ميثاق السودان.. هل يُطفئ نار الحرب؟

11 مايو 2024
اشتغال النيران في منطقة بالفاشر إثر قصفها من قوات الدعم السريع، 1 سبتمبر 2023 (فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أكثر من 40 حزبًا وتيارًا سياسيًا ومنظمات مجتمع مدني في السودان وقعوا على "ميثاق السودان لإدارة الفترة الانتقالية التأسيسية وإنهاء الحرب"، بهدف تحقيق السلام وضمان تحول ديمقراطي.
- الميثاق يؤكد على إصلاح القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، ودمج القوات الأخرى لبناء جيش وطني مهني، وينادي بضرورة الاتفاق على أسس المشروع الوطني لتشكيل أساس الدستور ودولة المواطنة.
- الآراء حول فعالية الميثاق متباينة، بينما يراه البعض استمرارًا لمسرحية قديمة، يعتبره آخرون خطوة نحو السلام والتحول الديمقراطي، مع التأكيد على جدواه وقابليته للتطبيق من قبل المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير.

بتوقيعها على ميثاق جديد، تحاول قوى سياسية سودانية، البحث عن مخرج من أزمة الحرب السودانية، وذلك بعد انسداد أفق الحلول الأخرى. وكان أكثر من 40 حزباً وتياراً سياسياً ومنظمات مجتمع مدني منضوية تحت لواء تحالف قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، قد وقّعوا، الأربعاء الماضي، على ميثاق باسم "ميثاق السودان لإدارة الفترة الانتقالية التأسيسية وإنهاء الحرب" وذلك بعد مؤتمر للتحالف استضافته القاهرة في الأيام الماضية.

ونصّ ميثاق السودان لإدارة الفترة الانتقالية التأسيسية وإنهاء الحرب، على "الاحترام الكامل لسيادة  السودان ووحدته وسلامة أراضيه، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية"، كما أكد "ضرورة إنهاء الحرب ومعالجة انعكاساتها وآثارها، وتحقيق السلام"، وكذلك على "العمل على تحقيق تحوّل ديمقراطي وتأسيس نظام حكم يكفل لجميع مواطني السودان تحقيق تطلعاتهم في إطار دولة سودانية موحدة".

ومن أبرز الأحزاب الموقّعة على ميثاق السودان، حركة العدل والمساواة، بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم، وحركة تحرير السودان، بقيادة حاكم دارفور مني أركو مناوي، و"الجبهة الوطنية" برئاسة الزعيم القبلي محمد الأمين ترك، والحزب الاتحادي الديمقراطي، فصيل جعفر الميرغني، وحزب الأمة، فصيل مبارك الفاضل، وقوى الحراك الوطني، وحركة الإصلاح الوطني.

وكانت غالب تلك القوى الموقعة على ميثاق السودان، قد أيّدت انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، الذي نفذه قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وأطاح حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وتحالف الحرية والتغيير. وتعد هذه القوى حالياً من أوسع الجبهات الداعمة للجيش في حربه ضد قوات الدعم السريع، وبعض من قيادات تلك الأحزاب لا يزال يحتفظ بمنصبه في الحكومة.

وينص ميثاق السودان التأسيسي للمرحلة الانتقالية، على "أهمية إصلاح وتطوير وتحديث القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ودمج جميع القوات الأخرى لبناء جيش وطني قومي مهني واحد، أساسه القوات المسلحة، بعقيدة عسكرية موحدة، ويعكس التنوع في البلاد"، وهي المرة الأولى التي تقرّ فيها الكتلة فكرة الجيش الواحد حيث ظلت تتحاشى ذلك حينما لم تكن بعيدة قبل سنوات عن قوات الدعم السريع، المعنية أكثر من غيرها بالاندماج في الجيش.

وشدد ميثاق السودان في بنود أخرى، على "أهمية توافق القوى السياسية حول عملية إصلاح شامل للدولة والمجتمع من خلال حوار سوداني سوداني لا يستثني أحداً، إلا من ثبت فساده أو ارتكب جرماً في حق الوطن"، وهنا يختلف البند عن دعوات سابقة باستثناء حزب المؤتمر الوطني، حزب نظام الرئيس المعزول عمر البشير عن أي عملية حوار، ليكون الاستثناء هنا فقط لمن ارتكب جريمة أو ثبت فساده.

