نحو حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك

نحو حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك

21 مايو 2024
تظاهرة ضد هيئة تحرير الشام في بنش، الجمعة (معاوية الأطرش/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في شمال غربي سورية، نشأ حراك شعبي مناهض لهيئة تحرير الشام، يطالب بإسقاط قائدها، حل جهاز الأمن العام، وتشكيل مجلس شورى يمثل السكان، بالإضافة إلى إطلاق سراح معتقلي الرأي، في ظل استياء من سياسات الهيئة الاقتصادية والأمنية.
- الحراك واجه استخدام العنف من قبل الهيئة، لكنه تمكن من دفعها لسحب المظاهر المسلحة من الشوارع، مما يشير إلى استجابة محتملة لمطالبه، على الرغم من التشكيك في جدية الهيئة وتوقعات بأن النتائج قد لا تلبي طموحات المتظاهرين.
- الوضع معقد بوجود تيارات مختلفة ضمن الحراك، بعضها يدعم الحوار لتجنب الصدام، بينما يرى آخرون في الفوضى فرصة لإضعاف الهيئة، مما يجعل نجاح الحوار مرهونًا بتقديم مطالب واقعية وإصلاحات سياسية لا تهدد سلطة الجولاني، قائد الهيئة.

شكّل الحراك الشعبي المناهض لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، سلطة الأمر الواقع في شمال غربي سورية، لجنة علاقات وتواصل للبدء في حوار مع هذه السلطة، والتي تواجه منذ فبراير/شباط الماضي تظاهرات من قبل هذا الحراك، والذي فشلت في تطويقه والالتفاف عليه رغم استخدامها العنف ضده أكثر من مرة. وبالتوازي مع ظهور مؤشرات حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك الشعبي، ورغم عدم صدور موقف من الهيئة، ذكرت مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام سحبت كل المظاهر المسلحة من الشوارع ومداخل المدن"، في ما يبدو "أنها استجابت لمطالب الجلوس مع ممثلين عن الحراك الشعبي، والتباحث حول السبل التي تجنّب الشمال الغربي المواجهة المفتوحة بين المتظاهرين والهيئة". وأشارت المصادر نفسها إلى أنه "تم تعليق التظاهر في الوقت الحالي انتظاراً لنتائج الحوار مع الهيئة من قبل اللجنة". 

وفي ظل الحديث عن حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك أوضح الناشط في الحراك الشعبي رامي عبد الحق، في حديث مع "العربي الجديد"، أن اللجنة المذكورة لبدء الحوار "منبثقة عن مجلس إدارة الحراك المنتخب ويضم أعضاء من تجمع الكرامة ورابطة أهل العلم ومن التنسيقيات. وأضاف أن هذه الجهات كلها فاعلة في الحراك".

حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك

لكن الناشط المدني محمد عساف، قال في حديث مع "العربي الجديد"، إن المجلس "ليس كل الحراك الشعبي". وأشار إلى أن الحراك "لن يتنازل عن مطالبه"، والتي "تبدأ بإسقاط الجولاني (قائد هيئة تحرير الشام)، وحل جهاز الأمن العام (التابع للهيئة) وتشكيل مجلس شورى حقيقي يمثل سكان الشمال الغربي من سورية، وتبييض السجون من معتقلي الرأي". وشدّد على أن الحراك الشعبي في محافظة إدلب "مدني ولا علاقة لأي تنظيم عسكري به لا من قريب ولا من بعيد"، مضيفاً أن "حزب التحرير (تنظيم متطرف) لا يخرج أساساً في تظاهرات تحت علم الثورة السورية". 

من جانبه، أوضح دلامة علي، وهو أحد القائمين على مبادرة الحوار في تسجيل صوتي وُزع على الناشطين الإعلاميين في شمال غربي سورية، أخيراً، أن الحوار مع الهيئة "سيكون من دون شروط مسبقة"، مشيراً إلى أنه "جرى الضغط على الهيئة لسحب كل المظاهر المسلحة وعدم اعتقال أي شخص لأسباب سياسية"، مضيفا: غالبية الناس في شمال غربي سورية لا تريد الفوضى وتدفع باتجاه الحوار.

ويبدو أن هذه "الهيئة" اختارت التراجع عن الخيار العسكري في وأد الحراك ضدها لأنها تدرك أنه ستكون له تبعات سلبية عليها في منطقة تعاني من الأزمات المعيشية، في ظل فوضى السلاح وانتشار تنظيمات أكثر تطرفاً. وكادت الأوضاع أن تنزلق إلى مواجهة مفتوحة، الجمعة الماضي، قبل مؤشرات التوجّه نحو حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك الشعبي، عندما حاول الجهاز الأمني التابع لـ"الهيئة" فض التظاهرات بالقوة، وخصوصاً في مدينة جسر الشغور وبلدة بنش.

