مرحلة خطيرة تنتظر المسجد الأقصى: شرعنة التقسيم المكاني والحفريات

مرحلة خطيرة تنتظر المسجد الأقصى: شرعنة التقسيم المكاني والحفريات

15 يونيو 2023
يعمل الاحتلال على بسط السيطرة على أكثر من 70 بالمائة من المسجد الأقصى (الأناضول/فرانس برس)
+ الخط -

يواجه المسجد الأقصى مرحلة خطيرة بفعل أخطار الحفريات المتواصلة، والمشاريع التهويدية المتسارعة التي كان آخرها ما اقترحه عضو الكنيست الإسرائيلي عاميت هليفي من مشروع لتقسيم المسجد وبسط السيطرة على أكثر من 70 بالمائة من مساحته.

ويؤكد الباحث المختص في شؤون المسجد الأقصى، جمال عمرو، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجود خطرين متلازمين يهددان الأقصى على نحو غير مسبوق، ويتمثلان بالحفريات، ومشاريع قوانين تستهدفه.

ويشير الباحث إلى وصول الحفريات في أسفل المسجد الأقصى ومحيط إلى مرحلة متقدمة جداً، مؤكداً أن الاحتلال انتقل في الفترة الحالية إلى الحفرية الـ(58)، وهي الأكثر خطورةً، وتقع بجوار حائط البراق وملاصقة تماماً لما يعرف بالفراغ الفلسطيني العربي اليبوسي الكنعاني الذي عقدت فيه الحكومة الإسرائيلية اجتماعها الأخير قبل أكثر من أسبوعين، وقررت فيه تخصيص ملايين الدولارات لمواصلة الحفريات في ذات المكان، لتتجه جنوباً ونحو الشرق تقريباً تحت المتحف الإسلامي ومصلى النساء ومسطبة أبو بكر الصديق.

وبحسب المختص عمرو، فإن هذه المساحة من الحفريات كبيرة جداً، وهي "مكان حساس وخطير جداً، ويخشى أن يبنى فيها كنيس الخراب الثاني، عندها ستكون كارثة كبرى، لأن تلك المساحة مثل المصلى المرواني تتسع لأكثر من أربعة آلاف مصلٍّ"، وفقاً لقوله.

وحول مشروع هليفي، قال الباحث عمرو إنه يوازي في خطورته تلك الحفريات، ويؤكد أن خطورة هذا المقترح بأنه يُتمّم الهدف النهائي للاحتلال في السيطرة على المسجد الأقصى ومصادرة ما بقي من نفوذ دائرة الأوقاف الإسلامية وإنهاء أي دور تاريخي للأردن فيه.

ووفق عمرو، فإن الخطة المقترحة (المشروع) تسمح للمستوطنين باقتحام الأقصى عبر جميع البوابات وعدم الاكتفاء بباب المغاربة كما هو الحال اليوم. 

وأضاف: "ما يجري على أرض الواقع من اقتحامات يومية وزيادة ساعات الاقتحام، ثم تشكل لوبي في الكنيست لأجل إقامة الهيكل المزعوم والبدء بتقسيمه، يشير إلى ما ينتظر الأقصى من أخطار".

بدوره، كشف الباحث معاذ إغبارية، المختص في شؤون الحفريات أسفل المسجد الأقصى، في تصريحات صحافية قبل أيام، عن نفق جديد يُحفَر أسفل الأقصى، جرى الدخول فيه لمسافة 150 متراً، ويشكل امتداداً لنفق طويل جداً يمتد لمسافة 60 متراً، وهذا النفق الجديد سيستمر من الزاوية الجنوبية الغربية للمسجد الأقصى إلى حائط البراق تحت الزاوية الفخرية، ولا يعرف أين ينتهي بسبب انقطاع الأكسجين، لكنه يبعد 7 أمتار تقريباً عن أساسات الأقصى.

وبحسب الباحث، فإن الاحتلال يسيطر في هذه الحفريات على باطن الأرض، وهي ملاصقة للأقصى، وترتبط بمخطط التقسيم الزماني والمكاني للمسجد، ومن خلالهما يحكم الاحتلال وجمعياته الاستيطانية على ما يجري حالياً من اقتحامات وممارسات المستوطنين في المسجد، وهو ما يفسر اقتراح قانون السيطرة على أكثر من 70 بالمائة من مساحة المسجد.

