الأسد في موسكو قبل فيينا السوري: الخروج الأول

الأسد في موسكو قبل فيينا السوري: الخروج الأول

22 أكتوبر 2015
من الصور التي وزعتها وكالات الأنباء الروسية(ألكسي دروزهينين/فرانس برس)
+ الخط -
تتسارع التطورات السياسية المرتبطة بالملف السوري، بعد الكشف أمس الأربعاء عن زيارة خاطفة قام بها الرئيس السوري، بشار الأسد، يوم الثلاثاء إلى موسكو، قبل يومين من اجتماع أميركي ــ سعودي ــ تركي ــ روسي في فيينا، تفيد المؤشرات بأنه قد يكون حاسماً في مسار الحرب السورية. خروج الأسد، الأول منذ اندلاع الثورة منتصف 2011، يتساءل كثيرون عن احتمال أن يكون تمهيداً لخروج ثانٍ وثالث وربما نهائي، في إطار الأفكار المتداولة حيال الفترة الانتقالية التي قد يكون الرجل مشاركاً فيها رمزياً مؤقتاً، قبل الخروج النهائي وأركان نظامه من المشهد.

زيارة الأسد، وتزامنها مع تسريبات "الأفكار" التركية، وتحضيرات لقاء الجمعة واتصالات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزعماء تركيا والسعودية، أشاعت، عند المعنيين السوريين وغير السوريين، أجواء لم تتضح معالمها، لكنها تذهب جميعها في اتجاه أن "هناك شيئا ما يتم التحضير له" على صعيد الملف السوري. "شيء" قد يكون بوتين مهد له في لقائه بالأسد، في زيارة الساعات القليلة، أو من خلال الاتصال هاتفياً بكل من العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، لإطلاعهما على تفاصيل الزيارة، بوصف الرياض وأنقرة من أبرز العواصم الإقليمية المعنية بالملف السوري، وفي إشارة أيضاً إلى وجود تنسيق تركي سعودي روسي متقدم، ولا سيما أن مسؤولين من الرياض وأنقرة كانوا قد زاروا موسكو خلال الأسابيع الماضية. كما اتصل بوتين لاحقا بالرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي والعاهل الأردني، عبدالله الثاني.

اقرأ أيضاً معارضون سوريون: زيارة الأسد لموسكو محاولة لإخراجه من عزلته 

زيارة الأسد إلى موسكو، التي لم يرافقه خلالها سوى مترجمه الخاص، بحسب معلومات "العربي الجديد"، الثلاثاء، ولم يعلن عنها إلا عند عودته إلى دمشق، حملت بحسب التصريحات التي أدلى بها بوتين، رسائل سياسية متعددة الاتجاهات حول رؤية موسكو للحل في سورية، وتم توجيهها للأسد من جهة، وللمعارضة والدول الداعمة لها من جهة ثانية.

وفي تفاصيل زيارة الأسد الأولى من نوعها إلى خارج البلاد منذ بدء الثورة السورية في العام 2011، كان الكرملين الروسي قد أعلن، صباح أمس الأربعاء، عن قيام الأسد، بزيارة سريعة وسرية إلى العاصمة الروسية موسكو يوم الثلاثاء، وعاد بعدها إلى دمشق في اليوم نفسه. ولم يتطرق المتحدث باسم الكرملين في سياق إعلانه عن المواضيع التي تخللتها اجتماعات الأسد وبوتين، إلى حديث الطرفين عن مبادرة محددة لحل سياسي، لكن الرئيس الروسي أشار في مقاطع مصورة بثها تلفزيون "روسيا اليوم" إلى أنه في ما يتعلق بالوضع في سورية "ننطلق من أنه، بناء على التحولات الإيجابية أثناء العمليات العسكرية، فإنه في نهاية المطاف سيتم الحل بعيد الأمد للأزمة على أساس التسوية السياسية، بمشاركة جميع القوى ومختلف الأطراف العرقية والدينية. وفي نهاية الأمر، سيبقى الحل النهائي بيد الشعب السوري وحده". وأشار بوتين إلى أن "سورية دولة صديقة، ونحن على استعداد ليس فقط لتقديم المساعدة الفعالة في المجال العسكري، بل في مجال الحل السياسي أيضاً، من خلال تواصل وثيق مع الدول الكبرى ودول المنطقة المعنية بحل سلمي لهذا الصراع".

من جهته، بدا الأسد، بحسب المقتطفات مسلماً بالرؤية الروسية لتدخلها العسكري وربطه بتطور سياسي، بقوله "لا أحد يفكر بمشاركة عسكرية إلا إذا كان لديها هدف سياسي يخدم هذا الشعب"، قبل أن يضيف "هدف هذه العمليات التي تقومون بها، والتي نقوم بها نحن أيضاً، هو ضرب الإرهاب. إنه خطر على الشعوب ويشكل عقبة أمام أي خطوات سياسية يمكن أن تحصل على الأرض".

