تقارب الضرورة بين فرنسا وروسيا في سورية

تقارب الضرورة بين فرنسا وروسيا في سورية

20 نوفمبر 2015
بوتين وهولاند أيّدا تعزيز التنسيق بشأن سورية(باتريك كوفاريك/فرانس برس)
+ الخط -
لم يكن أحد يتوقّع قبل أسبوع أن يمدّ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، اليد إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين، طالباً تشكيل جبهة دولية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) وتوحيد الجهود من أجل ضرب معاقل التنظيم في سورية والعراق. لكن الاعتداءات غير المسبوقة التي هزت باريس ليل الجمعة الماضي، والخسائر البشرية الثقيلة التي ألحقتها المجموعات الانتحارية في غضون نصف ساعة، وتحويلها شوارع العاصمة إلى ساحة حرب، قلبت بعض الموازين الفرنسية، وأدخلت تغييرات على سياسة فرنسا الداخلية والخارجية. داخلياً برزت التحولات مع اعتماد السلطات سلسلة إجراءات أبرزها قانون الطوارئ الذي سيتمد لثلاثة أشهر وسط مخاوف من هجمات بأسلحة كيماوية، وبالتزامن مع نجاحها في القضاء على الجهادي البلجيكي عبد الحميد أباعود الذي يُعتبر العقل المدبر لاعتداءات باريس.

أما خارجياً فبدا التقارب الروسي الفرنسي هو الأبرز، لكن تصريحات المسؤولين الفرنسيين والروس، على حد سواء، خلال الأيام الماضية، كانت كفيلة بتوضيح أن أي تقارب ترتسم معالمه بين باريس وموسكو هو "تقارب الضرورة" خصوصاً في الشق المتعلق بسورية. ويتبنى البلدان موقفين لا يلتقيان حيال الحل السياسي ولا سيما في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري، بشار الأسد، والذي حرصت فرنسا على التأكيد بعد الاعتداءات التي تعرضت لها أن موقفها منه لم يتبدل. 

تنسيق عسكري

ومباشرة بعد هذه الاعتداءات وفي معرض الخطاب الذي ألقاه الاثنين الماضي أمام مجلسي النواب والشيوخ في قصر فرساي، رسم هولاند معالم استراتيجية فرنسية جديدة بشقيها الداخلي والخارجي تحت شعار "الحرب على الإرهاب" قدّمها على أساس أنها "خارطة طريق" للدولة الفرنسية في الشهور وربما الأعوام المقبلة. وخلق هولاند المفاجأة بإعلانه أنه سيجتمع بالرئيس الأميركي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف تشكيل ائتلاف دولي موحّد ضد تنظيم "داعش".

وفي اليوم ذاته تحادث هولاند مطوّلاً مع بوتين هاتفياً، ولا شك أن ما دار بين الرجلين أكبر وأهم مما ذكره البيان الرسمي للرئاسة الفرنسية الذي أعلن أن الرئيسين ناقشا "تنسيق الجهود" في محاربة جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية". ومن الواضح أن هذا الاتصال الهاتفي تلته اتصالات أخرى على مستويات مختلفة لم يُعلن عنها بالضرورة لأنه دشّن انعطافة في مسار العلاقة بين الرئيسين التي كانت حتى عشية وقوع اعتداءات باريس مطبوعة بالبرود والنفور الشديدين. وأعلن الكرملين من جهته أن بوتين وهولاند "يؤيدان تعزيز التنسيق بين أجهزة الاستخبارات بشأن سورية"، في حين أعلنت الرئاسة الفرنسية الثلاثاء الماضي أن "هولاند وفابيوس سيلتقيان بوتين في 26 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، بعد يومين على لقاء مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في إطار مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية وإيجاد حل للنزاع في سورية".