وتطرق الباحث في شؤون المسجد الأقصى زياد إبحيص في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى مخططات ومشاريع تقسيم الأقصى زمانياً ومكانياً، قائلاً: "من الناحية التطبيقية تبلورت هذه المحاولات في ثلاثة مشاريع حتى الآن"، وهي التقسيم المكاني، والتقسيم الزماني، والتأسيس المعنوي للهيكل المزعوم.

وبحسب قول الباحث، فإن التقسيم الزماني يقوم على الاستفادة من الحضور الكثيف لشرطة الاحتلال على أبواب المسجد وداخله للحد من دخول المسلمين بأوقات محددة وفرض اقتحام المستوطنين، مشيراً إلى أن ذلك قد بدأ قبل 20 عاماً باقتحامات فردية ثم جماعية ثم أوقات محددة للاقتحام وتوسيع مدة الاقتحام، وصولاً إلى فكرة التقاسم المتساوي، بمنع المسلمين من دخول المسجد بأوقات اليهود، لكن هبّات المقدسيين وتصديهم أفشلت ذلك.

أما التقسيم المكاني، فيشير الباحث إلى أن الإفصاح عنه كان قبل 19 عاماً، وذلك بالمسوَّدة النهائية لمخطط القدس الهيكلي 2020، التي زعمت أن المقدس إسلامياً هو الجامع القبلي وقبة الصخرة فقط، فيما اعتبرت بقية مساحة الأقصى "مساحة تاريخية مكتظة بالزوار"، تمهيداً لوضع القدس بتصرف بلدية الاحتلال.

ويتابع: "بحلول 2008، كان واضحاً أن الاحتلال يضع الجهة الجنوبية الغربية من ساحة الأقصى تحت مجهر التقسيم، وهو ما أفشله الرباط المؤسسي ومشروع مصاطب العلم، ثم تركزت الأنظار نحو الجهة الشرقية من الأقصى ما بين 2013-2019، وهو ما كانت هبّة باب الرحمة في 2019 له بالمرصاد"، وفق إبحيص.

وبما يتعلق بالمشروع الثالث، فهو التأسيس المعنوي لما يُسمى "الهيكل"، الذي يمضي في خطين متوازيين: الأول عبر نقل كل الطقوس التوراتية التي تجري في كنس العالم إلى المسجد الأقصى بوصفه مركزاً دينياً يهودياً مزعوماً. أما الثاني، فيتعلق بإحياء ما تزعم التوراة أنها طقوس مختصة بالهيكل، في سعي لاقتحام المسجد عندما تتقاطع اقتحامات الأعياد اليهودية أو القومية الصهيونية مع الأعياد الإسلامية، وهو ما انتهى إلى ملاحم تصدى فيها الفلسطينيون لتلك الاقتحامات.

ويقول إبحيص: "لقد عبّرت الصهيونية الدينية عن رؤيتها المرحلية للإحلال الديني في الأقصى في ثلاثة مشاريع قوانين في الكنيست لم يناقش أو يقر أي منها حتى اللحظة، لكن مشروع قانون التقسيم المكاني للأقصى هذا العام، يجعل المسودة الحالية للمشروع الأول الذي يتناول تقسيمه مكانياً، تضاف إلى ذلك نقاشات متتالية لمسألة إنهاء الدور الأردني في الأقصى، وإنهاء ولاية الأوقاف الإسلامية على المسجد، وتشكيل لوبي مختص بتعزيز الحضور اليهودي فيه على مدى أربع دوراتٍ برلمانية من 2016 وحتى اليوم".

ضرورة مواجهة التقسيم

يؤكد الشيخ عكرمة صبري، رئيس الهيئة الإسلامية العليا في القدس، خطيب المسجد الأقصى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاحتلال استغل بنود اتفاقية أوسلو لتهويد وتغيير الوضع القائم في القدس، فيما عبّر عن أسفه لغياب الدور العربي والإسلامي في مناصرة قضية القدس والمسجد الأقصى المبارك، في ظل أن الاحتلال يسعى للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد، داعياً كل الجهات العربية إلى ضرورة تسخير كل الأوراق العربية من أجل حماية الأقصى.

وطالب بضرورة التحرك على أكثر من مستوى، الرسمي والشعبي والفصائلي، لتفعيل المؤسسات والمنظمات والهيئات الدولية والمعنية لحماية المسجد الأقصى من الأخطار التي يتعرض لها.

المساهمون