عائلة محيسن تتحدى المستوطنين منفردة في سلوان

عائلة محيسن تتحدى المستوطنين منفردة في سلوان

15 مايو 2015
تتشبث عائلة محيسن بالمرابطة في منزلها متحدية المضايقات(العربي الجديد)
+ الخط -
لا ينطبق المثل العربيّ الشّهير عن ضرورة حسن اختيار "الجار قبل الدار" على كثير من قصص الفلسطينيين الصامدين على أراضيهم وفي بيوتهم على الرغم من مخططات طردهم. ففي حالتهم، مهما كان "الجار" سيئاً لا بدّ من التشبث بالأرض والدار حتى يرحل. من بين هؤلاء، الفلسطيني محمد محيسن (39 عاماً) الذي يعيش وعائلته في شقة متواضعة في الحارة الوسطى، إحدى حارات سلوان المكتظة، بينما تعيش في الشّقق الخمس التي تعلو شقته عائلات مستوطنين إسرائيليين.

ففي الثلاثين من سبتمبر/أيلول الماضي، أفاق محيسن على صوت صراخ وضجيج في حارته، ليجد الشّقق الخمس التي تقع في المبنى الذي يقطن فيه قد تسربت إلى الجمعية الاستيطانية "إلعاد" ترافقها قوات الاحتلال. في ذلك الفجر الذي يصفه محيسن بأنه "لا ينسى"، سيطرت "إلعاد" على 8 مبانٍ سكنية في سلوان تضم 26 شقة سكنية، في فصل جديد من فصول التهويد والسيطرة وطرد العرب من مدينتهم.

اقرأ أيضاً الاستيلاء على عقارات في القدس: سمسرة "العاد" عبر فلسطينيين

بداية القصة

بعد أن كان محيسن مستأجراً للشقة التي يصمد فيها اليوم، قام بشرائها في العام 2013 من أصحاب المبنى الأصليين، عائلة القواسمي، ومن ثم سارع إلى تثبيت ملكيته لها في جميع الأوراق الرسمية. في العام 2014، باعت عائلة القواسمي الشقق الخمس المتبقية في المبنى إلى شخص آخر هو ش.ق، الذي يعد المتهم الرئيسي في تسريب هذه الشقق إلى "إلعاد".
يروي محيسن كيف "سارع ش.ق. إلى القيام بعملية تصليح شاملة للشقق التي اشتراها، من دهان وتركيب حديد وما إلى ذلك، حتى أصبحت جاهزة لدخول المستوطنين عليها". كما حاول ش.ق. مراراً إقناع محيسن ببيع شقته ليصبح المبنى كله في يده، لكن الأخير كان يرفض في كلّ مرة. يشرح محيسن لـ"العربي الجديد" الأساليب التي اعتمدها مع ش.ق. مشيراً إلى أنه "كان أحياناً يقول لي نريد تحويل المبنى إلى مدرسة، وأن الأموال التي يحملها جاءت من جمعيات خليجية، ولكن كان لدي شعور بأن مصير العقار لن يكون محموداً، ولم أقتنع بما يقوله حول المدرسة".
بعد سيطرة المستوطنين على الشّقق الخمس المجاورة لشقته، بدأت تفاصيل حياة محيسن وعائلته بالتبدل، وبدأوا يواجهون وحدهم نفوذ الجمعيات الاستيطانية. كان أول ما قام به محيسن أن أغلق باب شقته الأصلي والذي يفضي إلى المدخل المشترك لكلّ سكان العمارة، وذلك لتفادي الاحتكاك مع المستوطنين عند الخروج والدخول من البيت، وقام بفتح باب جديد في الجهة الخلفية من الشقة.

بعد أيام قليلة من ذلك الفجر المشؤوم، بدأ المستوطنون بسلسلة من التضييقات والاعتداءات على عائلة محيسن، منها سرقة عداد الكهرباء الخاصّ بالشقة، وإلقاء النفايات من نوافذهم باتجاهها، فضلاً عن إزعاج العائلة بالصّوت المرتفع في ساعات متأخرة من الليل. يقول محيسن لـ"العربي الجديد" إن المستوطنين "قاموا بإحداث ثقوب في أرضية إحدى الشقق التي تقع مباشرة فوق شقتي، وعبر هذه الثقوب كانت تتسرب إلى مطبخي مياه الصرف الصحي، مما اضطرني إلى إجراء تصليحات واسعة في المطبخ لتفادي أي ضرر مستقبلي".

أما أطفال محيسن، صلاح وسجى وتالا وجنى، فقالوا إنهم لم يعودوا يرتاحون إلى اللعب في ساحة بيتهم الصّغيرة خوفاً من تعرضهم لأذى المستوطنين، كما أنهم باتوا يحرصون على مرافقة بعضهم بعضاً في الطريق إلى المدرسة. أما أصدقاؤهم الذين اعتادوا زيارتهم للعب وللدراسة معاً، فلم يعد أهاليهم يسمحون لهم بذلك تحسباً لأي اعتداء من قبل المستوطنين أو قوات الاحتلال.
وتشير زوجة محيسن إلى أن ابنتها جنى (3 أعوام) تصحو في مرات كثيرة منتصف الليل على أصوات الضجيج التي تصدر من شقق المستوطنين، وتصرّ على النوم في حضن والدتها. وتضيف أنها لم تعد قادرة على زيارة أهلها وأقاربها كما في السّابق، خوفاً من ترك البيت خالياً. يشاركها في ذلك زوجها، إذ يقول إنه قلّص ساعات عمله من 8 ساعات يومياً إلى 5 ساعات، بسبب قلقه على عائلته، وعدم رغبته في البعد طويلاً عن البيت في ظل وجود المستوطنين.
يعتبر محيسن أن مجموع المضايقات التي يتعرض لها من قبل المستوطنين تصبّ في محاولة الضغط عليه وعلى عائلته لحملهم على ترك بيتهم. وبرأيه، لا يكتفي هؤلاء المستوطنون بذلك، بل يكررون أمامه مرات عدة عروضاً بأموال طائلة مقابل التنازل عن بيته. يضيف محيسن "قال لي أحدهم ذات مرة: معك شيك مفتوح، فقط سلمنا كلّ ما لديك من أوراق ثبوتية في البيت واخرج منه...". ووفقاً لمحيسن فإنه في إحدى المرات، عرضوا عليه أن يقوموا بتأمين بيت وعمل وسيارة خارج القدس المحتلة، ومرة أخرى خارج فلسطين مقابل تسليم البيت.
الوضع الذي تعيشه عائلة محيسن من ضغوطات ومضايقات من قبل المستوطنين، جعلها حذرة في التعامل مع كلّ من يتواصل معها. ويذكر محيسن أن جاءه مجهولون عرضوا عليه شراء البيت لضمّه إلى جامع قريب وتحويله إلى دار لتعليم القرآن، مدّعين أنهم من مكتب الأوقاف الإسلامية، فيما كان واضحاً له أنهم مرسلون من طرف الجمعيات الاستيطانية في محاولة للتحايل عليه.
يختم محيسن قصته بالقول "أنا إنسان لا أبيع ضميري وديني... وأنا مرابط في هذا البيت، وأتمنى لو تكون هناك زيارات فلسطينية مستمرة للحارة وللبيت لإثبات الوجود العربي فيها وتعزيزه".

اقرأ أيضاً: فضيحة سلوان الكارثية