التحالف الدولي و"داعش"... أنماط القتال المتوقعة

التحالف الدولي و"داعش"... أنماط القتال المتوقعة

17 سبتمبر 2014
(حيدر حمداني/فرانس برس)
+ الخط -

تداعت الاجتماعات، في الأسبوع الماضي، لدراسة الحالة الناجمة نتيجة اجتياح قوات "الدولة الإسلامية" مساحات واسعة من الأراضي العراقية والسورية، حتى أمحت، على ما يبدو، حدود "سايكس بيكو" بفتح الحدود العراقية السورية. أصبحت قوات "الدولة" "تحكم" قطاعات من أراضي الدولتين، العراقية والسورية، وهو أمر غير مسبوق. وجد هذا التنظيم الذي برز على الساحة العراقية على الأقل بشكل فاجأ المراقبين، وهو يتوفر على قدرات وتقانات عسكرية عالية المستوى، استولى عليها نتيجة اجتياحه الموصل ليلة 9/10 يونيو/حزيران 2014، فضلاً عمّا وقع في يديه من أسلحةٍ ومعداتٍ أخرى في المجابهات التي خاضها في العراق وسورية. وشجعت "انتصاراته" المتتالية شباناً كثيرين، مشحونين بروح الإحباط والظلم على يد نظام الحكم العراقي الحالي، ومثيله السوري من جهة، والقوى الغربية. هكذا، تدفق على هذه "الدولة" ألوف من الشباب المسلم من أركان العالم الأربعة. وهنالك من ترك الغرب بكل ما فيه من فرص للعيش، وتسرب إلى الأراضي التي تسيطر عليها هذه الدولة.

اتخذت قمة باريس، التي انعقدت يوم 15 سبتمبر/أيلول الجاري، قراراً بإسناد الحكومة العراقية في حربها مع قوات "الدولة". وقد سبقه قرار آخر لمؤتمر إسلامي في جدة بتأييد الحرب على الإرهاب، واعتبر أن "داعش" هو الممثل "للإرهاب" الذي ينبغي محاربته.

صحيح أن دخول الولايات المتحدة على خط المجابهة في العراق شكل انعطافةً في نمط الصراع، واتجاهاته. وصحيح أيضاً أنه شكل ما يمكن وصفه بأنه إيقاف الاندفاعة التي قامت بها قوات "داعش" باتجاه إقليم كردستان، لكنه ظل مع ذلك، مع النجاحات المحدودة التي حققتها البشمركة والقوات العراقية، جهداً ونجاحات محدودة على الأرض، إذ لم تتغير خريطة الصراع جذرياً، وظلت قوات "داعش" تمتلك حدوداً معينة من المبادأة في الساحتين العراقية والسورية. من هذا كله، وجدنا أن مدى الصراع، من وجهة نظر القوة المهيمنة على اجتماعات باريس، وهي الولايات المتحدة، يبقى مدى زمنياً طويلاً، كما ورد، مرات، على لسان الرئيس باراك أوباما.

من الجانب العراقي، ستكون تشكيلات الجيش العراقي التي انهزمت أمام "داعش"، والمليشيات المساندة لها، وقوات البشمركة من جهة، وقوات (داعش) ومن سيتحالف معها من جهة أخرى. الملاحظ أن إيران استُبعدت من التحالف، وأكد مرشدها رفضه الانضمام إليه. هنا، يثار تساؤل عن كيفية سلوك المليشيات الممولة والمسلحة من إيران، كالعصائب وقوات بدر، وقد هدد قائد الأخيرة، هادي العامري، بانسحاب قواته من قتال داعش، عندما لم تسند إليه وزارة الداخلية.

على الجانب السوري، من ستقاتل (داعش) هي قوى الثورة "المعتدلة"، كالجيش الحر ومن سيتحالف معه، وقد يتم تجهيز هذه القوات بأسلحة ومعدات قتالية غربية. وهنا، تغيب عن الصورة قوات النظام السوري لرفض التحالف الدولي التعاون معها، بل وتهديدها بضرباتٍ توجه إليها إذا ما تدخلت في تنفيذ القوات الجوية الأميركية مهماتها، كما قال أوباما. سيثار هنا، أيضاً، تساؤل عن مصير من يرجح تحالفهم مع داعش، أو استنكافهم عن التحالف معه من قوات أخرى، كقوات "جبهة النصرة" التي قد تتلقى هي، أيضاً، ضربات باعتبارها مصنفة من الأميركيين قوات "إرهابية".

ستستهدف نقاط تمركز داعش من الجو في العراق، وقد سربت معلومات أن الأميركيين باستطلاعهم الجوي الذي انضم إليه الفرنسيون، أمس، قد سجلوا حوالي 350 موقعاً لداعش في العراق، كما ورد على ذمة أحد ضباط القيادة العراقية الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، معترفاً بالصعوبة التي تمثلها مرونة "داعش"، بتغيير أماكنها وتمركزاتها، مرة كل أربع وعشرين ساعة.

يجدر استذكار ما يجري منذ 2003 في أفغانستان، والفشل في إنهاء "طالبان"، بل ونجاح هذه الحركة في إثبات وجودها، بحيث عرض النظام الحوار معها مرات. ذلك أن المرونة والسرعة وقابلية المناورة والحركة الواسعة التي يتمتع بها (داعش)، ستجعل من استهدافه بضربات قاضية أمراً تكتنفه الصعوبة. ويشكل الفشل في مسك الأرض نقطة نجاح إضافية تحققها (داعش). ولمسك الأرض، لا بد من ضمان موافقة، ورضا المكافئ النوعي المجرب لقوات داعش، وهو قوات العشائر العربية السنية في العراق، فهي وحدها القادرة على هزيمة (داعش) في مناطقها، كما حصل مع القاعدة. لكن تطور إمكانات داعش القتالية الكبيرة، وسعة ساحة المعركة، يفترضان جهداً جباراً في إعداد وتسليح المكافئ النوعي الذي قد يرفض التورط في القتال إلى جانب قوات الحكومة، المصنفة طائفيّاً في بغداد، إذ لم تلمس هذه المحافظات الست المنتفضة بعد، أية بادرة إيجابية من الحكومة لرفع الحيف عنها.

القتال الآتي سيكون مريراً وطويلاً، وسيتحمل المدنيون عبئاً مضافاً لما تحملوه، وقد تضطر البقية الباقية منهم الى ترك منازلهم، في ضوء اشتداد القصف، ما سيزيد من تفاقم الحالة. القصف الجوي لن يحسم الأمور، والجهد البري لن يؤثر جذريّاً، ما لم تأخذ العشائر القتال على عاتقها، والعشائر لا تجد ضوءاً في نهاية النفق، يشي بإمكانية تحقيق مطالبها.