نصرالله والحريري والأدوار العابرة للحدود

نصرالله والحريري والأدوار العابرة للحدود

16 ابريل 2015
نصر الله والحريري في العام 2006 (حسن إبراهيم/فرانس برس)
+ الخط -

يُسيطر هدوء غريب على السياسة المحليّة في لبنان. لا يزال قرار عدم تفجير الوضع داخلياً، ساري المفعول، رغم أن الانقسام العمودي بين اللبنانيين ازداد حدّة. عوامل كثيرة تفرض استمرار هذا الهدوء، رغم وجود مؤشرات على أنه قد لا يستمر طويلاً.

بالتوازي مع هذا الهدوء، يشتبك زعيما أبرز حزبين في لبنان حالياً كلامياً بشكل شبه دوري. فمنذ انطلاق عمليّة "عاصفة الحزم"، بدا زعيم تيار المستقبل سعد الحريري، وكأنه لاعب أساسي في هذا الحلف، وخصوصاً أنه كان السياسي العربي الأول الذي أيّد هذه العمليّة إعلامياً، وذلك عبر اتصال هاتفي لمدة نصف ساعة مع قناة العربية، فجر 26 مارس/آذار الماضي، أي بعد أقل من ثلاث ساعات على بداية الغارات الجوية.

في المقابل، تولّى الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله، قيادة الجبهة المقابلة. ففي اليوم التالي للعمليّة، خرج نصرالله في خطاب مخصص للرد على هذه التحالف العشري. قدّم نصرالله في خطابه، مرافعةً دفاعيّة عن إيران وهجوماً شرساً على السعوديّة لمدة ساعة من الزمن. ثم ظهر نصرالله إعلامياً مرة ثانيّة في مقابلة مع الإخبارية السوريّة في السادس من أبريل/نيسان الحالي، على أن يخرج للمرّة الثالثة غداً الجمعة في مهرجان دعم للحوثيين يُنظمه حزب الله.

تتشابه إطلالات نصرالله والحريري، رغم الاختلاف الكامل في المضمون وفي الأسباب. فبالنسبة إلى نصرالله، هو يؤدي دوراً يُمكن وصفه بسفير فوق العادة لإيران، وهذا ليس دوراً جديداً لنصرالله لكنه ظهر بوضوح أكثر في الأسابيع الماضية.

اقرأ أيضاً: تاريخ لبنان ينتظر انتهاء الحرب

وقد سبق لنصرالله أن تحوّل إلى زعيم "الشيعة العرب"، بحيث أوكل من المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي بإدارة عدد من ملفات الشيعة العرب لأسباب مختلفة أبرزها:

أولاً: نصرالله رجل دين شيعي عربي، يعود نسبه للنبي محمّد، وهو زعيم حركة عسكريّة قاتلت إسرائيل مراراً وتكرارا، وحقق شعبيّة كبيرة إثر حرب يوليو/تموز 2006 على لبنان.

ثانياً: بعد احتلال العراق عام 2003، واجهت إيران صعوبة بالتعامل مع عدد من المسؤولين ورجال الدين العراقيين، لأسباب عدّة، من أبرزها الخلاف الفارسي ــ العربي القديم، والتنافس بين مرجعيتي قم الإيرانيّة والنجف العراقية. ومن أبرز رجال الدين الذين تحسسوا من الدور الإيراني المباشر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي عُرف عنه أنه يقبل "نصائح" نصرالله برحابة صدر، فيما يرفضها من الإيرانيين ويعدّها تدخلاً بالشؤون العراقيّة من غير العرب. ومن الأمثلة حديثة العهد، فشل الإيرانيين بالتوسط بين رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، فأوكل الأمر إلى نصر الله.

