مصر و"العائدون من سورية": تحدّ أمني جديد

مصر و"العائدون من سورية": تحدّ أمني جديد

12 يناير 2015
خشية من اعتداءات بعد عودة مقاتلين من سورية(فرانس برس)
+ الخط -

استهدفت سيارة مفخخة في 5 سبتمبر/أيلول 2013، موكب وزير الداخلية المصرية اللواء محمد إبراهيم، في منطقة وسط البلد بمحافظة القاهرة، بيد أنّ تفاصيل الحادث، والتي تكشّفت مع تبني جماعة "أنصار بيت المقدس" العمليّة، أظهرت أن منفذ العملية عاد لتوه من الأراضي السوريّة، بعد تركه الجيش المصري وكان برتبة رائد. ألقت هذه الحادثة الضوء على اهتزاز وضعف الأجهزة الأمنيّة، من حيث عدم قدرتها على رصد العناصر الجهاديّة، التي تسافر إلى مناطق القتال في سورية ثم العودة إلى مصر، لكنّه مكّنها من القبض على عدد كبير من المشتبه بهم، الذين عادوا من سورية للقيام بعمليات عنيفة ضد قوات الجيش والشرطة، بدون وجود أدلة على بعضهم.

وتحقق النيابة المصريّة مع بعض الشباب المحتجز بتهمة العودة من سورية، بهدف القيام بعمليات جهاديّة في مصر، فضلاً عن قضايا منظورة أمام المحاكم المصرية، معروفة إعلامياً بتسمية "العائدون من داعش". ومن ضمن الاتهامات، تشكيل "خلايا عنقودية" وجماعات أُسست بخلاف القانون، للقيام بعمليات عنيفة داخل مصر. ويخشى خبراء أن يوظف العائدون من سورية خبراتهم القتاليّة في عمليات ضدّ الجيش والشرطة المصرية. ويقول المحامي النبوي إبراهيم، الذي يتابع 4 قضايا للعائدين من تنظيم "الدولة الإسلامية"، إنّ "بعض هذه القضايا منظور أمام القضاء، والبعض الآخر لا يزال في مرحلة التحقيقات من النيابة"، لافتاً إلى أنّ "القضايا الأربع منظورة أمام دائرة الإرهاب في محكمة محافظة الشرقية". ويوضح في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أنّ "دائرة الإرهاب لا وجود لها في القانون المصري، بيد أنّها تأسّست تحت بند دائرة خاصة لنظر قضايا الإرهاب".

وتتنوّع التهم الموجّهة إلى المتهمين في القضايا الأربع، بحسب إبراهيم، بين "السفر إلى خارج مصر للاشتراك في أعمال إرهابيّة وقتاليّة مع جماعات تكفيريّة، فضلاً عن تأسيس خليّة عنقوديّة لتجنيد الشباب للسفر خارج مصر، بغية المشاركة في القتال في سورية بالتنسيق مع تنظيم داعش". ويؤكّد أنّ "أغلب المتهمين في القضايا الأربع لم يسافروا خارج مصر للاشتراك في القتال في سورية أو العراق"، لافتاً إلى أنّ القضيّة الأولى لشخص يُدعى منصور أمين، وتهمته الانتماء إلى تنظيم مسلح خارج مصر وتكليفه بعمليات إرهابية داخل مصر. والثانية متهم فيها خالد محمد مغاوري، بالقيام بعمليات إرهابية داخل مصر. ويقول إبراهيم إنّ "القضيتين منظورتان أمام القضاء، وحُددت لهما جلستان يومي الأحد والاثنين (11 و12 يناير).

ويشير إبراهيم إلى أنّ "15 شخصاً متهمون في القضيّة الثالثة بالتهم السابقة نفسها. أمّا الرابعة فمتهم فيها 18 شخصاً، ولا تزال القضيتان قيد التحقيق في نيابة الشرقيّة"، لافتاً إلى "معلومات من داخل النيابة عن صدور أمر إحالة القضيتين إلى دائرة الإرهاب قريباً". ويشدد على أنّ "التهم الموجّهة إلى المتهمين في القضايا الأربع عبارة عن تحرّيات الأمن الوطني، التي لا تُعدّ دلائل قويّة أمام المحكمة، بيد أنّ طبيعة المحاكمات التي تحدث الآن سياسية، وتأخذ للأسف بتحريّات الأمن الوطني باعتبارها قرائن ضد المتهمين".
وخلال التحقيقات، اعترف شخصان، بحسب إبراهيم، بأنهما "كانا يسافران إلى سورية للانضمام إلى تنظيم "أحرار الشام"، لدفع الظلم عن المسلمين في سورية، إثر جرائم نظام بشار الأسد"، موضحاً أنّه "لا اعترافات لباقي المتهمين، فضلا عن عدم وجود أحراز لهم، أو دلائل تثبت تشكيل خلايا عنقوديّة تأسّست على خلاف القانون". وترتكز دفوع المتهمين، وفق المصدر ذاته، إلى معلومات مفادها أن "أغلب المتهمين الذين سافروا إلى تركيا، كان الهدف من زيارتهم التجارة والعمل، ومنهم من ضاقت بهم الأوضاع هناك فتمّ ترحيلهم إلى مصر".