ويبدو أن بوتين يسعى من خلال استدعاء الأسد إلى موسكو إلى إيصال رسالة، مفادها أن العمليات الروسية العسكرية الداعمة للنظام في سورية هي مجرد مقدمة لحل سياسي طويل الأمد وفق الرؤيا الروسية، وهذا يعني أن روسيا بدأت تسعى فعلاً إلى تحسين الواقع الميداني المتراجع للنظام السوري في الأشهر الأخيرة، بحيث يصبح النظام في وضع ميداني جيد يسمح للروس بالتفاوض عنه مع حلفاء المعارضة السورية وداعميها الإقليميين والدوليين من موقف المتفوق ميدانياً.

وسرعان ما ترجم بوتين حديثه عن الدول المعنية بالملف السوري، وتحديداً الإقليمية من خلال الاتصالين الهاتفيين اللذين أجراهما بالعاهل السعودي وبالرئيس التركي. وبحسب مصادر في الرئاسة التركية، فقد جرى الحديث بين بوتين وأردوغان عن الزيارة التي قام بها الأسد إلى موسكو. وشدد أردوغان خلال المحادثة الهاتفية "على ضرورة مكافحة جميع التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وحزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب التابعة له"، والتي تعتبرها أنقرة امتداداً لحزب العمال الكردستاني.

وفي سياق متصل، جاءت تصريحات رئيس الحكومة التركية المؤقتة، أحمد داود أوغلو، أمس الأربعاء، تعليقاً على زيارة الأسد لموسكو، لتشير إلى جزء من تصورات أنقرة للحل، إذ اعتبر أن "العملية الانتقالية في سورية لا يمكن أن يكتب لها النجاح، إلا إن شعر خمسة ملايين لاجئ سوري بأن بلادهم باتت آمنة للعودة لها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يحدث من دون رحيل الأسد". وأضاف "علينا أن نعمل على صياغة ما لخروج الأسد. كنت أتمنى لو أن الأسد بقي في موسكو لفترة أطول، حتى يشعر السوريون بالارتياح، في الحقيقة، كان من الأفضل لو أنه لم يعد، لتبدأ العملية الانتقالية في سورية".

وتأتي هذه التطورات، والمشاورات الروسية التركية، بعد يوم واحد من التسريبات التي انتشرت نقلاً عن مسؤولين في وزارة الخارجية التركية، مفادها أن أنقرة مستعدة لقبول انتقال سياسي في سورية، يظل بموجبه الأسد في السلطة بشكل رمزي لمدة ستة أشهر قبل تنحيه. كذلك تأتي زيارة الأسد إلى موسكو قبيل اللقاء الرباعي المرتقب في فيينا غداً الجمعة، والذي كان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، قد مهد له منذ يوم الإثنين الماضي، قبل أن يتحدد موعده أمس. 


اقرأ أيضاً وزير خارجية قطر:إذا التدخل العسكري سيحمي السوريين سنقوم به 

وترجّح التطورات المتسارعة في ما يتعلق بالملف السوري، أنّ الخطة التركية المطروحة على درجة عالية من الجدية، إلى درجة أن الرئاسة الروسية استدعت الأسد للقاء بوتين، قبل لقاء الغد، لتقوم طائرة عسكرية روسية بنقله مع مرافق واحد فقط من دمشق إلى موسكو، قبل أن يعيده الروس إلى دمشق، بحسب ما أفادت به مصادر المعارضة السورية لـ"العربي الجديد".

وفي تعليقه على الزيارة، يعتبر الأمين العام للائتلاف الوطني السوري، يحيى مكتبي، أن مركز السيطرة في سورية "انتقل عملياً من يد إيران إلى روسيا، وبشار الأسد بات مجرد ورقة يتلاعب بها الروس والإيرانيون". ويرى مكتبي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن زيارة الأسد لموسكو "هي زيارة من أجل أن يطمئن الأسد إلى أن حليفه لن يلقي به مقابل الحفاظ على مصالحه"، على حد قوله.

وفيما يشير مكتبي إلى أن روسيا "باتت قوة احتلال وتدخلها في سورية عدوان سافر"، يؤكد أن "ادعاءها محاربة تنظيم داعش غير صحيح، والدليل تعامي قواتها عن مناطق شاسعة يسيطر عليها التنظيم، وتركيز القصف على فصائل وكتائب الجيش السوري الحر".

بدورها، تعتبر نائبة رئيس الائتلاف الوطني السوري، نغم غادري، في حديث لـ"العربي الجديد" أن روسيا تواجه أزمة في حملتها العسكرية بعد ثلاثة أسابيع، إذ أخفقت في تحقيق اختراق لمناطق المعارضة في عشر جبهات، على الرغم من كثافة القصف ووحشيته، وتحاول لفت الانتباه بعيداً عن مأزقها العسكري. وبحسب غادري، فإنّ اللقاء بين الأسد وبوتين يمثل إصراراً روسياً على دعم النظام في حربه على السوريين، ودعماً للحل العسكري والأمني، موضحة أن اللقاء هو تحدٍ للمجتمع الدولي ومجلس الأمن والهيئات الدولية التي فرضت عقوبات على النظام وكبار مسؤوليه. وتشير غادري إلى حديث روسيا عن حل سياسي من دون ذكر أي شيء عن بيان جنيف، واستبداله بإجراء انتخابات برلمانية تعيد إنتاج النظام، ثم انتخابات رئاسية مزيفة تبقي الأسد، مشددة على أن "الأسد أصبح أداة بيد موسكو وطهران، ويُوظف من قبلهما لمصالح كل طرف، ويعمل كساعي بريد؛ وهذا اعتراف منه بفقدانه شرعية الرئاسة".

