أقاليم اليمن: وصفة للحلّ أم للخراب؟

أقاليم اليمن: وصفة للحلّ أم للخراب؟

12 فبراير 2014
+ الخط -
أسبوعان فقط فصَلا بين تشكيل الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، لجنة تحديد الأقاليم اليمنية، وبين انتهاء اللجنة من أعمالها، لتحسم منذ يوم الإثنين، تحوّل اليمن إلى بلد فدرالي من ٦ أقاليم، ٤ في الشمال و٢ في الجنوب.

الأقاليم
في ما يتعلق بالجنوب، تم الاعلان عن إقليم حضرموت وعاصمته المكلا، ويتألف من المهرة، حضرموت، شبوة، وسقطرى، في حين تم التوافق على إقليم عدن، وعاصمته عدن، على أن يتألف من محافظات عدن، أبين، لحج، الضالع.
أما في ما يتعلق بالأقاليم الشمالية، فتم الاعلان عن إقليم سبأ وعاصمته مأرب، ويتألف من الجوف، مأرب، والبيضاء. واختير إقليم الجند، وعاصمته تعز، ليضم كلاً من تعز وإب.
كذلك تم اقرار إقليم تهامة، وعاصمته الحديدة، ليشمل كلاً من الحديدة، ريمة، المحويت، حجة. وأخيراً اعتمد إقليم آزال، وعاصمته صنعاء، على أن يضم كلاً من صنعاء، صعدة، عمران وذمار.


معايير اللجنة
وفي محاولة لتبرير أسباب اعتماد هذه الأقاليم بالذات، أوضحت اللجنة أنها اعتمدت على مجموعة من المعايير لخّصتها بـ"القدرة الاقتصادية وبإمكانية تحقيق كل إقليم للاستقرار الاقتصادي، والترابط الجغرافي، والعوامل الاجتماعية والثقافية والتاريخية". كما سعت اللجنة، وفقاً لما أعلنته، إلى ضمان التنافس الإيجابي والتكامل بين الأقاليم.
والأهم بالنسبة إليها، أنه يمكن معالجة أي اعتراضات قد تنشأ عن هذه الصيغة، إذ إن قانون الأقاليم، الذي يُفترض أن يصدر لاحقاً، يجب أن ينص على أن "حدود الأقاليم يمكن مراجعتها بعد دورة انتخابية أو أكثر"، على أن يُنظّم ذلك بقانون اتحادي.

لكن هذه التوضيحات لم تحل دون بروز اعتراضات حتى من داخل اللجنة. واقع أقرّت به في بيانها بقولها إن الصيغة اعتمدت بـ"توافق معظم اعضاء اللجنة". اما ما حال دون حصول الإجماع، فلم يكن سوى ممثل "أنصار الله" (الحوثيين)، الذي رفض التوقيع على ما اعتمدته اللجنة.
القيادي في المجلس السياسي لـ"أنصار الله"، محمد البخيتي، عزا الرفض إلى أن الصيغة "قسّمت اليمن الى فقراء وأغنياء". واعتبر أنها تخدم السعودية، إذ تعطيها مساحة كبيرة قبلية نفطية على الحدود، مشيراً بشكل خاص الى إقليمَي سبأ وحضرموت الغنيَّين بالنفط، والمحاذيين للحدود السعودية.

اعتراض إضافي أعلنه الحزب الاشتراكي اليمني، الذي طالب منذ البداية باعتماد إقليمين، شمالي وجنوبي فقط، في محاولة لتلبية الحد الأدنى من مطالب الجنوبيين الذين يطالبون بفك الارتباط عن الشمال. لكن اعتراض "الاشتراكي"، الذي لم يمنعه من التوقيع على الصيغة، تجاهلته اللجنة أسوةً باعتراض "أنصار الله"، اذ إنها على ما يبدو كانت في عجلة من أمرها لإقرار التقسيم الإداري، أخذاً بعين الاعتبار أن المرحلة الانتقالية، التي حُدِّدَت بعامين، يُفترض أن تنتهي خلال عشرة أيام، تاريخ انتهاء ولاية الرئيس عبد ربه منصور هادي، وهو ما جعلها تغفل العديد من المخاطر التي تنطوي عليها هذه الصيغة.


