تداعيات اعتداءات باريس: اللاجئون والجاليات العربية يخشون دفع الثمن

تداعيات اعتداءات باريس: اللاجئون والجاليات العربية يخشون دفع الثمن

15 نوفمبر 2015
توقعات بأن تطاول تداعيات هذه الاعتداءات اللاجئين (Getty)
+ الخط -

من المتوقع أن تكون لاعتداءات باريس أمس الأول الجمعة، تداعيات وارتدادات ستأتي في حجم الزلزال الدموي الذي أحدثته في الشارع الفرنسي وذاكرته الجماعية، ولن تقتصر على الداخل الفرنسي بل من المرتقب أيضاً أن تكون لها تداعيات على السياسة الخارجية الفرنسية.

ولعل أولى هذه التداعيات ستخص الجاليات العربية والمسلمة التي دائماً تدفع الثمن الأول فور وقوع اعتداءات إرهابية يكون منفذوها من أصول عربية أو إسلامية. ولن يشفع حتماً لهذه الجاليات احتمال أن يكون من بين ضحايا هذه الاعتداءات عدد لا يستهان به من العرب والمسلمين الفرنسيين، وهو ما تأكد مع إعلان السفير التونسي في فرنسا محمد علي الشيحي، وجود تونسيين اثنين من بين ضحايا الاعتداءات.

وكان من الطبيعي أن يبادر المجلس التمثيلي للديانة الإسلامية في فرنسا، إلى إدانة هذه الاعتداءات بأشد العبارات ووصفها بـ"المخزية والوضيعة"، لأن المجلس يعي جيداً أن ثمة أصواتاً ستتعالى قريباً للدعوة لطرد المسلمين والعرب واعتبارهم السبب الرئيسي لكوارث الارهاب والقتل.

والواقع أن هذه الاعتداءات ستزيد من مشاعر الكراهية تجاه الجاليات العربية والمسلمة في أوساط الشرائح المجتمعية الفرنسية التي تتفشى فيها سلفاً أفكار اليمين المتطرف. غير أن الخطر الآن يكمن في احتمال انتقال عدوى هذه الأفكار إلى صفوف شرائح مجتمعية أخرى لم تكن لديها مواقف سلبية من الإسلام والمسلمين من قبل، أو حتى تلك التي كانت تدعو لقيم التسامح والعيش المشترك بين الفرنسيين والجاليات المهاجرة. وسيبقى الرابح السياسي الأكبر من هذه الاعتداءات هو زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" مارين لوبان، وأيضاً الجناح المتطرف في اليمين التقليدي المحافظ. ولا شك أن سقف مطالبات هؤلاء ضد الإسلام والمسلمين سيرتفع في الأيام القليلة المقبلة، وقد تظهر من جديد اللازمة القديمة حول ضرورة مكافحة العدو الداخلي و"الطابور الخامس" الذي يشكّله المسلمون الفرنسيون.

وستتعزز هذه الفرضيات إذا ثبت أن منفذي الاعتداءات الأخيرة فرنسيون من أصول عربية ومسلمة، وهذا أمر محتمل جداً لكون العديد من الشهود أكدوا أن منفذي هذه الاعتداءات شبان يتحدثون الفرنسية بطلاقة وأن أحد مرتكبي مجزرة مسرح "باتاكلان" حسب بعض الشهود برر فعلته بـ"ما تفعله فرنسا في سورية".

اقرأ أيضاً: سياسيو فرنسا يتضامنون مع القرارات الرسمية وينتظرون وقت المحاسبة

بوادر هذا الأمر بدأت تظهر، عبر بعض الصحف الفرنسية، إذ كتب مدير صحيفة "ليبراسيون" لوران جوفران أنه "من المستحيل عدم ربط هذه الأحداث الدامية بالمعارك الجارية في الشرق الأوسط. فرنسا تقوم بدورها هناك. ويجب أن تواصل عملها من دون أن تتأثر". فيما رأت صحيفة "لا شارانت ليبر" المحلية أن ضحايا الاعتداءات "هم الشاهد الفظيع الذي لا يحتمل على حرب عالمية تتحول فرنسا رغم إرادتها إلى احدى ساحات معاركها الرئيسية".