من جهته، يرى السفير السوري السابق في السويد، بسام العمادي، أن "استدعاء الأسد إلى موسكو وحضوره وحيداً من دون أي مرافق – باستثناء مترجمه الخاص، كان بلا شك لإعلامه بأن عناده بالبقاء على رأس النظام في سورية لم يعد ممكناً ولا مجدياً، وعليه قبول ما سينتج قريباً من تفاهمات بين القوى الكبرى، والتي بدأت تظهر في تصريحات تركية وسعودية وغيرها". ويتوقف العمادي عند تكرار الأسد، خلال المقتطفات التي بثت عن اللقاء، الشكر للدور الروسي في دعم نظامه، فضلاً عن تكراره لمصطلح الإرهاب. ويشير العمادي إلى أن الأطراف الآن تتحرك بسرعة، فالكل يريد نهاية لما يجري في سورية قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة". ويرى العمادي أن "الروس لا يستطيعون الاستمرار بالحملة العسكرية؛ لأنها مكلفة جداً لاقتصادهم المنهار أصلاً، وكانوا يظنون أنها ستنتهي سريعاً". إلا أن العمادي يعرب عن اعتقاده بأن روسيا حققت بعض أهم غاياتها، وهي إعادة روسيا إلى الساحة السياسية الدولية بقوة، وضمان مصالحها، والمفاوضة على المسألة الأوكرانية. وختم بالقول "هذه الزيارة بداية النهاية لمن يبيع وطنه للآخرين، ليبقى على كرسي حكم زائف".

من جهته، يشير حسن عبد العظيم، المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، القريبة من روسيا، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنه "لا يمكن لنا اليوم أن نجزم بنتائج هذا اللقاء، وما يمكن أن يكون قد تم الاتفاق عليه أو وضع أسسه، لكن أعتقد أن الفترة المقبلة ستبين نتائج هذه الزيارة وإن كانت ستفرز تطوراً ما على المسار السياسي، أم سيتوقف على التعاون العسكري غير المنتج، طالما لم يقترن بمسار سياسي يؤدي إلى تطبيق بيان جنيف 1 وتشكيل هيئة حكم انتقالية قادرة على الانتقال بسورية إلى دولة مدنية ديمقراطية عادلة".

ووفقاً للمنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية، "فإن التدخل الروسي تتحدد ملامحه أكثر في الفترة المقبلة، بحسب تجاوب النظام مع موسكو، فالروس اليوم أقدر على الطلب من النظام الانخراط الجدي في العملية السياسية، أما في ما سبق كان الروس يقولون لنا صراحة إن النظام لا يرد عليهم وبأبسط القضايا كإطلاق بعض المعتقلين، أمثال عبد العزيز الخير ورجاء الناصر ورامي الهناوي ورفاقهم".

ويعتبر عبد العظيم أنه لا يجب على الروس أن ينتظروا إنجاز حل عسكري، بل يجب أن يترافق مع حل سياسي، لا سيما في ما يتعلق بإجراءات بناء الثقة، وفي مقدمتها إطلاق المعتقلين وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. وفي الواقع على الأرض، لا تشير المعطيات الميدانية إلى أن التدخل الروسي سمح للنظام حتى الآن بتحقيق تقدم ميداني هام على الأرض، بالرغم من فتح النظام السوري لمعظم جبهات القتال ضد قوات المعارضة.

وفي السياق، يشير المستشار العسكري للجيش السوري الحر، أسامة أبو زيد، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن معلومات حصلت عليها المعارضة تفيد بأن الولايات المتحدة وبريطانيا طلبتا من روسيا التوقف عن استهداف قوات المعارضة بالقصف الجوي، سعياً وراء تحقيق النظام مكاسب ميدانية سريعة في سورية، بالتزامن مع المفاوضات التي تدور في الغرف المغلقة حول الملف السوري.

ويلفت أبو زيد إلى أن "الولايات المتحدة حرّكت عصا تقديم سلاح مضاد للطيران للمعارضة السورية، وبالتالي قد يؤدي ذلك إلى إنهاء الحديث عن حل سياسي في سورية، وهو الأمر الذي لا تفضله الولايات المتحدة حالياً".

اقرأ أيضاً: غرفة عمليات مشتركة لأكبر فصائل المعارضة المسلّحة في دمشق

المساهمون