"الجبهة الشامية" من الوحدة إلى التفكّك

"الجبهة الشامية" من الوحدة إلى التفكّك

13 ابريل 2015
النظام و"داعش" يستغلان الانشقاقات لتصعيد الهجمات (أحمد محمد علي/الأناضول)
+ الخط -
عانت "الجبهة الشامية"، التي تشكّل اتحاد أكبر فصائل المعارضة السورية في مدينة حلب، أخيراً من انسحاب عدد من الفصائل المنضوية في صفوفها، كان آخرها انسحاب عدّة فصائل منها لتشكل تجمع "ثوار الشام" منذ أقل من أسبوع، ما سبب خلافاً بين الطرفين تطور إلى اشتباكات محدودة. جاء ذلك بموازاة تصعيد قوات النظام السوري وتنظيم "داعش" هجماتهما في حلب ضدّ المعارضة، ما يشير إلى استغلال الأخيرين تفكّك فصائل المعارضة للانقضاض عليها.
وتطرح الانسحابات الأخيرة تساؤلات حول إمكانية استمرار "الجبهة الشامية" كتشكيل جامع لفصائل المعارضة السورية في حلب، ومدى قدرتها على جذب المزيد من الفصائل العاملة في حلب وريفها للانضمام لها.

وكان قادة فصائل "الجبهة الإسلامية" في حلب و"جيش المجاهدين" وتجمع "فاستقم كما أمرت" وحركة "نور الدين زنكي"، وجبهة "الأصالة والتنمية"، قد أعلنوا قبل نهاية العام الماضي بأيام قليلة في بيان مصور عن اندماج تشكيلاتهم جميعاً في تشكيل "الجبهة الشامية"؛ وحينها اعتبر هذا الاندماج لأكبر فصائل المعارضة في حلب هو الأول والأكبر من نوعه، منذ انطلاق المواجهات المسلّحة بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة، قبل نحو ثلاث سنوات.

وكان قائد تجمع "فاستقم كما أمرت" أحد أكبر تشكيلات الجبهة، صقر أبو قتيبة، قد أوضح لـ "العربي الجديد"، عقب تشكيل "الجبهة"، أن الفصائل التي انضمت للجبهة الشامية قدمت كل عناصرها وعتادها العسكري لصالح التشكيل، الذي تتبع له جميع هذه الفصائل بدون أي محاصصة أو تمثيل نسبي لها في قيادة "الجبهة الشامية". وأشار إلى أنه لا يمكن لأي فصيل في حال وقع خلاف سحب عتاده وقواته من "الجبهة الشامية"، وإنما ينسحب منفرداً.

وبعد نحو شهرين من تأسيس "الجبهة الشامية"، أعلنت قيادة الجبهة عن ضمها حركة "حزم" في حلب في بداية شهر فبراير/شباط الماضي، بعد يوم واحد من اندلاع اشتباكات بيت "حزم" وتنظيم "القاعدة في بلاد الشام" (جبهة النصرة)، فيما اعتبر وقتها أنه حماية قدمتها "الجبهة الشامية" لحركة "حزم".

لكن هذه الحماية لم تستمر إلا شهراً واحداً فقط، قبل أن تقرّر قيادة "الجبهة الشامية" فصل حركة "حزم" في نهاية شهر فبراير/شباط، ليفتح ذلك المجال واسعاً أمام "النصرة" لاقتحام مركز حركة "حزم" الرئيسي في ريف حلب الغربي في الفوج 46 قرب مدينة الأتارب، وتسيطر عليه وتقضي على الحركة بعد اشتباكات نتج عنها سقوط عشرات القتلى من عناصر الأخيرة، قبل أن تعلن قيادتها بعد يومين عن حل نفسها، وانضمام عناصرها للجبهة الشامية مجدداً.

خاضت "الجبهة الشامية" بعد ذلك أكبر معاركها ضد قوات النظام السوري في نهاية شهر فبراير/شباط الماضي، وتمكنت من إلحاق هزيمة غير مسبوقة بقوات النظام، التي حاولت التقدّم لفك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء المواليتين للنظام. وكبدت قوات الأخير أكثر من ثلاثمئة قتيل وتمكنت من أسر أكثر من مائة وعشرين، وذلك بعد تمكنها من السيطرة على بلدتي رتيان وحردتنين ومنطقة "مزارع الملّاح" ومنطقة "الأسامات"، وأجزاء من بلدة حندرات شمال حلب.

ونتج هذا النجاح الميداني الكبير الذي حققته قوات "الجبهة الشامية"، بالاشتراك مع باقي فصائل المعارضة شمال حلب عن التنسيق العالي، وتوحيد الإمكانات اللوجستية والبشرية ووضعها جميعاً تحت أمرة غرفة عمليات عسكرية واحدة، شكلتها قيادة "الجبهة الشامية" مع باقي فصائل المعارضة في حلب.

