القضية الفلسطينية بمجلس الأمن مجدداً: عجز دولي أمام أميركا

القضية الفلسطينية بمجلس الأمن مجدداً: عجز دولي أمام أميركا

29 ابريل 2019
يعقد مجلس الأمن اليوم جلسته الشهرية لبحث الوضع الفلسطيني(Getty)
+ الخط -


على الرغم من أن القضية الفلسطينية دائمة الحضور دولياً، ولا سيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، إلا أن المجتمع الدولي لم ينجح منذ سنوات في فرض أي قرار مُهم يحمي القضية الفلسطينية، ضد الإجراءات الإسرائيلية والأميركية المتصاعدة لتصفية القضية، وخصوصاً أن الإدارة الأميركية، ولا سيما منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، تعمل على فرض رؤيتها الأحادية ومحاربة أي تعددية دولية داخل الأمم المتحدة ومؤسساتها لاتخاذ القرارات، لا فقط في ما يخص فلسطين والانحياز للاحتلال، بل في قضايا أخرى كالمناخ والملف الإيراني. وكانت الإدارة الأميركية انسحبت من تلك الاتفاقيات التي فاوضت على صياغتها، ناهيك عن انسحابها من مؤسسات عديدة للأمم المتحدة، من بينها مجلس حقوق الإنسان، وتقليص دعمها المالي لمؤسسات الأمم المتحدة، بما في ذلك وقف الدعم المادّي لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، فيما يبدو المجتمع الدولي متخبطاً في الردّ على ترامب.

ويحضر الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة مجدداً اليوم الإثنين، أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، الذي يعقد جلسته الشهرية لمناقشة تطورات الوضع، وسط تصعيد مستمر من قبل قوات الاحتلال والإدارة الأميركية ضد الفلسطينيين على الأرض وعلى مستوى الدبلوماسية الدولية، يُترجم بطرق مختلفة. وتسلّط الجلسات الشهرية لمجلس الأمن الدولي بخصوص فلسطين، الضوء على آخر التطورات الميدانية، وتُبقي الموضوع الفلسطيني قيد التداول. كما تشكّل حدثاً مهماً لتسجيل الدول، لا فقط الأعضاء في مجلس الأمن، مواقفها من هذه القضية. وستقدّم وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري ديكارلو، في جلسة اليوم، إحاطة أمام المجلس، بدلاً من المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، الموجود في بروكسل لحضور مؤتمر المانحين. ومن المتوقع أن تستمر الجلسة لساعات، تقدّم فيها الدول المعنية مواقفها من الوضع على الأرض، ناهيك عن تقديم ممثلين عن منظمة "إيكوبيس" البيئية غير الحكومية، قراءتهم لتأثير الاحتلال على حياة الفلسطينيين من وجهة نظر بيئية، وتحديداً قضايا المياه.

وكشفت مصادر مطلعة في الأمم المتحدة في نيويورك لـ"العربي الجديد"، أن ديكارلو ستركز في إحاطتها على الانتهاكات الإسرائيلية لقرارات مجلس الأمن، من بينها القرار 2334 المتعلق بمطالبة الاحتلال وقف الاستيطان في الضفة الغربية، الذي تبنّاه المجلس في ديسمبر/ كانون الأول 2016، وأعاد التأكيد على عدم قانونية المستوطنات وضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967. كما ستتطرق للوضع الإنساني في غزة وجهود المصالحة الوطنية الفلسطينية. وستتحدث كذلك عن الجولان السوري المحتل وإعلان ترامب اعترافه بضم إسرائيل لتلك الأراضي، وهو أمر معاكس للموقف الدولي باعتبارها أراضي محتلة، فيما تحاول الولايات المتحدة وإسرائيل الحديث عنها كأراض متنازعٍ عليها لا أراضٍ محتلة. وستتناول ديكارلو كذلك قضية أموال الضرائب الفلسطينية التي تحتجزها إسرائيل والوضع الاقتصادي الفلسطيني، الذي يُحذر عدد من الخبراء بأنه يقارب على الانهيار التام. ومن المتوقع أن تضم ديكارلو صوتها لتلك التحذيرات، ومن عواقب أي انهيار وتأثيره على الأمن والسلم الدوليين. كما أنه من المتوقع أن تتطرق لخطط تقشف الحكومة الفلسطينية لمجابهة الوضع الاقتصادي. كما ستتحدث عن مسيرات العودة وإضراب الأسرى.


