النظام السوري يحرّك جبهة الساحل: معركة مقبلة؟

النظام السوري يحرّك جبهة الساحل: معركة مقبلة؟

20 يوليو 2015
قوات المعارضة نجحت في صد الهجوم (Getty)
+ الخط -

أثار الهجوم الأخير لقوات النظام السوري، في أول أيام عيد الفطر، على محاور عدة في جبل التركمان في ريف اللاذقية شمال غرب سورية، موجة من التساؤلات عن دوافع هذا الهجوم، خصوصاً أنه جاء على منطقة لم تشهد أي مواجهات مع قوات المعارضة المسلّحة منذ نحو عامين.

وجاء هجوم النظام المدعوم بـ"مليشيات الدفاع الوطني" ولواء "درع الساحل" المشكّل منذ نحو شهرين، من ثلاثة محاور ممثلة ببيت حلبية وبيت ملك وبيت عوان، وهي قرى صغيرة نسبياً في جبال التركمان، مترافقة مع قصف جوي وبري عنيف، تمكّنت خلاله هذه القوات من السيطرة على تل عثمان، قبل أن تصل مؤازرات لقوات المعارضة وتنجح في صد الهجوم، واستعادة زمام المبادرة من جديد.

ويتضح من خلال العمل الأخير، أن النظام ركز على مناطق صغيرة نسبياً في جبال التركمان، لا تملك قيمة استراتيجية عالية، كقمة جبل الـ45 وقمة النسر ونبع المر. وهذه المناطق جميعها مرتفعة بالمقارنة بتلة عثمان. كما لم يكن واضحاً فحوى التركيز على اقتحام قرية بيت عوان، وهي قرية صغيرة لا تتجاوز ثلاثين منزلاً سُوّي معظمها بالأرض، جراء القصف الجوي خلال خمسة أعوام، تكشفها أكثر من 7 مراصد، ويحدها من الغرب بيت فارس بحدود 3 كيلومترات، فيما يكشفها من الشمال الغربي برج الـ45، ومراصد مدينة كسب وجبال تشالما، وتحدها من الجنوب مراصد بيت حلبية والسولاس وبيت ملك، ليكون هذا الهجوم على ما يبدو استراتيجياً أكثر من كونه هجوماً بسيطاً.

مجموعة من الأسباب قد تكون وراء هجوم قوات النظام، تتنوّع بين النصر الإعلامي التي تحاول كسبه هناك، وجس نبض قوات المعارضة، تخوّفاً من مواجهات محتملة بعد وصول "جيش الفتح" إلى قرى سهل الغاب بما يهدد الساحل السوري، فضلاً عن إشغال فصائل المعارضة في ريف اللاذقية عن المعارك الجارية في ريف إدلب الجنوبي. بينما تصنّف بعض الأوساط الإعلامية ما يجري كبداية لمعركة كبرى سيبدأها النظام خلال الشهر المقبل.

ويرى العميد الركن أحمد رحال، المنشق عن النظام السوري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن النظام يهدف من المحاولة الأخيرة إلى "تأمين قراه ومناطقه إذا كان هناك تقسيم مقبل، فالساحل مهيأ للانفجار وبدء المعارك في أي لحظة"، مبيّناً أن "الساحل السوري مهمش وفقير ولا تصله إمدادات كافية، وقد تتمكّن قوات النظام من دخول جبال التركمان، فذلك ليس أمراً صعباً، على الرغم من أنه ليس أمراً سهلاً أيضاً".

ويمكن الاستدلال على حديث رحال ميدانياً من خلال ما يقوم به النظام، منذ سيطرة قوات "جيش الفتح" على مدينة جيش إدلب وتقدّمها باتجاه الساحل، إذ عمد إلى إنشاء تحصينات من خلال السيطرة على عدّة قمم جبلية على شكل قوس، تبدأ من قمة الـ45 قرب بلدة كسب في منطقة التركمان، مروراً بقريتي كفرية ودورين، وانتهاء بقمة النبي يونس في جبل الأكراد، تتخلّلها عشرات القمم التي تمّ تجهيزها كنقاط إسناد ودشم، وإنشاء خنادق دفاعية تحيط بهذه التلال، تُسوّرها حقول من الألغام. وجرى تسليح كل نقطة بمختلف أنواع الأسلحة، وتنظيم الربط الناري بين هذه النقاط، لتكوّن في مجموعها خطاً دفاعياً قوياً، وقد أنشئ خط دفاعي آخر بعمق 3 إلى 5 كيلومترات.