معايير سياسية لا تقنية
أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، عادل الشرجبي، أكد لـ"الجديد" أنّ اعتماد فكرة الدولة الاتحادية، هو مشروع جيد للخروج من الدولة المركزية، لكن المعايير "كان ينبغي أن تقوم على دراسات اجتماعية واقتصادية وثقافية، وليس على معايير سياسية وتوازنات بين القوى السياسية فحسب".

تركيز اللجنة على المعيار السياسي، وفقاً للشرجبي، يتجلى في مؤشرين رئيسين: - الأول اختيار الأقاليم، وذلك من خلال رفض مشروع الحزب الاشتراكي واعتماد خيار الأقاليم الستة، الذي وصفه بأنه خيار "القوى التقليدية، والتنظيمات المحافظة التي يهيمن عليها شيوخ القبائل". خيار نال موافقة كل من "المؤتمر الشعبي العام" (الحزب الحاكم قبل الثورة)، و"التجمع اليمني للإصلاح".

- أما المؤشر الثاني، فيتمثل في حرمان إقليمي سبأ (الجوف، مأرب، والبيضاء) وآزال (صنعاء، صعدة، عمران، ذمار) من المنافذ البحرية.
ويوضح الشرجبي أنه كان هناك مقترح أن تُضم محافظة حجة، بما في ذلك ميناؤها على البحر الأحمر (ميناء ميدي) إلى إقليم آزال، ولكن تم رفض الاقتراح بسبب تخوّف النخب التقليدية من أن يسيطر "أنصار الله" على هذا الإقليم. وكان من شأن ذلك، وفقاً لهذا الاعتقاد، أن يدفع الحوثيين إلى فصل الإقليم عن الجمهورية اليمنية، أو على الأقل سوف تستطيع استغلال هذا الميناء في استيراد أسلحة والحصول على دعم خارجي، وتحديداً من إيران.

ويسلّط الشرجبي الضوء على المزيد من المآخذ على عمل اللجنة، أهمها عدم مراعاتها للتوازن السكاني في توزيع الأقاليم. ويوضح الأستاذ الجامعي لـ"الجديد" أن إقليم حضرموت تقرب مساحته من نصف مساحة الجمهورية، وإقليم الجند يقترب عدد سكانه من نصف سكان الجمهورية، فيما الموارد النفطية متركزة في أقاليم قليلة السكان، مثل حضرموت وسبأ.
أما إقليم آزال، فسيكون من وجة نظره أكثر الأقاليم فقراً وحرماناً، بسبب عدم امتلاكه منافذ بحرية، ولا ثروة سمكية، فضلاً عن أنه إقليم يغلب عليه الطابع القبلي، ما سوف يجعله ساحة للحروب والنزاعات القبلية، وسوف تستولي النخب القبلية على معظم موارده، بحكم ما تتمتع به من قوة.

وفي إطار حديثه عن النتائج السلبية الإضافية لهذا التقسيم، يحذّر الشرجبي من أن إقليم آزال سيعاني من نزاعات مسلحة دائمة بين قبائل "حاشد" و"بكيل"، وبين قبيلة "حاشد" و"حركة أنصار الله" (الحوثيين). هي نزاعات ستكون، من وجهة نظر الشرجبي، استمراراً للنزاعات القائمة حالياً بين هذه الأطراف، لكن حدّتها ستتزايد مستقبلاً، ولا سيما أن شيوخ القبائل الكبار في اليمن ينتمي معظمهم لهذا الإقليم.

