نزاع تيغراي يعود بوجه جديد

نزاع تيغراي يعود بوجه جديد

24 ابريل 2024
يعاني سكّان تيغراي من أزمة جفاف (إيد رام/ Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- حرب استمرت عامين بين الجيش الإثيوبي وقوات تيغراي في إقليم تيغراي، تسببت في نزوح أكثر من 50 ألف شخص وتفاقم النزاعات الإثنية وأزمة الجوع.
- اتهامات متبادلة بين مسؤولين في أمهرة وقوات تيغراي حول انتهاكات لاتفاق وقف الأعمال العدائية، وتحذيرات من مجاعة بسبب تعتيم حكومي ومنع للصحافيين.
- تأثيرات الجفاف وسوء إدارة المساعدات الإنسانية تزيد من خطورة الوضع في تيغراي، مع دعوات للمجتمع الدولي لدعم تطبيق اتفاق بريتوريا ومعالجة المعاناة الإنسانية.

 

بعد حرب دموية استمرت عامين، بين الجيش الإثيوبي وقوات "جبهة تحرير تيغراي" المتمردة، في إقليم تيغراي الواقع شمال إثيوبيا، بين 2020 و2022، يبدو أن تداعيات هذه الحرب لم تنته بعد، ولا تزال متواصلة، ولو بشكل آخر، وسط نزاعات إثنية، يفاقمها الجوع وشحّ الموارد الذي يلقي بظلاله ويهدّد المنطقة. واللافت أمس كان حديث الأمم المتحدة عن نزوح أكثر من 50 ألف شخص من منازلهم في شمال إثيوبيا، بسبب نزاع شبه صامت، بدأت ملامحه تظهر إلى العلن اليوم، علماً أن المنظمة الأممية كانت تحدثت قبل أيام قليلة فقط عن نزوح 29 ألف شخص من المنطقة، ما يعني ارتفاع أزمة النزوح بشكل متسارع.

وأعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، مساء أول من أمس الإثنين، عن نزوح أكثر من 50 ألف شخص من منازلهم في شمال إثيوبيا، بسبب معارك في مناطق متنازع عليها. وأوضح المكتب الأممي، في تقرير له، أن "عدد النازحين جراء الاشتباكات المسلحة في بلدة ألاماتا ورايا ألاماتا، منذ 13 إبريل/ نيسان الحالي، تجاوز 50 ألف شخص"، وذلك نقلاً عن السلطات في المنطقة المتنازع عليها بين إقليمي تيغراي وأمهرة المتجاورين. وأفاد "أوتشا" بأن نحو 42 ألفاً من النازحين فرّوا في اتجاه الجنوب، لا سيما إلى محيط مدينة كوبو، وفرّ 8300 في اتجاه بلدة سيكوتا شمالاً، مؤكداً أن غالبية النازحين هم من "النساء والأطفال والشباب والشيوخ".

يتهم مسؤولون في أمهرة قوات تيغراي بشّن غزو في ألاماتا

وتقع ألاماتا وجوارها في منطقة رايا المتنازع عليها بين تيغراي وأمهرة، حيث اندلعت اشتباكات بين مقاتلين من الإثنيتين منذ نحو عشرة أيام. وكانت مناطق رايا، الواقعة جنوب إقليم تيغراي، ومنطقة وولكيت الواقعة في غرب الإقليم، تابعة إدارياً لتيغراي في تسعينيات القرن الماضي، وتطالب بها منذ عقود مجموعة الأمهرة. ودخلت مليشيات و"قوات خاصة" من إقليم أمهرة إلى تلك المناطق في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 عندما اندلعت الحرب بين حكومة أبي أحمد، ومتمردي تيغراي، وقامت بتنصيب إدارتها الخاصة.

وتنص اتفاقية وقف الأعمال العدائية بين الحكومة الفيدرالية في أديس أبابا، و"جبهة تحرير شعب تيغراي" في نوفمبر 2022 والموقع في بريتوريا، عاصمة جنوب أفريقيا، على انسحاب قوات أمهرة من تلك المناطق، بعدما قدّمت دعماً عسكرياً حاسماً للجيش الإثيوبي خلال حربه ضد متمردي تيغراي.

