"سيناء" تستعصي على "تقصي الحقائق"

"سيناء" تستعصي على "تقصي الحقائق"

02 أكتوبر 2014
تؤكد اللجنة منع أعضائها من السفر للرصد بسيناء(فرانس برس)
+ الخط -

يسيطر الارتباك على لجنة تقصي حقائق الثلاثين من يونيو/حزيران المصرية، المشكلة بقرار من الرئيس المؤقت السابق عدلي منصور في 21 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، لمدة ستة أشهر انتهت في 21 يونيو الماضي، بعدما مدّدت اللجنة عملها مرتين، أولاهما لثلاثة أشهر انتهت في 21 سبتمبر، ثم لشهرين آخرين لتنهي أعمالها في 21 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

وتعمل اللجنة على إنجاز تقريرها النهائي بشأن 12 ملفاً في الموعد الأخير، أبرزها فض اعتصامي "رابعة العدوية" و"نهضة مصر" لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي، ومقتل عناصر الجيش والشرطة في سيناء، في الوقت الذي تعاني فيه من صعوبة التنقل على الأرض، وعدم تعاون الأجهزة الأمنية.

وتدّعي اللجنة مواجهة الكثير من العراقيل الأمنية لزيارة شبه جزيرة سيناء، وهي أحد أبرز ملفاتها، وتشير إلى منع أعضائها من السفر لرصد الأحداث على الأرض، معلنة، على الرغم من ذلك، زيارة عضو أو اثنين من أعضائها إلى سيناء، بشكل غير رسمي، بعدما رفضت وزارة الدفاع إعطاء اللجنة موافقة أمنية على زيارة رسمية.

وبحسب رئيس اللجنة، فؤاد عبد المنعم رياض، فإن اللجنة تستند في ملف سيناء فقط إلى بعض المعلومات والوثائق التي ترسلها إليها "شخصية عامة" في سيناء (رفض الإفصاح عن هويتها)، والذي تتواصل معه اللجنة بشكل مستمر، مشيراً إلى أن "سيناء تحتاج إلى لجنة تقصي حقائق خاصة، واللجنة الحالية ستسعى بقدر المستطاع لكشف خلفيات الأحداث هناك".

وعزت اللجنة طلبها المتكرر بتمديد عملها، إلى تلقيها معلومات من جهات عدة، أبرزها وزارة الداخلية والنيابة العامة، ما يتطلب وقتاً للتدقيق فيها، بهدف الوصول لتقارير مكتملة، بدلاً من الاستعجال بإصدار تقارير منقوصة المعلومات أو منحازة، وذلك بحسب تصريح لرئيس اللجنة، وهو قاض دولي سابق.

وكان رياض قد أكد، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أن كل ما ينقص اللجنة حالياً هو وجهة نظر أنصار جماعة الإخوان، وما لديهم من معلومات أو أدلة، وأن اللجنة تسعي إلى الخروج بتقرير يتضمن شهادات من الطرف المقابل للسلطة الحالية، والتي مدت اللجنة بما لديها من معلومات، حتى لا يتعرض تقرير اللجنة للانتقادات الواسعة التي نالها تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان.

وكان تقرير مجلس حقوق الإنسان الحكومي، قد دان المعتصمين خلال تقريره السابق عن فض اعتصام "رابعة"، رغم سقوط أكثر من ألف قتيل بين صفوف المعتصمين، الذين حمّلهم التقرير مسؤولية بدء العنف خلال عملية الفض التي قامت بها قوات الجيش والشرطة.

وبحسب ما قاله رئيس اللجنة، فإنها شُكلت في الأساس لتفادي تشكيل لجنة دولية للتحقيق في الأحداث التي أعقبت تظاهرات 30 يونيو 2013 (وأعقبها انقلاب الثالث من يوليو/تموز)، وسقط خلالها الآلاف من المصريين ما بين قتيل ومصاب.

وشكك مراقبون في حيادية اللجنة ومدى استقلاليتها، ولا سيما في ظل بعض مواقفها المعلنة المنحازة للسلطة التي شكلتها، والتي ستقدم لها أيضاً تقريرها النهائي للنظر فيه، ممثلةً في الرئيس عبد الفتاح السيسي، والذي كان يشغل منصب وزير الدفاع أثناء المجازر التي تُحقق فيها اللجنة، والتي كان أيضاً طرفاً فاعلاً فيها.