وتأتي هذه الجلسة بعد إعادة تكليف بنيامين نتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيلية، وإعلان إدارة ترامب نيّتها الكشف عن "صفقة القرن" (الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية) بعد شهر رمضان، كما صرّح صهر ومستشار الرئيس الأميركي جاريد كوشنر على "تويتر". تلك الصفقة انفردت الإدارة الأميركية والإسرائيلية بتفصيلها وإبعاد الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي عنها، وبدأت بتنفيذ جزء من عناصرها على الأرض، عن طريق نقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس المحتلة، ووقف الدعم المادّي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، والاعتراف بضم الاحتلال للجولان السوري المحتل، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وعرقلة صدور بيان صحافي عن مجلس الأمن يعرب من خلاله المجلس عن أسفه لقرار إسرائيل، في يناير/ كانون الثاني الماضي، عدم التمديد لولاية بعثة المراقبة الدولية في مدينة الخليل. وتقوم هذه البعثة بمهامها منذ عام 1994، بعد مجزرة الحرم الإبراهيمي التي استشهد فيها 29 فلسطينياً وجرح عشرات آخرون بعد قتلهم على يد المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين في 1994، وذلك على الرغم من أن البعثة لا تنشر تقاريرها، وترفعها فقط إلى الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.

وفي سياق الحماية الدولية، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد صادقت، في يونيو/ حزيران الماضي، بأغلبية الثلثين على مشروع قرار لتقديم الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. ومن ضمن ما نصّ عليه القرار مطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بتقديم تقرير خطيّ خلال 60 يوماً من تبنّي القرار، يتضمّن مقترحاته بشأن سبل ووسائل ضمان وحماية المدنيين الفلسطينيين تحت الاحتلال، بما في ذلك سبل تشكيل آلية للحماية الدولية. وقدّم الأمين العام أنطونيو غوتيريس تقريره إلى مجلس الأمن، الذي لم يناقش تلك الاقتراحات حتى الآن. ومن المستبعد أن تُقدم أي من الدول على طلب مناقشتها في الوقت الحالي، لأن أي مشروع قرار قد تتم المحاولة لإصداره سيواجه بفيتو أميركي. أضف إلى كل هذا، فإن من المتوقع أن تتطرق أكثر من دولة، خلال الإحاطة، إلى إعلان نتنياهو قبل الانتخابات رغبته بضم المستوطنات لإسرائيل إذا انتُخب، والخطوات التي يتخذها بهذا الصدد.

وفي مقابل التصعيد الإسرائيلي الأميركي ضد حقوق الفلسطينيين، يبرز شبه شلل دولي وعربي على صعيد الدبلوماسية الدولية، يمكن ملاحظته على مستوى مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها مجلس الأمن الدولي، وعجزها، لا فقط عن تنفيذ قراراتها منذ عقود، بل محاولة الولايات المتحدة وإسرائيل وحتى دول غربية أخرى إسقاط بعض تلك القرارات أو إقرار أخرى، تُحدث شرخاً أو تضعف الموقف الدولي. ورأى مصدر دبلوماسي رفيع المستوى، تحدث لـ"العربي الجديد"، أنه على عكس ما يتم تداوله بأن إسرائيل لا تأبه بالرأي العام العالمي والمجتمع الدولي، فإن ذلك غير صحيح، لأنها تعمل بشكل حثيث لنسف التأييد الدولي داخل الأمم المتحدة للقضية الفلسطينية، ومحو المكاسب التي تم تحقيقها، حتى ولو بشكل جزئي. وأشار إلى أنها تمكنت من تحقيق نجاح نسبي، عندما تمكّنت السفيرة الأميركية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، من الحصول على تأييد 87 دولة، مقابل معارضة 58 وامتناع 32، على قرار يدين المقاومة الفلسطينية، وتحديداً حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". لكن الجمعية العامة لم تتبن القرار لأنه تم التصويت عليه بموجب مبدأ الثلثين، أي إنه يجب الحصول على تأييد ثلثي الدول المُصوتة بدلاً من تأييد الأغلبية البسيطة، خمسين في المائة من الدول المصوتة زائداً واحداً، كما هي العادة.

وتمكّنت كل من الكويت، عن المجموعة العربية، وبوليفيا وعدد من الدول الأخرى، من اعتماد التصويت بحسب مبدأ الثلثين، لأن القرار يتعلق بالأمن والسلم الدوليين. لكن نسبة التأييد الذي حصلت عليه السفيرة الأميركية، حتى لو لم يتم تمرير القرار، تشكل ضوءاً أحمر وخطراً فعلياً بأن يخسر الفلسطينيون جزءاً من معاركهم على مستوى الأمم المتحدة. ونوّه المصدر بأن أي محاولات مستقبلية للأميركيين قد تنجح في تمرير قرار مشابه. ولفت إلى أن الادعاء بأن الولايات المتحدة وإسرائيل لا تأبهان بمنظمات الأمم المتحدة غير واقعي، إذ إنه على الرغم من عدم التزام الأخيرة بتلك القرارات وتنفيذها، فإن إسرائيل تعمل في السنوات الأخيرة وبشكل فعّال على تقوية وجودها في لجان الأمم المتحدة، كما مؤسساتها، وانتخاب ممثلين عنها في تلك اللجان. وأشار إلى أن من الضرورة النظر إلى الأمم المتحدة كساحة من ساحات معارك عديدة تخاض في هذا السياق، لكن الحسم الرئيسي سيكون للواقع على الأرض ومدى استمرار صمود الفلسطينيين.

المساهمون