وفي النزاع الحالي، لا تزال هوية المقاتلين المشاركين في الاشتباكات غير واضحة، فيما تتوالى التقارير التي تحذر من مجاعة في المنطقة. ويوم الأربعاء الماضي، أي قبل أسبوع، اتهمت سلطات أمهرة "جبهة تحرير تيغراي"، "بشنّ غزو، في انتهاك كامل لاتفاق بريتوريا"، مطالبة إياها "بمغادرة المناطق التي تسيطر عليها بسرعة". وفي اليوم الذي سبقه، أي الثلاثاء في 16 إبريل، تحدث رئيس السلطة الإقليمية المؤقتة في تيغراي، غيتاشو رضا، عن "أحداث في جنوب تيغراي، وغيرها من الأراضي المحتلة"، في إشارة إلى المناطق التي سيطرت عليها الأمهرة، والتي تدعي أنها تعود لها. وكتب رضا، عبر منصة "إكس"، إن الأحداث "لم تنشأ من نزاع بين الحكومة الفيدرالية والإدارة الموقتة/ أو جبهة تحرير شعب تيغراي"، ولا من "نزاع بين إدارتي تيغراي وأمهرة"، ولكنها كانت عمل "أعداء لدودين لاتفاق بريتوريا".

وأعربت سفارات في إثيوبيا، بينها بعثات فرنسا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة، يوم السبت الماضي، عن "قلقها إزاء تقارير عن أعمال عنف في المناطق المتنازع عليها في شمال إثيوبيا"، داعية في بيان مشترك إلى "وقف التصعيد وحماية المدنيين". وكانت الأمم المتحدة قد تحدثت منذ أيام فقط عن نزوح ما يقرب من 29 شخصاً، بسبب المعارك المرتبطة بنزاع حول الأراضي بين إقليمي تيغراي وأمهرة، شمال إثيوبيا، مؤكدة أن القتال بدأ حديثاً، في رايا ألاماتا، التي يدعي كل من الطرفين أنها تعود له.

يطلّ شبح المجاعة برأسه في تيغراي، ما يعود سببه في المقام الأول إلى الجفاف

وبحسب شبكة "بي بي سي"، في تقرير لها، وسط تعتيم حكومي عن هذه الاشتباكات ومنع الصحافيين من دخول المنطقة، فإن المسؤولين في أمهرة يتهمون قوات تيغراي بشّن "غزو"، لكن متمردي تيغراي ينفون ذلك. ولفتت الشبكة، بحسب معلوماتها، إلى أنه مع اندلاع القتال الأخير، يبدو أن قوات تيغراي فعلاً قد حقّقت بعض التقدم في المناطق المتنازع عليها. وبحسب تحذير الأمم المتحدة السابق، فإن "عملية للإنقاذ أصبحت ضرورة"، متحدثة عن "عائلات تختبئ في العراء قرب منطقتي كوبو وسيكوتا في أمهرة".

في غضون ذلك، لا تقتصر أزمة المنطقة على الحرب والنزاعات الدموية، بل يطلّ شبح المجاعة برأسه في تيغراي، ما يعود سببه في المقام الأول إلى الجفاف. وبحسب تقرير لوكالة أسوشييتد برس، في 11 مارس الماضي، فإن آثار الحرب لا تزال ظاهرة في منطقة تيغراي، ويفاقهما الجفاف وسوء إدارة المساعدات الإنسانية، والتي دفعت الأمم المتحدة والولايات المتحدة إلى تعليقها مؤقتاً العام الماضي. وبحسب تقرير لمحقق حكومي مكلف من حكومة أديس أبابا، فقد توفي 400 شخص في أمهرة وتيغراي خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي من الجوع.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة لوموند الفرنسية في 11 مارس الماضي، فقد أصبح الجوع في إقليم تيغراي الإثيوبي "معركة سياسية"، متحدثة عن أن آخر هطول للأمطار في المنطقة سجّل في خريف عام 2022، عندما كانت آخر المعارك تدور بين المتمردين والجيش قبل وقف النار. وفي فبراير/ شباط الماضي، تحدّث تقرير آخر لوكالة أسوشييتد برس عن قيام القوات الإريترية بقتل المزارعين وسرقة مواشيهم في المناطق الحدودية مع تيغراي، وذلك بحسب مذكرة لـ"التجمع الصحي الإثيوبي"، وهو هيئة إدارية حكومية، لكن وزارة الإعلام الإثيوبية نفت ذلك. وبحسب التقرير، فإن عشرات الوفيات سجّلت أيضاً في منطقتي شيمبلينا وأديميتي، في تيغراي، بسبب الجفاف، من دون توضيح تاريخها.

ويتعلّق الأمر في تيغراي خصوصاً بضعف تطبيق وقف إطلاق النار وبنوده، بحسب جبهة تحرير تيغراي، التي دعت مراراً المجتمع الدولي، لدعم تطبيق اتفاق بريتوريا. لكن انشغال القوات الحكومية بعد الاتفاق كان منصباً على محاربة قوات في أمهرة، وقفت معها في حربها ضد تيغراي، بينما في صلب الأزمة، لا تزال مشكلات عالقة، مثل المناطق المتنازع عليها، ونزع السلاح من أيدي المليشيات، ومصير مئات آلاف النازحين.

(العربي الجديد، فرانس برس)