ونادى ميثاق السودان بـ"ضرورة الاتفاق على أسس وركائز المشروع الوطني الذي يشكّل أساس الدستور ودولة المواطنة". ودعا إلى "التوافق على ميثاق شرف وطني يتضمن الثوابت الوطنية السودانية"، مؤكداً "الالتزام بالحكم المدني الديمقراطي والشفافية والمساءلة والمحاسبة".

ودعا قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، في بيانه الختامي، إلى تنفيذ إعلان جدة الخاصّ بخروج قوات الدعم السريع من منازل المواطنين والأعيان المدنية أساساً لتهيئة الظروف لتقديم المساعدات الإنسانية. ودان انتهاكات ما سماها "مليشيات الدعم السريع المتمردة"، لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، والقتل والنهب، والاغتصاب، واحتلال منازل المواطنين والمرافق الحيوية في الدولة.

كما دان المؤتمر حصار "الدعم السريع" لمدينة الفاشر، غربي البلاد، "بهدف قطع إمدادات الغذاء والدواء عن المواطنين ليموتوا جوعاً"، وتعهد بدعم القوات المسلحة والقوات المشتركة ومؤازرتها و"هي تقود معركة الكرامة ذوداً عن حياض الوطن"، وفق البيان.

ميثاق السودان.. نقطة انطلاقة؟

وتباينت الآراء والمواقف من ميثاق السودان إذ رآه البعض استمراراً لـ"مسرحية قديمة" شاركت فيها القوى ذاتها في إعاقة عملية التحوّل الديمقراطي التي أعقبت سقوط نظام البشير، في حين عدّه آخرون جزءاً من توجهات مصرية وترتيبات ترغب فيها القاهرة في السيطرة على المشهد، بينما وصفه آخرون بأنه تطور وشجاعة من الكتلة لطرح رؤى متقدمة.

ويراهن المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية، محيي الدين جمعة، على جدوى وفعالية ميثاق السودان الذي وُقع الأربعاء الفائت، لجهة كونه ضم أكثر 48 تنظيماً سياسياً وحركات كفاح مسلح، ومنظمات المجتمع المدني وتنظيمات شبابية، كلها توافقت على مبادئ وأهداف في الميثاق الذي غرضه الأساس هو توحيد الصف الوطني المطلوب بإلحاح.

ويضيف جمعة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "الكتلة الديمقراطية سعت في فترات سابقة لتوحيد كل القوى المدنية التي تدعم مؤسسات الدولة بما فيها القوات المسلحة"، مشيراً إلى أنّ ما جرى بالقاهرة هو "تتويج لتلك المساعي". ووصف التوقيع في حدّ ذاته بأنه "خطوة متقدمة وأولى الخطوات لوحدة كل القوى الداعمة للقوات المسلحة بوصفها مؤسسة وطنية، وتدعم أيضاً إنهاء الحرب وتحقيق السلام العادل الذي يرضي الشعب كله ويرضي من انتهكت حقوقهم سواء في الجزيرة أو كردفان".

وأكد أنّ ميثاق السودان "سيكون نقطة انطلاق للتواصل مع كل القوى السياسية وهناك آليات سوف تتشكل للمواصلة في تقديم الميثاق للشعب السوداني في كل المنابر"، مضيفاً أنّ الميثاق قابل للتطبيق؛ "لأنه ركّز على المطلوبات الأساسية للشعب ويبني على ما تم التوصل إليه في إتفاق جدة بين الجيش ومليشيا الدعم السريع".

جمعة: ميثاق السودان قابل للتطبيق وسيكون نقطة انطلاق للتواصل مع كل القوى السياسية

وشدد جمعة على الالتزام بما تم التوقيع عليه في الاتفاق، داعياً قوات الدعم السريع إلى "الكفّ عن الهجوم على المواطنين والتعهد بما اتفق عليه، والعودة مجدداً إلى طاولة التفاوض للوصول إلى مرحلة وقف العدائيات والدخول إلى فصل توصيل المساعدات الإنسانية، وبعد ذلك يمكن تطوير المنبر إلى منبر سياسي يناقش الترتيبات العسكرية لإنهاء المليشيات وصولاً إلى جيش واحد، والبدء بعملية سياسية جديدة توصل الجميع إلى انتخابات حرة ونزيهة".

