الحكومة السودانية تفشل مجدداً في إزاحة الـ"يوناميد" من دارفور

الحكومة السودانية تفشل مجدداً في إزاحة الـ"يوناميد" من دارفور

20 يوليو 2015
تمثّل الـ"يوناميد" أكبر بعثة أممية في العالم(فرانس برس)
+ الخط -

أغلق مجلس الأمن الدولي الباب، مؤقتاً، أمام الحكومة السودانية لتحقيق مطالبها المتكررة في خروج قوات البعثة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لحفظ السلام (يوناميد)، في إقليم دارفور. وقد زادت وتيرتها بعد إثارة البعثة لقضية اغتصاب مائتي امرأة في قرية تابت في دارفور، من قبل حامية للقوات المسلحة السودانية.

ومدّد مجلس الأمن، نهاية يونيو/حزيران الماضي، عاماً آخر للبعثة، على الرغم من محاولات السودان الدبلوماسية لإنهاء فترة البعثة في البلاد، عبر التأثير على حلفائها في مجلس الأمن بالتركيز على الصين وروسيا، فضلاً عن أصدقائها في الدول الأفريقية والعربية. إلّا أنّ جهودها باءت بالفشل، إذ أجيز القرار بإجماع كل من مجلس السلم والأمن الأفريقي، وهو ما كان سيدخل الصين وروسيا في إحراج في حال معارضته أو التخفيف منه.

يؤكّد مصدر في وزارة الخارجية السودانية لـ"العربي الجديد"، أنّ القرار بشكله الأوّل، الذي قدّمته بريطانيا، "كان ضد السودان بكل المقاييس. ومن شأنه، إذ أجيز بشكله الأوّل أن يشكّل خطراً على البلاد"، مضيفاً، "لكن الدبلوماسية السودانية نجحت عبر حلفائها في التخفيف من القرار وإن لم يكن مرضٍ لنا".

وسبق إعلان القرار، صراع كبير داخل أروقة مجلس الأمن فيما يخصّ فقراته، لا سيما النص الذي ربط بين أزمة دارفور والحل الشامل لأزمة البلاد، وهو ما عارضته الخرطوم وساندتها فيه كل من بكين وموسكو بهدف الوصول إلى تسوية سياسية شاملة وإصلاح ديمقراطي في السودان، وهو ما تعتبره الحكومة في الخرطوم مكسباً إيجابياً.

على الرغم من النقطة التي سجلتها الحكومة لصالحها في تحسين القرار الأممي، إلّا أن القرار أكد أن مستقبل الـ"يوناميد" واستمرارها في إقليم دارفور يتوقف على تحقيق أهداف عدة، على رأسها الوصول إلى توافق وطني عبر التفاوض لإحداث تسوية سياسية بمشاركة جميع الأطياف السودانية لوقف إطلاق النار وحماية المدنيين وتحقيق المصالحات والتعايش السلمي بين القبائل.

ويرى مراقبون أن خروج اليوناميد من السودان في الوقت الحالي، أمر مستحيل، نظراً للوضع الأمني المتردي في إقليم دارفور، في ظلّ ازدياد حالات الاحتراب القبلي والتفلت الأمني، فضلاً عن العمليات العسكرية بين الحكومة والحركات المسلحة في دارفور، وارتفاع حالات التشرّد إلى نحو 450 ألف شخص، خلال العام 2014.

اقرأ أيضاً السودان: احتجاج على موقف "يوناميد" من مزاعم اغتصاب بدارفور‎

ويشير إقرار فقرة في القرار الأممي إلى أنّ تحسن الوضع الأمني في إقليم دارفور محدود. كما طالب القرار الـ"يوناميد" بعد أن اعتمدها بكامل قوتها الحالية (19 ألف عنصر) بالتوسط في حل النزاعات بين القبائل لتحقيق السلام والاستقرار والعمل على إيصال الإغاثة للمتضررين.

ويقول المحلل السياسي عبدالغفار أحمد لـ"العربي الجديد"، إنّ "الحكومة تعي تماماً أنّه ما لم تنته الحروب في البلاد وحالات الاستقطاب السياسي، وتنجح في إحداث اختراق حقيقي، فيما يتصل بالتسوية السياسية الشاملة، لن تغادر الـ"يوناميد" أراضيها ولن يسمح المجتمع الدولي بذلك". ويوضح أنّ "لهذا السبب، تدخل كل دعواتها في إطار المناورة والضغط على اليوناميد في الخرطوم، في محاولة للتأثير على تقييمها، فيما يتصل بمراقبة الانتهاكات حتى تتم المفاضلة بين الصمت والتغاضي عن أفعال الحكومة مقابل عدم عرقلتها في مساعدة المتضررين".

