هواجس إدارة إدلب: سيناريو الرقة هل يتكرر؟

هواجس إدارة إدلب: سيناريو الرقة هل يتكرر؟

30 مارس 2015
(زين الرفاعي/فرانس برس)
+ الخط -
بعد إعلان إدلب مدينة محررة من النظام السوري، على أيدي "جيش الفتح"، المؤلف من غرفة عمليات مشتركة لفصائل إسلامية عدة، بدأت التساؤلات حول طبيعة النتائج السياسية لهذا الانتصار الميداني على المعارضة ومسار الثورة السورية.

فعلى الرغم من أن الانتصار تم على أيدي "جيش الفتح"، إلا أن جبهة النصرة تحاول تصدّر المشهد، ليثير هذا التحرير هواجس عدة، وخصوصاً أن إدلب هي المدينة الثانية التي تخرج عن طوع النظام بعد محافظة الرقة التي سرق تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش)، نصرها.
وتبدو تجربة الرقة قابلة للإسقاط على الوضع في إدلب، وتحديداً لجهة الفصائل التي حررت المدينة، إذ كانت أبرز الفصائل التي حررت الرقة هي جبهة النصرة وحركة أحرار الشام. وهي الفصائل ذاتها المتصدرة لتحرير إدلب، إلا أنها تبدو اليوم مختلفة، وخصوصاً لجهة نضج التجربة في التعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" بعد المعارك الطويلة معه، قبل أن يسيطر "داعش" على محافظتي الرقة ودير الزور. وهو ما أفضى إلى ضربات التحالف الدولي بشكل واسع، كان لجبهة النصرة نصيب منها.

اقرأ أيضاً: إدلب في قبضة المعارضة: تحدّيات إدارة المدينة

وتمدّد الجبهة بعد معركة إدلب قد يثير هواجس دولية ومحلية عدة، وخصوصاً أن النصرة تنظر لإدلب كمشروع استراتيجي بعيد الأمد.
لكن النصرة ليست الوحيدة على الساحة في إدلب، بل هناك "حائط" في وجه طموحاتها، وراية نقيضة لرايتها السوداء، متمثلة في حركة أحرار الشام، الفصيل الذي وإن كان يبدو متفقاً بشكل مؤقت مع الجبهة نتيجة تقارب الإيديولوجيا وضرورات المعركة، إلا أن الفكر السلفي الجهادي لا يعول عليه في تحالفات بعيدة الأمد. ولعل تجربة وخلاف "إخوة المنهج" (جبهة النصرة وتنظيم الدولة)، يوضحان أن الخلاف التنظيمي بين الفصائل الجهادية يحدث أولاً، ثم يتولّد عنه خلاف شرعي وليس العكس.
وعلى ما يبدو، فإن بعض الدول مدركة تماماً لخطر النصرة على المدى البعيد. هذا الإدراك تجلى بالعمل على مستويين لمواجهة هذا الخطر. المستوى الأول، الذي كثر الحديث عنه في الآونة الأخيرة، يتمثل في إمكانية "تدجين جبهة النصرة" ودعم تيار الأنصار (السوريين) فيها، مقابل تيار الحرس القديم (خراسان أو المهاجرين). ولا يبدو هذا المستوى كافٍ للتقليل من خطر النصرة. ولربما كان التحرك الدولي على المستوى الثاني متمثلاً في إيجاد قوى عسكرية تواجه النصرة وتكون نداً لها عند الضرورة. التحركات الأخيرة لحركة أحرار الشام والتحولات الداخلية والدولية في سياسة الحركة تدل على أنها القوة المستقبلية المختارة. وتلك التحولات تجلّت في شعار الحركة الجديد "ثورة شعب"، بخلاف الشعار الذي كان يجمع "أحرار الشام" مع باقي فصائل "الجبهة الإسلامية" وهو "مشروع أمة".
ولعل هذا الشعار الجديد لـ"أحرار الشام" يعزز المعلومات التي تتوارد من داخل الحركة عن احتمال إعلانها خلال الأشهر القليلة المقبلة عن نفسها كتشكيل وطني سوري بعيد عن أي ارتباط بتنظيمات إرهابية. وإن صحت تلك التنبؤات، فذلك يستدعي تطمينات ووعوداً ودعماً دولياً يفترض أن الحركة حصلت عليها، ما سيجعلها قبلة لفصائل أصغر ويفتح الباب واسعاً أمام دور جديد ستلعبه "أحرار الشام" في مستقبل سورية. وهي التي تتسلّم إلى الآن مع الجبهة الإسلامية زمام المعابر مع تركيا، إضافة لعدم وجود المهاجرين فيها. كما أنها تحمل مشروعاً متماسكاً لا تمتلكه معظم الفصائل السورية. وهو المشروع الذي لم يهتز على الرغم من اغتيال قادة الصف الأول بالحركة، إضافة إلى توسعه عبر سياسة الاندماجات التي تتبعها الحركة، وآخرها عملية صهر ألوية صقور الشام التي يقودها أبو عيسى الشيخ ضمن أحرار الشام.

