلاغ حلف شمال الأطلسي والأمم المتحدة بقراراتنا".

كذلك ألمح داود أوغلو إلى وجود اتفاق مع واشنطن حول المنطقة الآمنة ومنطقة حظر الطيران، رافضاً الخوض في التفاصيل.

بدوره، وجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتقادات شديدة لحزب "العمال الكردستاني"، متهماً إياه باستغلال الخطوات الإيجابية التي قامت بها الحكومة بشكل سيئ.

وامتدح أردوغان العمليات العسكرية والأمنية التي شنّتها الحكومة التركية، قائلاً إن "العملية التي بدأت اليوم ليست عملية واحدة وآنية، بل ستستمر. أهدافها واضحة أولاً "داعش" والمنظمة الانفصالية (العمال الكردستاني) وجبهة تحرير الشعب الثورية، وبقية المنظمات الإرهابية، بغض النظر عن الأسماء. إنهم جميعاً منظمات إرهابية، وستقوم الدولة باتخاذ الخطوات المناسبة، إن ما تم هذه الليلة (الغارات) كان نقطة بداية مهمة وستستمر"، مشيراً إلى أن قوات التحالف ستستخدم قاعدة إنجرليك ضمن أطر محددة.

يأتي إعلان الحرب بعد أكثر من شهر على تجهيز الرأي العام الداخلي، وبعد الاتفاق المسرب مع واشنطن، والذي تضمّن فتحاً جزئياً لقاعدة إنجرليك أمام قوات التحالف الدولي ضد "داعش"، مقابل صمت ومباركة أميركين لإنشاء منطقة عازلة في شمال سورية. 

وبحسب التسريبات، فإن المنطقة العازلة ستكون بطول 90 كيلومتراً تمتدّ من مدينة جرابلس غرب نهر الفرات إلى بلدة مارع، بعمق يتراوح بين الخمسين وأربعين كيلومتراً، وستكون محمية بمنطقة حظر طيران.

وترافقت المعركة على "داعش" في سورية، مع حملة أُخرى واسعة شنتّها قوات الأمن التركية ضدّ خلايا ومشتبهين من كل من "داعش" وحزب "العمال الكردستاني" و"جبهة تحرير الشعب الثورية" (يسارية متطرفة محظورة)، وذلك بعد أيام من إعلان كل من "الكردستاني" و"داعش" الحرب بشكل رسمي على أنقرة؛ الأول بإعلانه انتهاء إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد، والعودة إلى حرب العصابات، والثاني بالتفجير الانتحاري الذي نفذه في بلدة سروج الحدودية في ولاية أورفة التركية، وأسفر عن مقتل 32 شخصاً وجرح 104 آخرين.

وأسفرت العملية الأمنية الواسعة التي قامت بها قوات الشرطة والأمن التركية في إسطنبول بمشاركة خمسة آلاف عنصر أمن ومروحيات عن اعتقال أكثر من 297 شخصاً، بينهم 37 أجنبياً في 26 بلدية تابعة للمدينة. وتتوزع التهم إلى المعتقلين بين الانتماء إلى "الكردستاني" والجبهة الثورية و"داعش". كذلك أسفرت الحملة عن مقتل أحد المشتبه بهم بعد مقاومته الشرطة التركية.

بينما جرت حملة مماثلة في مدينة إزمير، أدت إلى اعتقال أربعة من عناصر "داعش"، و17 من المنتسبين للكيان الموازي، في إشارة إلى حركة "الخدمة المدنية" بقيادة الداعية فتح الله غولان. وفي مدينة بورصة، تم اعتقال عشرة أشخاص من حركة "الشباب الثوري الوطني"، المرتبطة بالجبهة الثورية لتحرير الشعب، كما تم اعتقال 35 شخصاً في أورفة على خلفية اغتيال الشرطيين في أورفة من قبل الكردستاني، و19 آخرين يشتبه في ضلوعهم بقتل الشرطي في دياربكر.

كذلك طاولت الاعتقالات قيادات أشد أعداء "الكردستاني" أي حزب الله الكردي (إسلامي سلفي)، إذ تم اعتقال القيادي في الحزب خالص بايونجوك المعروف بلقب أبو حنظلة في مدينة إسطنبول، وهو ابن القيادي في الحزب حاجي بايونجوك، والذي يقضي حكماً بالسجن المؤبد منذ عام 2011 لإدانته بارتكاب أعمال عنف دموية خلال حقبة التسعينيات.

على المستوى الداخلي، التزمت معظم أحزاب المعارضة التركية بالصمت، باستثناء رئيس الكتلة البرلمانية لحزب "الشعوب الديمقراطي" (ذي الغالبية الكردية)، إدريس بالوكان، والذي لم يعارض العملية، لكنه وجه انتقادات بدت هزيلة للحكومة، قائلاً "لو كان (العدالة والتنمية) مخلصاً في الحرب على داعش، لكان عليه بداية شن عملية على خلايا (داعش) في الداخل التركي، لمنع حصول أي مجزرة جديدة".

اقرأ أيضاً: استعدادات سورية للتدخل التركي كرديّاً و"داعشياً"