النزاعات مرجحة أيضاً بين إقليمي عدن وحضرموت اللذين كانا يشكلان "جمهورية اليمن الديموقراطية" قبل الوحدة في العام ١٩٩١. ويلفت الشرجبي إلى تناقض التركيبة السياسية بين الإقليمين، إذ تغلب القوى اليسارية والقومية واللبيرالية على إقليم عدن، فيما بعض سكان إقليم حضرموت يتبنون توجهات محافظة. لكن الأهم، أن حضرموت، التي لطالما احتفظت بهوية خاصة بها، كان لديها ميول انفصالية منذ الستينات، "واليوم هناك دعم إقليمي لفصلها عن الجنوب، وضمها لمجلس التعاون الخليجي، في حين لن يسمح أبناء الجنوب عموماً ومواطنو إقليم عدن لهؤلاء بالانفصال".

من جهته، يتفق أستاذ العلم الاجتماعي، فؤاد الصلاحي، مع الشرجبي في التحذير من مخاطر الصيغة المعتمدة للأقاليم وتحديداً في الجنوب، اذ يرى، في اتصال هاتفي مع "الجديد"، أن اعادة تقسيمه إلى إقليمين، يشكل ضربة قاضية لـ"أعظم انجاز لثورة أكتوبر الاشتراكية، بعدما حوّلت الجنوب الذي كان يتألف من ٢٢ مشيخة وسلطنة تنتمي إلى عهد ما قبل الدولة، إلى دولة وطنية بأقاليم ٦ فقط".
ومن بين المخاطر التي يحذّر الصلاحي منها، أن "هناك مطامع خليجية كبيرة في إقليم حضرموت تحديداً، لتمرير أنبوب النفط الخليجي السعودي عبره إلى البحر العربي، ومن ثم إلى المحيط الهندي بعيداً عن مضيق هرمز".
كما يثير مسألة أن التقسيم بهذه الصيغة بمجمله "لا يعكس أي رؤية جدية لادارة البلاد، ولا سيما أنه في اطار الدولة الضعيفة، ستكون الثروات المحلية خاضعة لإدارة الأقاليم".
ويوضح أنه انطلاقاً من ذلك، سيبدأ الصراع "لأنه لا يمكن للأقاليم ذات الكثافة السكانية، أن تساعد الأقاليم الأخرى قليلة السكان والغنية بالثروات"، متوقعاً أن يندلع الاقتتال بينها في الأيام المقبلة، وهذا "ما يمكن تسميته بالغباء السياسي للسلطة التنفيذية واللجنة المكلفة باعتماد الأقاليم". 
ويوضح الصلاحي أن إقليم الجند (تعز وإب) الذي فيه كثافة سكانية عالية تقريباً (١١ مليون نسمة)، لا تتجاوز مساحته ٦ في المئة من مساحة البلاد، في حين أن إقليم حضرموت، يتواجد فيه ٦ في المئة من السكان، لكنهم يتوزعون على ٤٠ إلى ٥٠ في المئة من مساحة البلاد.
ولو احتسب عدد سكان إقليمَي الجوف وحضرموت، يتبين أن قرابة ١٣ في المئة من السكان ينتشرون على مساحة ٧٠ في المئة من البلاد. وفي هذين الإقليمين تحديداً، تتواجد كل الموارد النفطية والغازية.

ويخلص الصلاحي إلى أن الفيدرالية بأقاليم متعددة، ليست ورقة سحرية لحل مشاكل اليمن، بل هي جزء من حزمة معالجات تعيد ترتيب النظام السياسي بصورة جديدة، ولكن دونها معوقات عدة. أهم هذه المعوقات "استمرار سيطرة مراكز القوى (قبلياً وعسكرياً وحزبياً) على إدارة الشأن السياسي"، التي يحذر من أنها ستقوم بتحويل الأقاليم إلى مجال لسيطرتها في حال استمر ضعف الدولة.
وفيما يشدد على أن الفيدرالية بصيغة الأقاليم لا بد لها من دولة قوية بمؤسساتها لتكون فاعلة ولترعى تجربة التحول نحو حكومات محلية، فقد أكد على أن هذا الأمر ليس متوفراً في اللحظة الراهنة، ما يجعل مراكز القوى الراهنة هي المستفيد الرئيسي من التقسيمات التي أقرّت.