اقرأ أيضاً: محاولة اغتيال قاضٍ بإدلب.. والمعارضة تتصدى للنظام بريف اللاذقية

من جهته، يرى عضو الهيئة العامة للثورة في الساحل، مجدي أبو ريان، أن "ما حصل لا يسمى اقتحاماً، والعملية فاشلة جداً، وهي محاولة للنظام لإحداث ضجة إعلامية وكسب معركة وهمية، لمنح التفاؤل، وسحب البساط من تحت أقدام قوات المعارضة. فهذه الجبهة لم تشهد أي معارك منذ سنتين"، مبيّناً لـ"العربي الجديد" أن هذا "كان اختباراً للواء درع الساحل التشبيحي ودوره المقبل في حماية القرى الموالية للنظام".

ويتفق قائد "لواء النصر" التابع لـ"الفرقة الساحلية الأولى"، عقيل جمعة، (التشكيل الأقوى حالياً في ريف اللاذقية التابع للجيش الحر) مع ما يذهب إليه أبو ريان، ويؤكد لـ"العربي الجديد" أن "النظام يريد إيهام مؤيديه بأن لواء درع الساحل سيعمل فعلاً لحماية الساحل".

وتم تأسيس لواء "درع الساحل" قبل نحو شهرين، من خلال حشد النظام أبناء الطائفة العلوية، بعد الخسائر المتوالية في إدلب. ويتبع اللواء لقوات الحرس الجمهوري، ويضم بضعة آلاف من المقاتلين، يقدم لهم النظام رواتب شهرية عالية، ويُخصصون للقتال في الساحل السوري، انتشروا بادئ الأمر في قرية الصنوبر على طريق جبلة اللاذقية وبلدة اسطامو شمال غرب القرداحة بنحو 20 كيلومتراً، قبل أن ينتشروا في مناطق سيطرة النظام في جبال التركمان والأكراد في ريف اللاذقية.

من جهة أخرى، تقول مصادر في "جبهة النصرة"، إحدى الفصائل التي تصدت للاقتحام الأخير، إن "النظام يهدف، عبر المحاولة الأخيرة، إلى إشغال مقاتلي ريف اللاذقية عن مساندة جيش الفتح في معارك سهل الغاب وريف إدلب، خصوصاً في تل المشيرفة التي تطل على طريق أريحا-اللاذقية، وهي أعلى نقاط قوات النظام في جسر الشغور، والتي تعني السيطرة عليها ضمان بقية النقاط كحمكية وحواجز العلوين والمنشرة وتل ليلاس، وبالتالي سهل الغاب سيصبح في الأسفل، وستسهل السيطرة عليه من هذه النقطة، فضلاً عن التحضير لمعركة أخرى في منطقة القرقور".

على أن بعض المراقبين، بالإضافة إلى جميع هذه الأسباب، ذهبوا إلى أن العملية الأخيرة تأتي كامتداد للمناوشات التي يقوم بها النظام منذ مدة، بهدف التمهيد لعمل عسكري ضخم سيبدأ في الشهر المقبل، ويسعى النظام من خلال هذه المناوشات والعمليات المتفرقة إلى استنزاف فصائل المعارضة بالذخيرة، ومعرفة نقاط الضعف والقوة لديها، مشيرين إلى إرسال المقاتلين الذين قدموا قبل شهر ونصف الشهر من طهران إلى خطوط مناطق المواجهات القريبة من المعارضة في ريف اللاذقية، استعداداً للمعركة المقبلة.

اقرأ أيضاً: سورية: معارك كر وفر في سهل الغاب