السفر إلى تركيا
ويقول مقرّبون من المتهم في القضيّة الأولى، منصور أمين، إنّه "قضى ما يزيد عن عام في السجن على ذمة القضيّة، وطوال هذه الفترة يتنقل بين سجون عدّة، ولا يُسمح له بالخروج في الشمس"، لافتين إلى تعرّضه لبعض الأمراض، ومنها الحساسية، من دون عرضه على أي طبيب". ويملك أمين (29 عاماً)، وفق المقربين منه، مكتب استيراد ملابس جاهزة، وكان يقيم في قرية الدبوري، التابعة لمركز أبوكبير في محافظة الشرقية، قبل "القبض عليه نهاية شهر يناير/كانون الثاني من العام الماضي، من قبل جهاز الأمن الوطني، وإخفائه لمدة 80 يوماً في سجن العزولي، في معسكر الجلاء التابع لقيادة الجيش الثاني الميداني في الإسماعيلية، حيث تمّ التحقيق معه، وتعرض للضرب والتعذيب من قبل الضباط وجنود الشرطة العسكريّة".
ويؤكّد أحد المقرّبين من أمين لـ"العربي الجديد"، أنّ "الأمن الوطني لفّق تهمة السفر إلى سورية والانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، بيد أنه سافر إلى تركيا لمدة 20 يوماً بغرض السياحة والاطلاع على السوق التجاريّة التركيّة". ونفى أمين التهم الموجهة إليه، وخصوصاً الانتماء إلى تنظيم "داعش" أو أي جماعة داخل مصر، مشدداً على أنه لم يسافر إلى سورية، وأنه سافر إلى تركيا في التاسع من مايو/أيّار 2013، وعاد بتاريخ الثاني من يونيو/حزيران من العام ذاته، أي قبل أحداث الثلاثين من يونيو 2013.

العائدون من أفغانستان
وتشبه الاتهامات الموجّهة للمتهمين بالسفر إلى سورية والانتماء لتنظيمات خارج مصر وعلى رأسها تنظيم "داعش"، وفق ما يقوله محامي الجماعات الإسلاميّة، عادل معوض لـ"العربي الجديد"، قضايا العائدين من أفغانستان وألبانيا. ويشير إلى أنّ "التشابه هو من حيث عدم وجود أدلة وقرائن على المتهمين في هذه القضايا، أو وجود أحراز حقيقية يمكن الاعتماد عليها كقرائن وأدلة أمام القضاء الطبيعي". ويذكّر بأنّ "حكم الإعدام الذي أصدره القضاء بحقّ عادل حبارة، استند إلى تحريات ضابط الأمن الوطني، من دون الاستناد إلى دليل مادي محسوس". كما يعرض نسخة من حكم البراءة للقيادي في الجماعة الإسلامية، مصطفى حمزة، في القضية المعروفة إعلامياً بـ"العائدون من أفغانستان"، والتي نظرت أمام محكمة جنايات الجيزة، بجلسة 29 أبريل/نيسان 2013، علماً أنّه كان حاصلاً على حكم الإعدام في هذه القضيّة أمام القضاء العسكري، أواخر تسعينيات القرن الماضي.