وبما أن الأمر يتعلق بمعطى جوهري، بادر بوتين إلى عقد اجتماع لرئاسة أركان الجيش الروسي خصص لتدارس التنسيق بين موسكو وباريس بشأن العمليات العسكرية في سورية، وكانت رسالة بوتين إلى جنرالاته واضحة "يجب العمل مع الفرنسيين ابتداء من الآن كحلفاء". وأعطى بوتين أوامره إلى البحرية الروسية في البحر المتوسط لكي تربط الاتصال مع البحرية الفرنسية والتنسيق في الحملة ضد تنظيم "داعش" في سورية بعدما أعلن هولاند أنه سيتم نشر حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في مياه شرق المتوسط قبالة الساحل السوري حيث تتواجد القواعد العسكرية الروسية. وفي السياق نفسه، ذكرت وكالة "فرانس برس"، أمس الخميس، أنّ رئيس هيئة الأركان الروسية المشتركة فاليري غيراسيموف، أجرى أمس، محادثات مع نظيره الفرنسي بيير دو فيلييه حول قتال تنظيم الدولة الإسلامية في سورية في أول اتصال من نوعه منذ بدء النزاع في أوكرانيا العام الماضي. وجاء في بيان لوزارة الدفاع الروسية أن الرجلين "ناقشا على الهاتف تنسيق العمليات العسكرية للقوات ضد إرهابيي تنظيم الدولة الإسلامية في سورية"، مضيفا أن المكالمة استمرت ساعة.


اقرأ أيضاً: اتفاق روسي فرنسي على تنسيق العمليات في سورية

وكانت الأوامر بالتنسيق العسكري قد انعكست بسرعة على الأرض، إذ شنت الطائرات الحربية الفرنسية والروسية بشكل متزامن ضربات مكثفة الأربعاء الماضي في مدينة الرقة، معقل "داعش" في سورية. وأمس الخميس ثمنّت فرنسا على لسان وزير الخارجية لوران فابيوس "انفتاح" الموقف الروسي وشروعه في قصف معاقل مكافحة تنظيم "داعش" في سورية. ومن المتوقّع أن يثمر لقاء هولاند وفابيوس، ببوتين ولافروف، في 26 الحالي، عن خطة تنسيق عسكرية واستخباراتية محكمة ستكون سابقة في تاريخ الدولتين.

تباين سياسي 

وعلى الرغم من أن بعض المراقبين يتحدثون عن وجود مؤشرات تعكس تحوّلاً جذرياً في المقاربة الفرنسية للصراع السوري، وأن مصير الأسد تحوّل بفعل اعتداءات باريس إلى نقطة ثانوية في سياق صارت فيه الأولوية هي تدمير "داعش" الذي نقل الحرب إلى شوارع باريس و"أذل الأجهزة الأمنية الفرنسية في عقر الدار"، إلا أن فرنسا وتحديداً عبر الرئيس فرانسوا هولاند، حاسمة لجهة الموقف الثابت من الأسد. وكرر هولاند على مدى الأيام الماضية، أن أي حل في سورية يفترض أن لا يشمل الأسد، بما في ذلك قوله قبل أيام أمام البرلمان إنّ "الأسد لا يمكن أن يشكل الحل". وكان الرئيس الفرنسي قد أكد أيضاً مطلع شهر نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، أنه يعارض مشاركة الأسد في أي انتخابات رئاسية مقبلة، معتبراً أن مشاركته في الانتخابات "تعني الاعتراف بالعجز عن إيجاد حل للأزمة السورية".

في المقابل لا يبدو أن روسيا مستعدة لتغيير سياستها بشأن الحرب السورية، فهي صارت مستعدة للمشاركة في ضرب وتدمير معاقل تنظيم "داعش" لكنها غير معنية بتغيير موقفها من الأسد الذي بنت تدخّلها العسكري في سورية على مبدأ إنقاذ نظامه وتعزيزه. وهذا ما عكسته تصريحات لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس، شدد فيها على موقف روسيا الذي يرى أنه ما من سبيل لحل النزاع السوري سلمياً من دون الأسد، مشيراً إلى أن الأسد يعكس مصالح شريحة كبيرة من المجتمع السوري. وكان لافروف قد أكد الأربعاء أن على القوى العالمية بعد اعتداءات باريس أن توحّد جهودها ضد تنظيم "داعش" من دون فرض أية شروط مسبقة حول مصير الأسد.


اقرأ أيضاً: فرنسا: تمديد الطوارئ وتحذير من هجمات بأسلحة كيميائية