وخلال عمل اللجنة، ظهر الكثير من الشكاوى المتعلقة بالمعتقلين السياسيين (ويقدرون وفقاً لمنظمات حقوقية بأكثر من 40 ألف معتقل)، وتحدثوا عن تعذيبهم داخل مقار الاحتجاز سواء في أقسام الشرطة أو السجون. وأعلنت اللجنة التصدي لهذا الملف الذي لم يكن ضمن ملفات عملها. وعمدت إلى زيارة عدد من السجون التقت خلالها بعض المعتقلين على ذمة قضايا سياسية.

وعلى الرغم من أن اللجنة تفرض سرية على كل تحركاتها وعلى النتائج التي تصل إليها، إلا أنها كانت تصرّح إعلامياً، على غير المعتاد، بنتائج كل زيارة للسجون. وكانت تنفي دائماً تعرض المعتقلين لأي تعذيب أو انتهاكات داخل السجون، ما عزز الشكوك حول نزاهة اللجنة وشفافيتها.

وعند تصاعد أزمة إضراب المعتقلين عن الطعام لفترات طويلة، خرجت اللجنة عقب زيارتها للمعتقل السياسي المضرب عن الطعام محمد سلطان لتُعلن أن صحته لم تصل إلى مرحلة الخطر وبعد إعلانها بيومين تم نقل سلطان إلى العناية المركزة نظراً لتدهور حالته الصحية بشكل كبير.

وفي مؤتمرها الصحافي الوحيد الذي عقدته منذ بدء أعمالها، قالت اللجنة إن مراسل فضائية "الجزيرة" القطرية عبد الله الشامي (الذي كان مضرباً عن الطعام أيضاً قبل الإفراج عنه)، قد فك إضرابه عن الطعام وتناول العديد من الأطعمة (ذكرتها اللجنة تفصيلاً)، وهو ما نفاه الشامي عقب خروجه من السجن.

أزمة شهادات "الإخوان"

شهدت الفترة الماضية مطالبات عدة من قبل اللجنة لقيادات جماعة الإخوان المسلمين بهدف الحضور والإدلاء بشهاداتهم أمامها، رغم تأكيد "الإخوان" في أكثر من بيان منسوب لهم، أن اللجنة "غير مستقلة"، وهو ما تردّ عليه اللجنة بالنفي.

واعتذر القيادي الإخواني محمد علي بشر عن مقابلة أعضاء اللجنة، منتصف شهر أغسطس/آب الماضي، متهماً رئيس اللجنة بالإخلال بوعود الحيادية والاستقلال، وذلك بعد تحديد موعد للإدلاء بشهادته.

وأوضح بشر في بيان أصدره حينها أن الاعتذار جاء "رفضاً للتوظيف السياسي للاتصالات التي جرت معه، والتي أعلن فيها المسؤولية الوطنية والأخلاقية وحسن النية، رغم تحفظه على تشكيل اللجنة من غير ذي صفة، وقوبلت بتسيس واسع في وسائل الإعلام المحسوبة على سلطة الانقلاب، وصمت غير مبرر من لجنة تقصي الحقائق"، حسب قوله.

وأضاف بشر "اللجنة صدرت عنها كذلك مواقف غير إيجابية مع ذوي الضحايا، وتصريحات يُفصح فيها رئيس اللجنة عن موقفه السياسي المسبق"، في حين قالت عضو اللجنة الحقوقية في تحالف "دعم الشرعية ورفض الانقلاب"، هدى عبد المنعم، إن السبب الأول لعدم المشاركة هو "تعقب بعض من أدلوا بشهاداتهم وتلفيق تهم للبعض الآخر، وإفصاح رئيس اللجنة عن موقف سياسي منحاز للثورة المضادة".

وبحسب نص قرار تشكيل اللجنة، فإنها تتولى "جمع وتوثيق المعلومات والأدلة ذات الصلة، وعقد اللقاءات وسماع الشهادات وإجراء المناقشات التي تراها لازمة، وتحليل الأحداث وتوصيفها وكيفية حدوثها وتداعياتها والفاعلين لها، وما ترتب عنها من آثار، والاطلاع على ما تم من تحقيقات".

ونصّ القرار على عمل اللجنة على 10 ملفات، من بينها أحداث الحرس الجمهوري والمنصة وحرق الكنائس والاغتيالات ومحاولات تعطيل المجرى الملاحي لقناة السويس؛ فضلاً عن ملفين أضافتهما اللجنة لاحقاً، وهما "العنف في الجامعات، ومزاعم تعذيب المعتقلين داخل السجون".