كذلك لن ينجو من تداعيات هذه الأحداث، اللاجئون الجدد القادمون إلى فرنسا هرباً من مناطق الحروب، خصوصاً من سورية والعراق وأفغانستان ومنطقة القرن الإفريقي، الذين عرفوا في الشهور الماضية موجة كبيرة من التضامن الرسمي والشعبي معهم. فهؤلاء أغلبهم مسلمون وسبق للعديد من الشخصيات اليمينية المتطرفة أن حذرت من تواجد إرهابيين مفترضين متخفين بينهم. لذا فمن غير المستبعد أن تضطر الحكومة إلى تعديل سياستها تجاه اللاجئين في حال تصاعدت النقمة الشعبية تجاههم.

ويبقى السؤال الأساسي الذي تطرحه اعتداءات الجمعة هو مدى تأثيرها على السياسة الخارجية الفرنسية. فالجميع يعي أن فرنسا بلد بات يشكّل منذ سنوات الهدف المفضل الذي تحلم بضربه تنظيمات أصولية متطرفة، سواء في المنطقة العربية أو في أفغانستان أو منطقة الساحل الإفريقي.

ويعود السبب الرئيس لهذه الكراهية المعلنة لكون فرنسا تخوض حرباً استنزافية منذ سنوات في منطقة الساحل الإفريقي من أجل استئصال "التنظيمات الجهادية". كما أن الجيش الفرنسي يشارك في قصف تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) في العراق وفي سورية أخيراً، حيث وجّه عدة ضربات لمعسكرات تدريب الجهاديين الأجانب، ومن بينهم عشرات الشبان الفرنسيين في الرقة. وهذه أسباب مقنعة للجهاديين الذين يرون في فرنسا "عدواً صليبياً" من الطراز الأول يجب استهدافه بالضربات الموجعة في عقر داره إن أمكن. من دون نسيان أن أجيالاً كاملة من الجهاديين تحقد على فرنسا لكونها البلد الغربي السباق إلى منع ارتداء البرقع الاسلامي في الأماكن العامة والبلد الذي دافع عن حق الرسامين الساخرين في تصوير النبي محمد.

هذه الاعتداءات ستُنتج ما قبل 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، وما بعده، على مستوى السياسة الفرنسية، فالرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي ارتدى منذ اللحظات الأولى بذلة المحارب الأول، سيضطر لا محالة، من باب تنفيس رأي العام الفرنسي المصدوم والغاضب، إلى تكثيف الضربات الجوية الفرنسية ضد تنظيم "داعش" الذي سارع إلى تبنى اعتداءات الجمعة، ولن يجد معارضة كبيرة إن هو اتخذ قراراً بتكثيف الحرب الجوية ضد معاقل التنظيم في سورية والعراق. ومع ذلك يجمع مراقبون على أن فرنسا مهما بلغت درجة احتقانها بسبب الاعتداءات لن تذهب حد المجازفة بإرسال قوات برية لمحاربة "داعش" في المناطق التي يسيطر عليها، لكون أن ثمن المجازفة سيكون بلا شك باهظاً من ناحية الخسائر البشرية.

ولعل التحوّل الأساسي الذي قد تتمخض عنه اعتداءات الجمعة، قد يكمن في إحداث تقارب فرنسي روسي مفاجئ بخصوص الأزمة السورية، تقاربٌ تغذيه روح الانتقام من تنظيم "داعش"، لكن في المقابل فإن ما قد يمنع حصوله هو الموقف الفرنسي الثابت بخصوص رئيس النظام السوري بشار الأسد الذي ما تزال فرنسا تصرّ على استبعاده من التسوية السياسية.

اقرأ أيضاً: هجمات باريس: توتر في عواصم الغرب