مفاوضات جوبا السودانية.. أبرز نقاط الخلاف وفرص النجاح رغم استعار الحرب

17 مايو 2024
مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان من علٍ / 13 مارس 2024 (Getty)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تجري مفاوضات جوبا بوساطة حكومة جنوب السودان بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان "فصيل الحلو" لإيصال المساعدات الإنسانية لجنوب كردفان والنيل الأزرق، مع أمل في مناقشة الترتيبات الأمنية والسياسية لاحقًا.
- الحركة الشعبية تطالب بحكم ذاتي، قسمة عادلة للسلطة والثروة، وإنشاء دستور يفصل الدين عن الدولة، رافضة اتفاق سلام 2020 لعدم تضمين علمانية الدولة.
- القوى السياسية السودانية تتابع المفاوضات بترحيب وتحفظ، مع تأكيد على أهمية الحل السياسي وتحذيرات من تصاعد العنف وكارثة إنسانية محتملة، خاصة في مدينة الفاشر.

تتسابق الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان "فصيل عبد العزيز الحلو"، عبر مفاوضات جوبا بجنوب السودان، إلى كسب نقاط سياسية وعسكرية في خضم حرب مستعرة لأكثر من عام بين الجيش وقوات الدعم السريع. 

وانطلقت مفاوضات جوبا المباشرة، بين وفد حكومي يرأسه الفريق أول شمس الدين الكباشي، عضو مجلس السيادة ونائب قائد الجيش السوداني، ووفد من الحركة الشعبية لتحرير السودان "فصيل عبد العزيز الحلو"، لبحث إمكانية التوقيع على اتفاق لإيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين في ولايتي جنوب كردفان وإقليم النيل الأزرق، كما تأمل مفاوضات جوبا التي تتوسط فيها حكومة جنوب السودان في الانتقال، حال التوقيع على الاتفاق، إلى مرحلة أخرى من المفاوضات تتعلق بالترتيبات الأمنية والسياسية، وإن بدا ذلك صعباً، على الأقل في الوقت الراهن وسط الوضع السوداني بتعقيداته وتشعباته. والحركة الشعبية لتحرير السودان شمال هي واحدة من أقوى المجموعات المتمردة في البلاد، دشنت قتالها ضد الخرطوم، منذ عام 2012، منطلقة من جنوب كردفان والنيل الأزرق، وذلك للمطالبة بحكم ذاتي في المنطقتين وقسمة عادلة في تقسيم السلطة والثروة، وسن دستور دائم وقوانين ذات صبغة علمانية تفصل الدين عن الدولة. 

وتسيطر الحركة الشعبية، منذ سنوات، على مناطق واسعة في المنطقتين، خصوصاً في جنوب كردفان معقلها الرئيس، ودخلت في هدنة مع الحكومة منذ آواخر عهد الرئيس المعزول عمر البشير، واستمرت تلك الهدنة، بعد سقوط النظام وتشكيل الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، لكنها رفضت في عام 2020 التوقيع مع الحكومة الانتقالية على اتفاق سلام، وذلك على عكس ما فعلت مجموعات متمردة أخرى، وأصرّت على تضمين علمانية الدولة ضمن بنود الاتفاق.

وعقب اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخامس عشر من إبريل/ نيسان من العام الماضي، نأت الحركة الشعبية بنفسها عن الحرب، واتخذت موقفاً محايداً ومطالباً بوقف القتال ومعالجة جذور الأزمة التاريخية، لكنها حاولت في ذات الوقت، انتهاز انشغال الجيش بقتال الدعم السريع فتوسعت في مناطق سيطرته، غير أن جنودها وجدوا أنفسهم في لحظة فارقة، مدفوعين للقتال مع الجيش جنباً لجنب، حينما حاولت قوات الدعم السريع السيطرة على مدن في ولاية جنوب كردفان، وذلك خشية من تكرار تجربة سيطرة "الدعم السريع" على مناطق بشمال وغرب كردفان وإقليم دارفور والخرطوم والجزيرة. 

وفي مطلع شهر مايو/ أيار الجاري، ذهب نائب رئيس مجلس السيادة، الفريق أول شمس الدين الكباشي، إلى عاصمة جنوب السودان جوبا، في زيارة ظاهرها التباحث مع المسؤولين في جنوب السودان، وسرعان ما تكشف باطنها بلقاء مفاجئ جمعه برئيس الحركة الشعبية شمال، عبد العزيز آدم الحلو، وخلال اللقاء، اتفق الطرفان على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة كل طرف، مع التطرق لمناقشة الأزمة السودانية ككل، وتبادل الطرفان الرؤى حول الحلول، للملف الانساني وإيصال المساعدات والحل السياسي، وفي النهاية اتفق الكباشي والحلو على عقد اجتماع خلال أسبوع، لوفد من حكومة السودان ووفد من الحركة الشعبية شمال، للتوقيع على وثيقة خاصة بالعمليات الإنسانية في المنطقتين. 