من جهة أخرى، وعلى مستوى دولي تحديداً، يعيد تحرير إدلب مشروع فرض المنطقة الآمنة إلى الواجهة السياسية. وهو المشروع الذي هيأت له إدلب أرضية جيدة لإعادة طرحه وبقوة، إذ لفت أول بيان أصدره الائتلاف الوطني السوري بعد تحرير المدينة إلى هذه النقطة. وأكد بيان الائتلاف أن "تحرير مدينة إدلب يمثل انتصاراً هاماً على طريق تحرير كامل التراب السوري من نظام الأسد وأعوانه، ولكن ذلك مرهون بحصول انعطافة حقيقية في مستوى الدعم والتنسيق المقدم لقوى الثورة السورية، من خلال توفير حماية نهائية وحاسمة من اعتداءات النظام باستخدام الطائرات والمروحيات والصواريخ، وسحب كل أنواع الاعتراف القانوني بنظام الاسد، بما يمهّد لانتقال سياسي كامل ومن ثم إعادة بناء سورية دولة مدنية تحقق تطلعات أبنائها جميعاً".
في المقابل، سبقت تحرير المدينة تصريحات رئيس الحكومة التركية، أحمد داود أوغلو، في 13 مارس/ آذار، خلال اجتماعه بالمعارضة السورية في أنقرة، إذ أكد أنّ "تركيا لا تزال تتبنى فرض منطقة آمنة في شمال سورية، وهناك جلسات تباحث طويلة ومستمرة مع الجانب الأميركي للوصول إلى خطة قابلة للتطبيق". يضاف إلى ذلك أن السعي التركي باتجاه منطقة آمنة يحظى بدعم أوروبي واسع، وخصوصاً أن المنطقة الآمنة ستخفف من ضغط اللاجئين الذي تتحمله تركيا ودول الجوار السوري، فضلاً عن الأهداف العسكرية والسياسية التي قد توفرها المنطقة الآمنة في هذا الظرف بالذات.

في غضون ذلك، يبقى لتداعيات تحرير إدلب الثقل الأكبر على النظام السوري، الذي خسر مدينة استراتيجية في طرق الإمداد، إضافة للانتكاسة المعنوية التي سببها هذا النصر لقواته على مختلف الجبهات، مقابل ارتفاع معنويات فصائل المعارضة، ناهيك عن تداعيات استمرار المعركة ميدانياً في حال استمر "جيش الفتح" بالزحف نحو مدينة المسطومة، وقطع الطريق ومحاصرة الفوعة وكفريا، وما لذلك من دلالة لإيران والنظام السوري.

اقرأ أيضاً: "الحكومة السورية المؤقتة" تعلن نقل مراكزها إلى مدينة إدلب