ويُعتبر الحديث عن حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك الشعبي، محطة من الحراك الذي بدأ أواخر فبراير الماضي، على خلفية تجاوزات الذراع الأمنية للهيئة بحق السكان، والتي وصلت إلى حد القتل تحت التعذيب في السجون. كما أن الاستياء العام من تفرد "الهيئة" بالقرار وسياسة احتكار كل شيء، وخصوصاً في الجانب الاقتصادي في محافظة إدلب، كان رافداً رئيسياً لهذا الحراك المشتعل في منطقة تعج بالنازحين وسط ندرة فرص العمل وانعدام الآمال بحل سياسي للقضية السورية. وتصر الهيئة على أنها استجابت لمطالب الحراك من خلال ربط الجهاز الأمني بوزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ"، ذراعها الإدارية، والشروع في مباحثات لتشكيل مجلس شورى ومجالس محلية، وإطلاق عدد من المعتقلين في سجونها المنتشرة في عموم الشمال الغربي من البلاد. 

الخيار الأنسب

لكن بمقابل الحديث عن حوار بين هيئة تحرير الشام وجزء من الحراك ضدها، فإن القائمين على الحراك يرون أن هذه الخطوات غير جدية وأنها محاولة مكشوفة للالتفاف والمناورة السياسية لتهدئة الشارع المنتفض الذي لا يزال يصر على إبعاد الجولاني عن السلطة، وهو ما يرفضه الأخير الذي حذّر أكثر من مرة المتظاهرين من تجاوز ما سماها بـ"الخطوط الحمراء" في إشارة واضحة إلى استعداده للجوء إلى الحلين الأمني والعسكري في حال إصرار الحراك على مسألة تحييده عن السلطة. 

محمد سالم: هيئة تحرير الشام ستحاول فرض أجنداتها باعتبارها الطرف الأقوى

وبرأي مدير الدراسات في مركز أبعاد، محمد سالم، فإن هناك فرصة لنجاح هذا الحوار، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هيئة تحرير الشام ستحاول فرض أجنداتها باعتبارها الطرف الأقوى". وقال: "يبدو أن هذا الحوار الخيار الأنسب لمنع الانزلاق إلى ما لا تحمد عقباه من اقتتال داخلي ومشاكل، الداخل السوري حالياً في غنى عنها وغالباً لن تؤدي إلى نتائج جيدة على اعتبار أن الهيئة ما تزال الطرف الأقوى ولا يوجد طرف عسكري قادر على إزاحتها". وأشار إلى أن "نتائج الحوار ستكون متواضعة بالنسبة لمطالب المتظاهرين"، مضيفً أنه "رغم حدودها الدنيا ستكون أقل سوءاً من الاستمرار في التصعيد الذي سيؤدي إلى صدام ذي عواقب وخيمة".

وفي الأثناء أوضح أحد الباحثين المقيمين في شمال سورية، والذي فضّل عدم ذكر اسمه، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الحراك الشعبي في شمال غربي سورية "ليس جهة واحدة"، مضيفاً أنه "تيارات مختلفة غير قادرة على الاتفاق على مطالب واحدة وواضحة وواقعية يمكن تنفيذها على أرض الواقع". وأشار إلى وجود "تيار يؤيد الدخول في مفاوضات منعاً لحدوث الصدام وهو تيار النشطاء الذين أشعلوا الحراك، والذين أعلنوا أساساً أنهم يريدون الإصلاح في المؤسسات التي تحكم المنطقة لا خلق الفوضى".

باحث سوري: الجولاني يستفيد من تعدد التيارات المناهضة له

وأضاف أن "التيار الثاني وفي مقدمته حزب التحرير والمتشددون من بقايا التنظيمات المتطرفة، وحتى من المتشددين المنشقين عن الهيئة لأسباب مختلفة خلال السنوات الفائتة، يرون في الحراك فرصة لإضعاف القبضة الأمنية التي أرهقتهم خلال السنتين الماضيتين". وأوضح أن هذا التيار يدفع "بشكل غير معلن لرفض الحوار بين الحراك وهيئة تحرير الشام لأن التنظيمات الأكثر تطرفاً تنتعش خلال الفوضى"، مضيفاً أنهم "كانوا ينتظرون مقتل أول متظاهر الجمعة الماضي من أجل عسكرة الحراك، ومن ثم دخول المنطقة في نفق مظلم آخر".

وأشار الباحث إلى أن "الفصائل غير المتطرفة والمحسوبة على المعارضة السورية سواء القائمة أو المنحلة لديها تخوف من الفوضى التي ترى أنها ستكون أول ضحاياها، إذ سيعمل الجولاني على ضربها أولا خوفاً من تحولها إلى قوة عسكرية داعمة للحراك في مراحل متقدمة، ولذلك لا تستطيع إلا أن تدفع لعدم الصدام". ورأى أن الجولاني "يستفيد من تعدد التيارات المناهضة له، والتي لا يملك القائمون عليها الخبرة السياسية الكافية لمواجهته"، مضيفاً أن الجولاني "يعمل على ضرب هذه التيارات بعضها ببعض للخروج من أزمته.

وحول إمكانية نجاح الحوار في حال انعقاده، قال الباحث إنه "ربما ينجح في حال حمل المتحاورون من الحراك مطالب واقعية، من قبيل تحقيق إصلاحات سياسية لا تؤثر على الهيئة والجولاني". وأضاف: "نحن أمام مشهد مشابه لمشهد المعارضة السورية مع النظام السوري الذي يصر هو الآخر على عدم المساس ببشار الأسد وبقائه في السلطة في أي حل سياسي للقضية السورية".