ثالثاً: خاض حزب الله ويخوض حروباً عديدة لإيران اليد الطولى فيها في سورية والعراق خصوصاً، كما أرسل الحزب مستشارين عسكريين إلى هذه المناطق، وإلى بلدان أخرى في السابق. فإيران لا تحتمل سقوط هذا العدد من القتلى لأسباب داخليّة، وأخرى لها علاقة بالواقع في الدول العربيّة، وهذا ما جعل نصرالله يؤكّد أن عدد المقاتلين الإيرانيين في سورية لا يتجاوز في أكثر الحالات خمسين مقاتلاً، وهو رقم يتناقض مع الوقائع السورية. كما أن نصرالله أغفل ذكر مئات المقاتلين الأفغان، الذين جندتهم إيران من مخيمات اللجوء الأفغانيّة داخل الأراضي الإيرانيّة. وهذا الأمر يعفي إيران من المسؤوليّة أمام المجتمع الدولي، إذ يُمكنها التنصّل من الجرائم التي جرت في سورية على سبيل المثال، ولصقها بالنظام السوري وجيشه، رغم أن الإدارة الفعليّة للنظام صارت بأيدي ضباط من الحرس الثوري الإيراني.

من هنا، قام نصرالله ولا يزال بدور بارز في إدارة الخطاب السياسي للموقف الإيراني في سورية وفي اليمن. لكن دور حزب الله لا يقتصر على تولي الجبهة السياسيّة والعمل العسكري الميداني، بل يتعداه إلى تحوّل الضاحية الجنوبيّة لبيروت إلى ملجأ للمعارضين المؤيدين لما يُسمى "المحور الإيراني"، في حين تعرّض المعارضون السوريون في بيروت للتضييق، من حزب الله مباشرةً، أو من حلفائه. ففي الضاحية أيضاً، افتتحت سلسلة من القنوات التلفزيونيّة التابعة للحوثيين، وللمعارضة السعوديّة (الشيعيّة) ولحركة الوفاق البحرينيّة. اللافت، أن لهذه القنوات خيطاً واحداً يجمعها، إن لجهة التمويل أو السياسة التحريرية.

وفي لحظة تمدد النفوذ الإيراني إلى بغداد وبيروت ودمشق وصنعاء، خرج قائد فيلق القدس قاسم سليماني إلى العلن متنقلاً بين بيروت ودمشق وبغداد وتكريت. ثم عاد إلى الظلّ مع بدء "عاصفة الحزم" ليترك الساحة لنصرالله.

أمّا لجهة الحريري، فإن الرجل الذي يقوم بجولات مكوكيّة من دولةٍ إلى أخرى، ينقل خلالها رسائل سياسيّة، يتحوّل شيئاً فشيئاً إلى "زعيم الاعتدال السني" في بلاد الشام. ففي المحور الذي تقوده السعوديّة، هناك من اقتنع بضرورة، وجود رمز "للاعتدال السني" في بلاد الشام، يكون واجهة لهذا المحور الذي يريد القول إن التنظيمات الإسلاميّة المتشددة لا تُمثّل السنة في بلاد الشام. في هذا السياق تندرج حركة الحريري، كما يقول مسؤولون في تيار المستقبل في لبنان. وصل الأمر لدى البعض للترويج لنظريّة بدأت تنتشر في أوساط مختلفة، وتقول هذه النظريّة بأن "سعد الحريري هو زعيم في المنطقة، وليس رئيس تيار المستقبل أو رئيس حكومة لبنان، لأن رئيس الحكومة يضطر لتقديم تنازلات كثيرة، ويُصبح رهينة هذا الوزير أو ذاك" كما يقول مسؤول آخر. وعلى هذا الأساس، يُفضل أصحاب هذه النظرية أن يبقى الرئيس تمام سلام، أو أي شخصية سنية أخرى غير معارضة لتيار الحريري وللسعودية، رئيساً للحكومة.

هكذا، يؤدي زعيما أكبر حزبين في لبنان، أدواراً تتجاوز لبنان، ولا يزالان مصرين على تحييد هذا البلد عن صراعات المنطقة المحتدمة، والتي قد تُغيّر خرائط دول. لكن لا يبدو أن هذا الإصرار قوي ليحمي لبنان لفترة أطول.

اقرأ أيضاً:  بعد خطاب نصرالله: صراع الوسوم اللبنانية ينفجر

المساهمون