ويؤكّد أنّ "التهم الموجّهة إلى حمزة تعتبر ذاتها الموجّهة إلى المتهمين في القضايا المعروفة إعلامياً بـ"العائدون من داعش"، أو "العائدون من سورية"، بيد أنّها تهم لا دليل عليها مطلقاً"، لافتاً في الوقت ذاته إلى "وجود مواد في القانون المصري، تقضي بمعاقبة أي مصري انتمى إلى أي جيش دولة أخرى أو تنظيمات مسلّحة في الخارج". ويشير معوض إلى أنّه من بين المتهمين في قضية خليّة الظواهري، المتهم فيها شقيق زعيم تنظيم القاعدة محمد الظواهري، عائدون من سورية. ويقول إنّه "عادة تكون هناك قضايا عدّة يتمّ التحقيق فيها، وتظلّ مفتوحة للتحقيق أمام النيابة لفترات طويلة، ثم يعقبها تجميع هذه القضايا في قضية كبيرة، تحال إلى دوائر الإرهاب". وعلى الرغم من أنّه "لا يوجد رابط بين هذه القضايا، لكنّ تحريّات الأمن الوطني تحاول إيجاد أي رابط بين القضايا لتحويلها إلى قضيّة كبيرة"، وفق معوض.
ويقول أحد محامي الجماعات الإسلامية، رافضاً ذكر اسمه، لتوليه الدفاع في عدد من القضايا أمام المحاكم، لـ"العربي الجديد"، إن "القضايا باتت الآن تصدر من جهاز الأمن الوطني، كما كانت قبل الثورة من أمن الدولة سابقاً". ويعتبر أنّ "القضاء المصري مسيّس، وضباط الأمن الوطني يكتبون محاضر التحريات لأي شخص، من دون وجود إثبات بالدلائل حول تورطه في عمليات عنيفة داخل مصر أو خارجها". ويرى أنّه "لا يمكن إثبات قضايا "العائدون من داعش" عملياً، لعدم توافر معلومات لدى أجهزة الأمن المصرية حول انضمام شخص ما لهذا التنظيم من عدمه، ولكن يُعتبر إجراءً وقائياً لكلّ من يُشتبه به، من دون النظر إلى تأثير هذا الإجراء على حياته ومستقبله.

خطر حقيقي
في المقابل، يحذّر الباحث في الحركات الإسلاميّة، صلاح حسن، من أن "العائدين من داعش أو من سورية يشكلون خطراً حقيقياً على الأمن داخل مصر". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "بعض الشباب المصري الذي يسافر إلى سورية للانضمام إلى القتال، يكتسب مهارات وخبرات خاصة في العمل المسلّح"، لافتاً إلى أنّ "عودة هؤلاء إلى مصر مرة أخرى، تُشكل خطراً على مستوى المواجهات بين عناصر جهادية وقوات الجيش والشرطة، سواء في سيناء أو خارجها".
ويُعرب حسن عن اعتقاده بأنّه "ليس بالضرورة أنّ كل من تمّ القبض عليهم سافروا إلى سورية"، مبرراً اعتقالهم بـ"إجراءات احترازيّة تتخذها السلطات المصرية بحق المشتبه بهم، ولكن هذا لا يعني أنهم مدانون بشيء". وتكمن الأزمة، وفق حسن، في "تحديد أي من العناصر المتحفظ عليها، انضم إلى جماعات جهاديّة في الخارج، ومن سافر إلى تركيا للسياحة مثلاً". ولم يستبعد "عودة شباب إلى مصر بتكليف من تنظيم "داعش" لتنفيذ عمليات في مصر ضد الجيش والشرطة"، ولكنه يرى في الوقت ذاته أنّه "لا يمكن القطع بذلك"، لافتاً إلى أنّ "منع السلطات المصرية سفر الشباب إلى الدول التي يمكن من خلالها التوجه إلى سورية أو العراق، خطوة كان ينبغي اتباعها منذ فترة طويلة، وإن كانت تجعل من العناصر الجهادية في مصر قنبلة موقوتة، تساهم في اتساع العمليات العنيفة ضد الجيش والشرطة".
إجراء وقائي
من جهتها، تشدّد مصادر أمنيّة مصريّة لـ"العربي الجديد"، على أنّ احتجاز بعض الشباب "إجراء وقائي لن يطول"، مشيرة إلى أنّ "الأجهزة الأمنيّة رصدت بالفعل حركة انتقال الشباب من وإلى سورية خلال الأشهر القليلة الماضية". وتوضح أنّ "أجهزة الأمن تقوم بحصر تلك الأسماء وتوقيفها للتحقيق معها، ومن لا يثبت تورطه يتم الإفراج عنه، ولكن بعد خضوعه لفترة تحت المراقبة". وتكشف عن "معلومات بحوزة أجهزة الاستخبارات المصرية، حول تكليف بعض الأفراد من قبل تنظيم "داعش" للقيام بعمليات إرهابية في مصر، ولكن من دون علم أسماء هؤلاء الأشخاص". وتلفت إلى "منع عدد كبير من الشباب من السفر إلى تركيا، تبيّن من خلال عمليات رصد أنّهم كانوا ينوون السفر إلى سورية".

المساهمون