هدوء جبهة عرسال: ترسيم الحدود بين حزب الله و"الفتح"

هدوء جبهة عرسال: ترسيم الحدود بين حزب الله و"الفتح"

01 يوليو 2015
مقاتل من حزب الله على مشارف الحدود(جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

سحب ملف السيطرة على الحدود الشرقية بين لبنان وسورية وضبط أمنها من الأجندة الإعلامية وجدول أعمال القوى السياسية وفي المقدمة حزب الله اللبناني. هي معركة القلمون الغربي (في الداخل السوري) أو معركة جرود عرسال (على الحدود بين البلدين) أو حتى معركة عرسال نفسها (في الداخل اللبناني)، التي ضخّت الماكينة الإعلامية لحزب الله معلومات وصوراً وأخباراً على مدار الساعة عن اقتراب حسمها منذ مطلع يونيو/حزيران الجاري. وبعد ما يقارب أسبوعين، يبدو أنّ الملف سُحب من التداول، وجاءت قضايا أخرى لتنال الاهتمامين السياسي والإعلامي، وكأنّ "الخطر التكفيري" على الحدود بين البلدين زال فجأة، ولو أنّ المعركة لم تنته بعد. 

اقرأ أيضاً: احتراق مبكر لـ"الحشد الشعبي" اللبناني... و"داعش" لوصل القلمون بتدمر 

وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، قد أعلن في خطابه يوم الخامس من يونيو/حزيران أنّ "معركة جرود عرسال انطلقت وستتواصل حتى تحقيق الأهداف". وعاد نصر الله وأطلّ بعد خمسة أيام، في العاشر من الشهر الجاري، ليؤكد أنّه "في جرود عرسال، حصل في الأيام الماضية هذا التقدم الكبير، ولحقت هزيمة حقيقية ونكراء بجبهة النصرة. هناك بعض الناس في لبنان يحاولون مساعدة جبهة النصرة معنوياً، نفسياً، إعلامياً، يستنهضونها، ولكن انتهى الموضوع، هذا المسار مستمر"، مع تشديده على سيطرة "الجيش العربي السوري ومجاهدي المقاومة على القمم العالية والجبال الشامخة في القلمون".

لكن أبرز ما جاء في الخطاب نفسه، قول نصر الله إنّ "التطور المهم هو بدء المعركة والمواجهة مع تنظيم (الدولة الإسلامية) "داعش"، ولا بأس أنهم هم الذين بدأونا بالقتال". ومن ذلك الحين اقتصرت أخبار المعركة والتهليل لها على أخبار بسيطة عن استهداف تحركات للمجموعات السورية في الجرود. 

على المستوى الميداني، هدأت المعركة على الجبهات الثلاث؛ في القلمون الغربي وعرسال وجرودها. حتى إنّ ما ظهر وكأنه هجوم من تنظيم "داعش" على مواقع حزب الله (الأمر الذي دفع نصر الله أساساً إلى القول إن المعركة مع داعش قد بدأت)، في التاسع من يونيو/حزيران تبيّن أنه "هجوم لمجموعات منشقة عن داعش على الحزب"، بحسب ما تقول مصادر مطّلعة على واقع الأمور على الحدود لـ"العربي الجديد". وانشقت هذه المجموعة عن "داعش"، لكون الأخير لا يقاتل حزب الله وجيش النظام السوري في القلمون وعلى الحدود، فنفّذت بسلاحها هجوماً على مواقع للحزب في رأس بعلبك (شرق لبنان) "حيث نجحت في إسقاط أحد المواقع، ثم ووجهت لاحقاً بمدفعية الجيش اللبناني فانتهى الهجوم بالقضاء على المجموعة المنشقة"، بحسب المصدر نفسه. 

اقرأ أيضاً: "حزب الله" يطلق معركة جرود عرسال

ومن خلال متابعة سياق عمل "داعش" خلال الحرب السورية، يتبين عدم خوض التنظيم لأي معركة مع النظام أو حزب الله، وسعيه الدائم إلى البطش في مجموعات المعارضة السورية لدى اصطدامها بجيش النظام أو الحزب. وهو تماماً ما سبق وحصل في القلمون الغربي في مايو/أيار، إذ شنّ التنظيم هجوماً على "جيش الفتح" في القلمون (الذي يضم مختلف مجموعات المعارضة السورية في المنطقة) لدى محاولة الأخير التقدم باتجاه مجموعة من قرى القلمون الواقعة تحت سيطرة النظام وحزب الله.