قبل نحو أربعة أشهر، بدأت لجنة مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والحكومة السودانية النظر في استراتيجية خروج الـ"يوناميد"، ورُصد للمشروع 1.1 مليار دولار. إلّا أنّ الخلافات فيما يتصل بالتوقيت الزمني، عطّلت تنفيذ الخطة، لا سيما أن الحكومة تستعجل الخروج بحجة استتباب الأمن وقضائها على التمرد في الإقليم. بينما ترهن البعثة وجودها بتحقيق سلام واستقرار حقيقي في الإقليم، يتم معه وقف إطلاق النار وتسوية سياسية شاملة.

تأسست الـ"يوناميد" في نهاية يوليو/تموز2007. واجهت معارضة قوية من قبل الحكومة التي عادت ووافقت، لكنّها عمدت إلى وضع العراقيل في طريق البعثة الأممية، وشهدت علاقة الطرفين طيلة الأعوام الثمانية الماضية، كرّا وفرا وعدم ثقة واتهامات متبادلة. وتمثّل الـ"يوناميد" أكبر بعثة أممية في العالم، إذ انتشرت في إقليم دارفور بأكثر من 28 ألف عنصر، قبل أن يبدأ تقليصها تدريجياً عام 2012، وتنتشر في 35 موقعا في دارفور. وتخطت ميزانياتها حتى نهاية يونيو/ حزيران الماضي، 1.15 مليار دولار.

اقرأ أيضاً: الحكومة السودانية تدرس خروج بعثة "يوناميد" من دارفور اليوم

وعلى الرغم من أن تفويض الـ"يوناميد" خاضع للفصل السابع، الذي يجيز استخدام القوة لحماية المدنيين، إلّا أنّ البعثة لم تستخدم التفويض على الإطلاق، بل التزمت بشكل أكبر في النص الوارد في الاتفاقية، الذي يفرض أن تتحمل الحكومة السودانية مسؤولية حماية البعثة، وهو ما رأى فيه مراقبون أساساً في إضعاف دور الـ"يوناميد"، التي انكفأت في تقديم المساعدات للمتضررين بعيداً عن دورها الأساسي في حماية المدنيين وحفظ الأمن.

وخصّ السودان، الأسبوع الماضي، الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بدعوة رسمية لزيارة البلاد، والوقوف على الأوضاع بنفسه، في محاولة لتحقيق مطالبها في خروج البعثة، على الرغم من اقتناعها تدريجياً باستحالة تنفيذ الخطوة، على الأقل في الأعوام القليلة المقبلة. ونقلت وزارة الخارجية حديثاً للنائب الأول لرئيس الجمهورية، بكري حسن صالح مع بان الذي التقاه على هامش القمة الأفريقية، الأسبوع الماضي، وأكّد خلاله حرص السودان على وضع خطة لخروج البعثة وفقاً لتطور الوضع الأمني في المنطقة، وأنّه تلقّى وعداً من بان بتوجه مسؤولي الأمم المتحدة إلى استئناف الاجتماعات الخاصة لوضع جدول لمغادرة اليوناميد للبلاد.

ورأى رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، أنّ حديث الحكومة عن ضرب التمرد في دارفور، "عار عن الصحة"، متحدياً الحكومة بفتح باب الإقليم أمام الإعلام لتحديد المناطق التي تسيطر عليها الحركات الدارفورية، فضلاً عن الأزمات التي تسببها للحكومة، فيما يتصل بالاستقرار والطرق الآمنة. وأكّد أنّ خروج الـ"يوناميد" لا يعنيهم، لأن وجودها مرتبط بتنفيذ اتفاقية الدوحة لسلام دارفور. وأوضح أنّ "الحكومة تريد إخراج البعثة حتى لا تراقب الاتفاقية والأموال التي تدخل البلد، والتي تصرفها في الحرب في أطراف البلاد".

اقرأ أيضاً السودان: يوناميد تعلن اختطاف اثنين من موظفيها