لا يعلق كثيرون آمالاً عريضة على مفاوضات جوبا، لأنها ليست مدفوعة، حسب تقديرهم، بقناعات حقيقية لتحقيق السلام، إنما تقوم على أساس من المناورة، وكسب الوقت، ويريد منها الجيش السوداني، من جهته، التفرغ الكامل لمعركته مع قوات الدعم السريع دون الانشغال بمعارك في جبهات أخرى، لا سيما فصيل عبد العزيز الحلو، والذي يسعى لتحييده قدر الإمكان، فيما يخطط الحلو بالمقابل لاستغلال، فيما يبدو، حالة ضعف الحكومة المركزية وانشغالاتها للحصول على أكبر المكاسب.

وبدا ذلك واضحاً من خلال خطاب رئيس وفدها وسكرتيرها العام، عمار آمون دلدوم، في جلسة مفاوضات جوبا الافتتاحية، أمس الخميس، والمعنية بالتوقيع على وثيقة لوقف العداءات بما يسمح بتمرير المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب في ولايات جنوب كردفان، النيل الأزرق، وغرب كردفان، حيث أعاد سرد أسباب الحروب التاريخية الممتدة في السودان منذ الاستقلال وحتى الآن، مشيراً إلى أن واحد من أسباب عدم توقف الحرب طوال تلك الفترة الزمنية الطويلة، هو عدم احترام وعدم تنفيذ كل الاتفاقيات التي تم التوصل إليها في فترات سابقة، ولعمل كل حكومات المركز المتعاقبة في الخرطوم، على تجزئة الحلول لنفس المشكلة. وأكد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان حذرت مراراً بأن تجزئة الحلول لا تحقق سلاماً شاملاً وعادلاً ومستداماً. 

وذكر آموم أن كل الشعوب السودانية في كردفان والجزيرة والنيل الأزرق والخرطوم يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة تنقذ حياتهم وتصون كرامتهم الإنسانية من خطر الانتهاك، واستطرد بقوله: "هل نحن هنا اليوم أيضاً أمام خيار آخر للتوقيع على وثيقة تفضي إلى تمرير مساعدات إنسانية إلى متضرري الحرب في مناطق وأقاليم وولايات بعينها فقط، والشعب السوداني في مناطق أقاليم وولايات أخرى في أشد الحاجة لمساعدات إنسانية كالغذاء والأدوية المنقذة للحياة"، مبيناً أنهم ثابتون في موقفهم وهو التوصل إلى اتفاق يسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية للمحتاجين في كل المناطق، بما فيها ولايات دارفور، ومناطق الجزيرة، والخرطوم، وكردفان دون تمييز.

هكذا تتابع القوى السياسية السودانية مفاوضات جوبا

استقبلت القوى السياسية مفاوضات جوبا الحالية، بترحيب وتحفظ. ويقول القيادي بقوى الحرية والتغيير، محمد عبد الحكم، إن خطوات حل أزمات البلاد سياسياً عبر طاولات التفاوض أمر إيجابي للغاية، تدعمه قوى الحرية والتغيير بقوة، وتأمل في أن يتوصل الحوار بين القوات المسلحة السودانية وحركة تحرير السودان "فصيل الحلو" إلى مخرجات إيجابية في ما يتعلق بوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات للسودانيين المكتوين بنيران الحرب والحصار، مشيراً إلى أن السودانيين هم أحوج ما يكونون إلى العون والغوث في هذه الأوقات الحرجة من تاريخ السودان مع تفاقم الأزمة الإنسانية وتصاعد الوفيات بالجوع ونقص الدواء والغذاء ومعينات الحياة.

وأضاف عبد الحكم لـ"العربي الجديد" أن قوى الحرية والتغيير تساند وتدعم كل ما من شأنه وقف إطلاق النار وتوفير سبل الحياة الكريمة، في كل بقاع السودان، لا سيما المواطنين السودانيين الذين عانوا كثيراً ما قبل حرب 15 إبريل/ نيسان 2023 في جنوب كردفان، علاوة على ولايات أخرى ظلت تعاني الأمرين لتطاول أمد الحرب داخلها. 