هدوء الجبهة

وبخصوص الوقائع الميدانية في جرود عرسال، تقول مصادر محلية تفضل عدم نشر اسمها لـ"العربي الجديد"، إنّ "الجبهة هدأت منذ ما يقارب الأسبوعين"، مشيرة إلى أنّ "حزب الله أوقف هجومه باتجاه جرود البلدة على الرغم من تقدم فعلي حققه". وتشير إلى أنّ "الحزب يعمد إلى تحصين بعض المواقع في الجرود، وهو تماماً ما تقوم به المجموعات السورية المنضوية تحت لواء جيش الفتح"؛ فقام الطرفان برفع السواتر الترابية والتحصينات في المواقع التي يسيطران عليها، وكأنّ ترسيماً للحدود قد تمّ بينهما. فبعد حرب استنزاف فعلية في المنطقة امتدت على ما يقارب شهراً كاملاً، يبدو أنّ الحزب والفتح اقتنعا بأنّ كلفة المعركة باهظة تحديداً على المستوى البشري، في ظلّ سقوط عشرات القتلى من الطرفين خلال الشهر المنصرم. ويمكن القول إنّ الحزب تمكن إلى حد مقبول من دفع المجموعات السورية كيلومترات عن الحدود الجنوبية لبلدة عرسال، أي أنه  تمكّن بشكل أو بآخر من ردّ خطرها عن جرود البلدات المحسوبة عليه وعلى بيئته في بعلبك (قرى نحلة وبريتال وحتى مدينة بلعبك، والتي سبق للمجموعات السورية ان هاجمت جرودها وسيطرت على مواقع للحزب فيها). فيكون الحزب قد اقتنع بأنّ النتيجة التي حققها في الجرود جيّدة حتى الساعة ولو أنّ مشروعه هو "تطهير الحدود والجرود من التكفيريين" بحسب ما سبق لنصر الله أن قال. ولا بد  من التذكير بخطابه في 24 مايو/أيار، حين أكد على مواصلة المعركة حتى القضاء على المعارضة السورية في الجرود، وقال إن "أهلنا في بعلبك الهرمل الشرفاء لن يقبلوا ببقاء إرهابي واحد ولا تكفيري واحد في أي جرد من جرود عرسال أو البقاع". 

سكت صوت المدفع في جرود عرسال وباقي الحدود إذاً، وتحوّلت حرب الاستنزاف إلى حرب مواقع ومتاريس ونقاط سيطرة. أما في المقلب الآخر، فبات "جيش الفتح" في القلمون محاصراً بشكل فعلي ومن كل الجهات في جرود عرسال: شمالاً من "داعش"، غرباً من الجيش اللبناني، شرقاً وجنوباً من حزب الله وجيش النظام السوري. ويشير مسؤول أحد التنظيمات المنضوية تحت لواء الفتح لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذا الحصار انعكس نقصاً في الإمدادات العسكرية واللوجستية"، مع تأكيده على الإبقاء على بعض المعابر مفتوحة والتمكن من اختراق الحصار بوسائل عدة. 

وفي هذا الإطار تحدث مطلعون على أجواء "الفتح" عن مفاوضات انطلقت قبل أسبوعين مع حزب الله تخلّلها مطالب عدة أبرزها تأمين خروج آمن للمسلحين وضمان سلامة أهل عرسال واللاجئين السوريين فيها. إلا أنّ هذه المفاوضات توقفت نتيجة اختلاف بين المفاوضين على ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى "جبهة النصرة" (منذ أغسطس/آب 2104)، دون ذكر أي تفاصيل إضافية ولو أنّ "مسؤولي (النصرة) وافقوا على الإفراج عن العسكريين كأحد بنود الاتفاق".

تشديد حصار عرسال

ونتيجة سير معركة عرسال في هذا المسار وترسيم الحدود فيها، يدفع أهالي البلدة الثمن الأكبر. إذ إن جرود عرسال تشكّل المورد المالي الأول لأهلها الذين يعيشون من المواسم الزراعية ومن معامل الحجر فيها. وباتت هذه البساتين والمعامل واقعة داخل خريطة الحدود الجديدة، وبالتالي فإنّ الوصول إليها مستحيل اليوم. أما الموارد المالية الأخرى فتتمثل بالتجارة من خلال التهريب، وهو مورد كان قد تم ضربه سابقاً خلال الحرب السورية، ليتبقى في عرسال ما يقارب 1000 موظف في مؤسسات وقطاعات عدة داخل البلدة وخارجها. أي أنّ أكثر من عشرين ألف عرسالي باتوا مهدّدين بالجوع، بحسب ما يقول بعض أبناء عرسال لـ"العربي الجديد". ليكون هذا هو الوجه الآخر للحرب في جرود عرسال: استكمال حصار أهل عرسال المحاصرين أصلاً اجتماعياً وسياسياً بسبب دعمهم الثورة السورية، في حين أن محيطهم البقاعي في شرقي لبنان محسوب على حزب الله. ويتخوّف المسؤولون في البلدة من موجة نزوح من البلدة على أبواب فصل الشتاء، حيث الحاجة إلى تأمين حاجات التدفئة والمونة الغذائية والمدارس وغيرها، وهو ما بات القسم الأكبر من العرساليين عاجزاً عنه. فتختصر معركة جرود عرسال اجتماعياً بعبارة "أهل عرسال سيموتون من الجوع، بينما حزب الله والنصرة يقطفون مواسم الكرز ويتاجرون بها".

المساهمون