وحول مدى الاستعداد للجلوس مع تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية برئاسة رئيس الوزراء السابق، عبد الله حمدوك، استبعد جمعة ذلك، بحجة أنّ "التنسيقية لديها تحالف وإعلان مشترك مع قوات الدعم السريع وتقوم بالتغطية الإعلامية والسياسية على جرائمها، لذا نرفض أي نقاش معها ما لم تتراجع عن الاتفاق الموقع بينها وبين الدعم السريع، وأن تعلن موقفاً واضحاً يدين انتهاكات المليشيا ويدعم المؤسسات الوطنية"، وفق قوله.

"عودة إلى ما قبل الانقلاب"

بيد أنّ المتحدث الرسمي باسم قوى الحرية والتغيير، شهاب إبراهيم، اعتبر أنّ "نتائج مؤتمر الكتلة الديمقراطية لم تخرج بجديد، بل على العكس تحدثت في أكثر من بند في الميثاق الذي وقعته، عن رغبتها في تشكيل هياكل السلطة في مستواها السيادي بشراكة مع العسكريين"، وهو ما اعتبره، "عودة إلى ما قبل الانقلاب"، مشيراً إلى أنّ الكتلة تحدّثت كذلك عن الإصلاح الأمني والعسكري بالصيغ نفسها التي نوقشت في الورش الخاصة بـالاتفاق الإطاري، وتطرقوا إلى كل التفاصيل التي تعيد الوضع إلى ما قبل الانقلاب.

ورأى إبراهيم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنّ "العودة إلى تلك الفترة غير سليم لأن واقع الانقلاب، وواقع ما بعد الحرب مختلف، ويتطلب التعاطي معه بصيغة سياسية مختلفة عن الاتفاق الإطاري الذي رفضته الكتلة الديمقراطية ساعة التوقيع عليه قبل عام ونصف، ومن الغرابة أن يبحثوا عنه الآن"، وفق قوله.

وأكد أنّ "الأزمة الراهنة أكثر تعقيداً، ولا يمكن تجاوزها بحلول سهلة كما جاء في ميثاق الكتلة الديمقراطية"، مضيفاً أنّ "تصميم أي عملية سياسية جديدة يجب أن يبنى في الأساس على قضية الأطراف قبل التطرّق إلى القضايا الأخرى؛ لأنّ قضية الأطراف أصبحت مهمة جداً ويجب عدم التغافل عنها بأي شكلٍ من الأشكال".

إبراهيم: نتائج مؤتمر الكتلة الديمقراطية لم تخرج بجديد، بل شكّلت عودة لما قبل الانقلاب

أما المحلل السياسي صلاح الدين الدومة، فيعتقد أنّ مؤتمر الكتلة الديمقراطية وما خرج به من ميثاق، "ما هو إلا امتداد لمخططات النظام القديم للعودة إلى السلطة بلباس جديد من دون جلده القديم"، معتبراً أنّ "النظام الذي لفظه الشعب وخرج من الباب يريد العودة من الشباك، وما جرى في المؤتمر واحد من السيناريوهات المعادة التي لن تنطلي على الشعب وعلى المحللين وأي مراقب للشأن الوطني".

وأضاف الدومة، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أنّ التوقيع على ميثاق السودان "خُطط له بأن يكون متزامناً مع انتصارات متوقعة للجيش السوداني في عدد من المحاور، على أن تبقى الكتلة الديمقراطية على أهبّة الاستعداد لتلعب دورها المرسوم باعتبارها حاضنة سياسية لكل ذلك العمل، لكن كل شيء فشل وتساقط".

وأضاف أنّ "مصر صاحبة القدح المعلى في كل ما حلّ بالسودانيين من مصائب، وهى الآن جزء أساسي من مخطط الكتلة الديمقراطية حتى تجد ممثلين لها في أي سلطة قادمة، وإن لم يحدث ذلك فلا سلام تريده مصر في السودان"، مقللاً من الوزن السياسي للكتلة الديمقراطية ومن ميثاقها الذي قال إنه "مثير للضحك، لأنه يقصد مجاراة تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، ولا سيما أنّ تكرار التجربة مرتين بالنتائج نفسها من أكبر الأخطاء".

المساهمون