لكن "الجبهة الشامية" بدأت تعاني منذ مطلع الشهر الماضي من انشقاقات متتالية، أدت إلى طرح تساؤلات كبيرة حول مدى قدرة قيادتها على الحفاظ عليها وربما توسيعها، وبدأت الانشقاقات بتشكيل "الفوج الأول" من مجموعة كتائب كانت تابعة لـ "الجبهة الإسلامية" في حلب، العضو في "الجبهة الشامية"، لتنشأ بين الطرفين خلافات حول أحقية احتفاظ كل منهما بنقاط الرباط على جبهات القتال ضد قوات النظام السوري في مدينة حلب. وينتج عن ذلك توتر وصل إلى حد اشتباكات محدودة، قبل أن يتفق الطرفان على تشكيل لجنة تحكيم تفصل في خلافاتهما.

غير أنّ الانشقاق الأكبر الذي عانت منه "الجبهة الشامية" حصل منذ أيام قليلة، حين أعلنت فصائل حركة "النور"، و"لواء أمجاد الإسلام"، و"تجمع كتائب الهدى"، وعدّة مجموعات تابعة للواء الأنصار، عن تشكيلها لتجمع جديد تحت اسم "ثوار الشام" بقيادة النقيب ناجي المصطفى والملقب أبو حمزة.

واعتقلت قوات "الجبهة الشامية" ثلاثة قياديين في التشكيل الجديد قرب بلدة بابيص بريف حلب الغربي، ونشرت قوات حركة "نور الدين زنكي"، التابعة لـ "جيش المجاهدين" المنضوي في صفوف "الجبهة الشامية"، عدداً من الحواجز العسكرية في ريف حلب؛ ما أدى لزيادة التوتر بين الطرفين.

ودفع ذلك قائد لواء "أمجاد الإسلام"، النقيب علي شاكردي، إلى إصدار تصريح صوتي بثه على شبكة الإنترنت، أوضح فيه أن انشقاق الكتائب المشكلة لـ "ثوار الشام" عن "الجبهة الشامية" جرى على مراحل، وبعد إبلاغ القائد العام للجبهة، عبد العزيز السلامة، وأن هذا الانشقاق ليس الأول من نوعه، إذ سبقه انسحاب حركتي "النور" و"أحرار الشام" من المفاوضات التي تمخض عنها تشكيل "الجبهة الشامية"، ومن ثم انسحاب الفوج الأول وكتائب "الصفوة الإسلامية"، دون أن يتم التصعيد ضدهم.

وأكد شاكردي أن الانشقاق كان بعد يومين من اجتماع ضمه مع المقدم محمد بكور والشيخ حسان الأطرش، القياديين في "جيش المجاهدين"، تم خلاله الاتفاق على تشكيل لجنة للفصل في النزاع بين المنشقين وبين "الجبهة الشامية"، حول ملكية دبابات وأسلحة وذخائر وأموال أخرى كانت ضمن ملكية مشتركة بين الطرفين، وتلا ذلك إطلاق قوات الجبهة الشامية لقياديي "ثوار الشام" المعتقلين لديها، وقامت برفع حواجزها في ريف حلب لينتهي التوتر بين الطرفين.

وجرى كل ذلك في الوقت الذي تصاعد فيه التوتر في حلب وريفها، نتيجة قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الأسبوع الماضي باستهداف قياديين في "الجبهة الشامية" في المربع الأمني في مدينة مارع شمال حلب، ما أدى إلى مقتل اثنين منهم واستهداف التنظيم مقرّاً لقوات رد المظالم التابعة للجبهة قرب الحدود السورية التركية في نفس اليوم؛ ما أدى لمقتل ثلاثين من عناصر الجبهة الشامية.

اقرأ أيضاً (سورية: مقتل قياديين معارضين بتفجير لـ"داعش" في حلب)

وتصاعد التوتر على جبهات القتال في مدينة حلب في الأيام الثلاثة الأخيرة، حيث تجددت الاشتباكات بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة، على جبهات القتال في حي العامرية وحي كرم الجبل ومنطقة حلب القديمة في مدينة حلب وفي بلدة حندرات شمالها، في الوقت الذي شنت فيه طائرات النظام السوري حملة قصف غير مسبوقة منذ أشهر على مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب.

ويطرح هذا التصاعد للتوتر في مدينة حلب وريفها تحديات كبيرة أمام قوات المعارضة التي تمثل الجبهة الشامية أكبر كياناتها في حلب، ما يدعوها إلى زيادة التنسيق المشترك ولم شملها من جديد لمواجهة هجمات "داعش" المتكررة على مناطق سيطرتها في ريف حلب الشمالي، وللرد على قيام قوات النظام بقصف مناطق سيطرتها في مدينة حلب بشكل مستمر.

اقرأ أيضاً (النظام السوري يحاول مواجهة معركة إدلب من حلب والساحل)