17 ديسمبر التونسي من البوعزيزي إلى أوسلو

17 ديسمبر التونسي من البوعزيزي إلى أوسلو

17 ديسمبر 2015
أحرق البوعزيزي نفسه فوُلدت الثورة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
لم تغفل رئيسة جائزة نوبل للسلام، كاسي كولمان فايف، أثناء تسليم جائزة نوبل للرباعي التونسي في العاصمة النرويجية أوسلو، الكلام عن الحدث الذي غيّر مجرى التاريخ في تونس والمنطقة العربية كلها. وذلك بإشارتها إلى صاحب العربة الفقير، محمد البوعزيزي، الذي ألهم شعوباً بكاملها كانت ترزح تحت الظلم والاستبداد، عندما أحرق نفسه في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010، مشعلاً الثورة التونسية.


وشكّلت كلمة كولمان فايف، حول البوعزيزي، جرداً لمسار كامل، بدأ من سيدي بوزيد، وسط تونس، وانتهى إلى أوسلو، التي تُوّج فيها الرباعي التونسي بجائزة نوبل للسلام، مؤكدة نجاح شعار "شغل، حرية، كرامة وطنية".

غير أن تقييم السنوات الخمس من عمر الثورة التونسية، يختلف بحسب مساراتها المتعددة، سياسياً وأمنياً واجتماعياً. ويذهب المتفائلون إلى أنها سلكت نهجها الصحيح على الرغم من العثرات. كما تمكنت من تجنّب سيناريوهات الفشل والنكسات، التي عرفتها الدول المماثلة، فيما يعدّد كثر أيضاً إخفاقاتها الكثيرة، وفشلها في تحقيق أهم أهداف الثورة برأيهم، وأبرزها الفشل الأمني والتهديدات الإرهابية، ونموذج المنوال التنموي، الذي لم يستطع حلّ مشكلة البطالة ولا ارتفاع الأسعار، ولم يُعدّل ولو بنسبة صغيرة من انعدام التوازن بين الجهات.

كما فشل تحديداً في ملف العدالة الانتقالية، الذي ظلّ متعثراً، على الرغم من مرور خمس سنوات على الثورة، بل إن كثرا يتحدثون اليوم عن محاولات متكررة للالتفاف على هذا المسار، ومحاولة عرقلة نشاط الهيئة المكلفة، خصوصاً على مستوى الجرائم الاقتصادية. ويعود هذا الجدل بقوة في هذه الأيام بالذات، بعد طعن المعارضة في قانون المالية دستورياً، بسبب تضمنه تحديداً فصلا يدعو إلى مصالحة في جرائم الصرف، ما اعتبروه صياغة جديدة لمشروع قانون المصالحة المرفوض، والذي كان قد أثار موجة من الاحتجاجات السياسية والشعبية، انتهت بتأجيل عرضه على مجلس نواب الشعب.

غير أن شغل التونسيين الشاغل وقضيتهم الأولى، التي تؤكدها كل عمليات سبر الآراء، متعلقة بالمستوى الأمني، وما يشمله من تهديدات إرهابية استنزفت كل إمكانات الدولة، البشرية والأمنية، وخلّفت أعداداً كبيرة من الشهداء والجرحى، وأدخلت الشك إلى نفوس التونسيين، خصوصاً بعد العمليات الأخيرة التي أصبحت تستهدف المدن. وعلى الرغم من نجاحات الأمن التونسي في إحباط عشرات الخلايا والمخططات الانتحارية، فإن هذا الهاجس أصبح الأكبر الذي يسترعي اهتمام التونسيين.

اقرأ أيضاً: مواقع إسرائيلية تهاجم منح نوبل للرباعي "المعادي للصهيونية"

ويحاول التونسيون اليوم، في عيد ثورتهم الخامس، العودة إلى مطالب الثورة الأساسية، الشغل والحرية والكرامة الإنسانية. ويبدو الفشل ذريعاً في المطلب الأول، فجميع المؤشرات الاقتصادية شهدت تراجعاً في أغلب القطاعات، ما زاد في أزمة البطالة، خصوصاً لدى الشباب الجامعي. الأمر الذي اعتبره متخصصون "سبباً رئيسياً" في الارتماء في أحضان البحر، هرباً إلى إيطاليا، أو في أحضان المجموعات الإرهابية التي تستخدم أُسلوب الإغراء المادي.

ولم يرافق نجاح المسار السياسي نجاح في المسار الاقتصادي والاجتماعي، على الرغم من إشارات حكومة الائتلاف أخيراً عبر محافظ المصرف المركزي، الشاذلي العياري، إلى أن "السنة المقبلة ستكون سنة إقلاع حقيقي للاقتصاد التونسي".

وإذا كان الفشل موضوعياً في مطلب الثورة الأول، الشغل، إلا أنه تمّ تحقيق نجاحات كثيرة في بقية المطالب، تحديداً الحرية، التي يجمع التونسيون بكل انتماءاتهم على أنها مكسب الثورة الحقيقي. حتى أن البعض بدأ "يشتكي" من فائض الحرية، عبر طرح كل المواضيع من جديد على الطاولة، بما فيها الأسئلة المتعلقة بالهوية وبمبادئ التونسيين الأساسية.

وعلى الرغم من الاختلافات السياسية الكثيرة، إلا أن النخبة السياسية التونسية، متيقظة لتحصين مناخ الحرية. كما يستعدّ التونسيون هذه الأيام لمناقشة مشروع قانون يعتبره كثر عقدة الحياة الديمقراطية: قانون النفاذ إلى المعلومة، الذي سيتيح لأي مواطن تونسي، أن يسائل الدولة التونسية وإداراتها عن تفاصيل صفقاتها، وكل ما يهم الشأن الوطني، من دون تقديم أي تبرير لذلك.

وتسعى أحزاب تونسية، بمن فيهم المنتمون للائتلاف الحاكم، إلى التقليص من تخوّفات الإدارة والحدّ من الاستثناءات في هذا القانون. ويبرز إدراك النخبة السياسية التونسية لأهمية هذه القضايا الجوهرية بشكل واضح، عبر اختبارات متتالية على مدى سنوات الثورة الخمس، جعلتها ترتقي، على الرغم من كل المآخذ، فوق مصالحها الضيقة، وتتمكن من تجنّب الأسوأ والاحتراب الأهلي وأشكال العنف المتعددة. كما نجحت في وضع دستورها الجديد، ومحكمتها الدستورية، وقانون الانتخاب، وسنّ الهيئات الدستورية العليا، وإنجاز انتخابات حرة وشفافة، وتسليم سلمي للسلطة رغم التنافس القاتل بين مختلف المرشحين، وتشكيل حكومة ائتلافية تُعدّ نموذجاً في الحكم الديمقراطي المتعدد.

اقرأ أيضاً: رفع أسعار السلع يُربك الحكومة التونسية