أما الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، كمال عمر، فيقول من جانبه إن مفاوضات جوبا معنية أكثر بالاتفاق حول تسهيل وصول المساعدات الإنسانية، والفرصة بعد ذلك متاحة لتطوير الاتفاق إلى اتفاق سياسي، وهي بتقديره، خطوات جيدة، نظراً لأن الحركة الشعبية "فصيل الحلو"، هي حركة مسلحة لديها تاريخ نضالي وعندها مطالبات سياسية تعدت المطالب الإقليمية والجهوية، لمطالبات تشمل كل السودان، مثل ما كانت عليه الحركات المتمردة في الجنوب قبل انفصاله عام 2012، حيث بدأت أجندتها بالمناداة بالنظام الفيدرالي وتطورت بعد نكوص ساسة الشمال عن تعهداتهم، للمناداة بتقرير المصير والانفصال والاستقلال. 

تقارير عربية
التحديثات الحية

وذكر عمر لـ"العربي الجديد" أن حركة الحلو يمكن أن تطالب أيضاً في أي لحظة بفصل جنوب كردفان، إذا لم يتم التعاطي بايجابية مع كل المشكل السوداني، مبيناً أن اشتراطات الحركة بفصل الدين عن الدولة شأن يخص السودان كله ولا يمكن أن يستجيب لها العسكر الحاكمون الآن، لأنه ليس لديهم تفويض شعبي، وهو أمر مع أمور أخرى يجب مناقشتها خلال المؤتمر الدستوري، بحيث لا يمكن أن يقرر فيه أي فصيل واحد. وشدد على أهمية نجاح المفاوضات الإنسانية والوصول لاتفاق سياسي للمرحلة الانتقالية يؤدي لاستقرار ووقف الحرب في كل الجبهات.

أما المحلل السياسي، الجميل الفاضل، فيرى أن مفاوضات جوبا الرسمية المباشرة بين وفدي الجيش والحركة الشعبية التي من المقرر أن تنطلق اليوم الجمعة، يبدو أنھا ستبدأ من نقطتين متباعدتين نوعاً ما، فالحركة تسعى لإبرام اتفاق يفتح الباب لوصول المساعدات الإنسانية إلى المتضررين من الحرب بكافة أنحاء البلاد، بما فيھا المناطق الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بعكس ما صوره الإعلام الموالي للجيش بعد لقاء الجنرالين كباشي والحلو، وكأن ھناك اتفاقاً بين الطرفين على تسھيل انسياب الإغاثة الإنسانية إلى مناطق سيطرتھا فحسب، فضلاً عن الإيحاء بأن اتفاق الإنسانيات المرتقب ما ھو إلا مؤشر إلى اتفاق ذي أبعاد سياسية وعسكرية على الأرض، أو أنه بمثابة مقدمة لذلك على الأقل.

وأبان الفاضل لـ"العربي الجديد" أن موقف الحركة الشعبية المعلن يتمسك بضرورة الفصل التام بين المسارين الإنساني والسياسي، بل وتشدد الحركة على ضرورة النأي بالأجندة السياسية عن كل ما ھو إنساني، مؤكداً أن طي المسافة بين رؤى الحركة والجيش بحاجة لجھد خارق وكبير من الوسيط الجنوب السوداني، لأن حركة الحلو التي تتبنّى علمانية سافرة من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، وصولھا إلى توافق سياسي مع الجنرالات الذين عادوا بلا مواربة لتبني أيديولوجيا الإسلام السياسي وبصورة صارخة حتى على صعيد العلاقات الخارجية، حسب تقديراته.

وأشار إلى أن ما يعزّز كل ذلك هو خطاب عبد العزيز الحلو بمناسبة ذكرى تأسيس الحركة الشعبية في السادس عشر من مايو/ أيار، بوصفه حرب 15 إبريل/ نيسان 2023 بأنھا حرب الإسلاميين ضد الشعب السوداني، وأنھا تمثل الصراع الأعمق بين السودان القديم والسودان الجديد، مشترطاً لإنھاء الحرب التوصل إلى عقد اجتماعي جديد يؤسس لدستور ديمقراطي علماني، ومستبعداً وجود فرص لنجاح مفاوضات جوبا في ظل تباين تلك المواقف بين الطرفين.

تحذير أممي يحذر من تصاعد العنف في الفاشر

في موازاة ذلك، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، اليوم الجمعة، إنه يشعر "بالفزع" من تصاعد العنف قرب مدينة الفاشر السودانية، مضيفاً أنه أجرى مناقشات هذا الأسبوع مع قائدين من طرفي الصراع، ومحذراً من كارثة إنسانية إذا تمت مهاجمة المدينة، كما حذر القائدين من أن القتال في الفاشر سيكون له "أثر كارثي على المدنيين" وسيؤدي إلى تفاقم الوضع.

المساهمون