غزّة... تظهير لثقافة قطّاع الطرق

غزّة... تظهير لثقافة قطّاع الطرق

17 مايو 2024
تخريب مستوطنين لقافلة مساعدات إلى غزة، عند حاجز في الخليل، الاثنين (إبراهيم حامد/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- تناقض سياسات الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه غزة، حيث يظهر كمنقذ بإيصال المساعدات وفي الوقت ذاته يدعم تدمير المنطقة بإرسال أسلحة بمليارات الدولارات، مما يعكس نفاقاً وازدواجية في المعايير الدولية.
- السخرية بمواثيق الأمم المتحدة من قبل الاحتلال الإسرائيلي والمأزق الأخلاقي في السياسة الخارجية الأمريكية والأوروبية، مع تجاهل متعمد للقيم الإنسانية والأخلاقية.
- الفجوة بين ادعاءات الغرب بالتحضر والواقع المرير في غزة، مع دعم الجرائم ضد الفلسطينيين وتغييب دلالات الفعل الشائن، ما يكشف عن أزمة أخلاقية وقيمية في العالم "المتحضّر".

الثابت على مدار أشهر حرب الإبادة على غزّة ظهور الرئيس الأميركي جو بايدن في حالة انفصام متواصلة، فالرجل سوّق نفسه حريصاً، من ناحية، على "تدفّق" ما يحتاجه أكثر من مليوني إنسان في غزّة للبقاء أحياء، ومن الناحية الأخرى، يرسل أسلحة وذخائر بقيمة مليارات لتدمير غزّة وقتل الفلسطينيين. وفي سياق التفجع الزائف، يكرّر بايدن، ومعه رهط أوروبي، طلب "السماح" بدخول "المساعدات"، فيترك الأمر لأهواء إسرائيل، لا بما يتناسب والمعاهدات والقوانين الدولية. وعلى عكس ضجيج تلك القوانين، إذا ما تعلق الأمر بكياناتٍ أخرى غير الصهيونية، مثل روسيا، يستمر درس النفاق والازدواجية وذرّ الرماد في العيون، من ثوابت الصهيوني بايدن.

فالمشهد الذي يظهر فيه الاحتلال، من إعلامه إلى ساسته ودبلوماسييه، ساخراً ومزدرياً وممزّقاً مواثيق الأمم المتحدة ومعاهداتها، وأمام جمعيتها العامة، وإطلاق نار "معاداة السامية" على من يعترض على الاحتلال، يذكّر الناس بصور بلطجة عصابات عالم الجريمة وتصرّفاتها. ولو أن ذلك صدر عن دبلوماسي فلسطيني أو عربي لكنا أمام تفجع منافق على القوانين الدولية والتنديد بـ"همجية العرب". عمق المأزق الأخلاقي في قيم البيت الأبيض ومعاييره، والسائرين على دربه في أوروبا، تختزله مشاهد رفض شبان يهود غربيين ارتكاب جرائم حرب باسمهم في مقابل موجة إسكات الأصوات الناقدة والداعية إلى مقاطعة الاحتلال وإنهائه، مثل ما يحدُث في جامعات أميركية وأوروبية.

ولعل أكثر المشاهد الفاضحة زيفَ التفجّع الغربي، وفي مقدّمته الأميركي، هو الجاري على تخوم قطاع غزّة المحاصر. أمام قناصل ومراسلين غربيين ومنظمات دولية، تُجرى للشهر السابع على التوالي ترجمة حقيقية لثقافة 76 عاما من النكبة وإرثها، فمقابل محاربة التعبير اللفظي عن رفض وجود إسرائيل، يُسمح، وبحماية جيش الاحتلال وأمنه، بعربدة ثقافة قطّاع الطرق، حيث تُهاجم وتدمر محتويات شاحنات تحمل مواد إغاثة للذين يتفجّع عليهم بايدن، ويقيم "جسراً بحرياً عائماً" من أجلهم، بدل فتح المعابر ورفع الحصار. العالم "المتحضّر" يصاب بمغص أخلاقي وقيمي، إذا ما تعلق الأمر بالإنسان العربي. لكنه أمام مشاهد البلطجة المحمية ببنادق بايدن وإيتمار بن غفير، كل ما يأمله ذاكرة تنسى ذلك الإرث الطالب إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيين، والتأسيس للتجويع سلاحاً لإفراغ شحنات التحريض التاريخي بحقّ شعب لم ينسَ قطّاع الطرق الأوائل، صانعي نكبته.

الأكثر قرفاً في ثقافة التصرّف كضباع على تخوم غزّة، وفي سياق هستيريا جماعية معبّرة عن تربية في كنف صهيونية الكراهية والأبارتهايد، هو مزايدة بعض الغرب المتورّط في التغطية على الجرائم الصهيونية، إلى حدّ تغييب دلالات الفعل الشائن على حدود غزّة، وبرعاية رسمية من "الديمقراطية الوحيدة"، التي تسجن، في المقابل، مواطناً عربياً إن عبّر عن رأيه بكلمة. حتى العربي العادي ما عاد بحاجة لأمثلة قياس ازدواجية وانفصام "قيم ومبادئ" هذا البعض الغربي، فقد أنتج في البحر الأحمر وباب المندب هرولة أميركية - أوروبية لتأسيس تحالف عسكري لمواجهة منع السفن من الوصول إلى دولة الاحتلال. وبقية سياسات العقاب الجماعي معروفة، بينما يظهر جبانا أمام العربدة والجريمة في غلاف غزّة.

مشكلة واشنطن وتوابعها في أوروبا أنهم يعيشون في فقاعة أن علاقتهم بالعالم العربي ثابتة، بينما يؤسّسون لخسائر كبيرة مستقبلية على مستوى تلك العلاقة، التي تمثلها الشعوب، لا الحكومات المتماهية مع نفاقها، والتي انتظرت طويلاً أن "ينتصر" جيش الصهاينة بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت وإيتمار بن غفير على "الأشقّاء" في غزّة.

المساهمون