ذكرى معركة إدلب... من قبضة النظام إلى التحكم الفصائلي

تسع سنوات على معركة إدلب... من قبضة النظام إلى التحكم الفصائلي

31 مارس 2024
من احتجاجات إدلب، 1 مارس (معاوية الأطرش/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في الذكرى التاسعة لسيطرة المعارضة على إدلب (2015)، ارتفعت وتيرة الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام"، مع ظهور قوى جديدة تطالب بالحريات والمشاركة السياسية.
- "تيار سوريا الجديدة" و"الحركة الوطنية السورية" و"مبادرة الكرامة" تقترح إدارة مدنية مستقلة، تطالب بعزل الجولاني وتشكيل حكومة جديدة تحت رقابة مجلس شورى يمثل المجتمع.
- الاحتجاجات تصاعدت بسبب قضية "عملاء التحالف"، مما أدى لضغوط شعبية نجحت في الإفراج عن معتقلين وإغلاق القضية، بينما "حكومة الإنقاذ" حاولت تحسين الوضع بإنشاء "الأمن العام".

تزامنت الذكرى التاسعة لسيطرة فصائل المعارضة على محافظة إدلب في عام 2015 إثر معارك مع قوات النظام السوري، والتي صادفت يوم الجمعة الماضي، مع تصاعد الاحتجاجات الشعبية والفصائلية ضد هيمنة "هيئة تحرير الشام" (النصرة سابقاً) على تلك المناطق، وظهور قوى جديدة تطالب بمزيد من الحريات والمشاركة السياسية.

وشهد يوم الجمعة تظاهرات في مناطق شمالي غرب سورية، بعضها في مدينة إدلب للاحتفال بالذكرى التاسعة لـ"تحرير المدينة" من قوات النظام السوري، وأخرى في بقية المناطق بريفَي إدلب وحلب، طالبت بالتغيير في طريقة إدارة المناطق الخاضعة للمعارضة، ورددت هتافات تنادي برحيل زعيم "هيئة تحرير الشام" أبو محمد الجولاني.

وولّدت هذه الروح الجديدة في مناطق سيطرة "تحرير الشام" زخماً، وساعدت على بروز كيانات سياسية جديدة مثل "تيار سوريا الجديدة"، والذي أُعلن عنه خلال احتفال شعبي بمناسبة الذكرى الـ13 للثورة السورية في مدينة أعزاز شمال حلب. وسبق ذلك ظهور تشكيل آخر هو "الحركة الوطنية السورية".

رؤى عديدة لإدارة مناطق سيطرة المعارضة السورية

وطرحت هذه القوى رؤى مختلفة لكيفية إدارة مناطق تسيطر عليها المعارضة، ترتكز على الإدارة المدنية والمهنية بعيداً عن نفوذ "هيئة تحرير الشام" وفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا.

ولعل من أوضح المبادرات ما سُمي بـ"مبادرة الكرامة"، والتي طرحها عدد من الأكاديميين والنشطاء الثوريين المستقلين، قبل أكثر من أسبوع، مطالبين فيها بعزل الجولاني عن الواجهة السياسية والعسكرية لإدلب، ورفع القبضة الأمنية عن مفاصل المجتمع و"حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة.

كما طالبوا بـ"إسناد مهام حفظ الأمن لوزارة الداخلية ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة، وحلّ مجلس الشورى الحالي وتشكيل مجلس جديد يمثل بشكل فعلي جميع أطياف المجتمع، واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال لحين تشكيل حكومة جديدة بتكليف من مجلس الشورى الجديد، تعمل بكل استقلالية، وتحت رقابته".

وشملت المطالب أن يشكل مجلس الشورى الجديد لجنة مختصة "لإطلاق سراح معتقلي الرأي وأي مظلوم آخر، ومجلس قضاء أعلى مستقلاً من أعضاء يملكون الكفاءات، ومجلساً اقتصادياً ومالياً لتحسين الواقع المعيشي، وإلغاء المعابر الداخلية بين المناطق المحررة، ومراجعة كل الرسوم، وإعادة تفعيل النقابات والمجالس المحلية والمؤسسات المجتمعية وإعادة الاعتبار للمجتمع الثوري، وضمان مشاركة هذه المكونات في دوائر صنع القرار".

واعتبر مطلقو المبادرة أنها تشكّل نقلاً متدرجاً للسلطة، مؤكدين أن التظاهرات لن تتوقف حتى تنفيذ آخر بند فيها.

ضغط الاحتجاجات ضد "تحرير الشام"

وكانت الاحتجاجات ضد قيادة "تحرير الشام" انطلقت إثر ما عُرف بقضية "عملاء التحالف"، والتي بدأت منتصف العام الماضي وتسبّبت في أزمة داخلية في الهيئة، وأخرى شعبية في مواجهتها.

وبدأت القضية عندما أقدمت الجهات الأمنية في الهيئة على اعتقال المئات من عناصرها وقياداتها، خصوصاً من الجناح العسكري، بتهمة العمالة أو التخابر مع التحالف الدولي ضد "داعش" أو مع النظام السوري وروسيا.

واستمرت التحقيقات والاعتقالات أشهراً طويلة وشملت قادة بارزين، من بينهم أحد مؤسسي الهيئة وأبرز قياداتها الملقب بأبي ماريا القحطاني، والذين أُطلق سراحهم بعد ذلك، لعدم ثبوت التهمة عليهم.

وبمجرد الإفراج عنهم، اشتكى هؤلاء من واقع التعذيب والانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون، وهو ما حرّك الشارع ضد الهيئة، وخصوصاً جهاز الأمن العام التابع لها.

وقاد هذا الضغط إلى الإفراج عن معظم المعتقلين على دفعات، ممن لم تثبت عليهم التهمة، وإغلاق قضية "عملاء التحالف"، واعتقال الأمنيين المسؤولين عن التحقيق في القضية، وتشكيل لجنة قضائية لمتابعة القضية وتقدير حالة المتضررين وتعويضهم ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات.

وبرغم ذلك، تواصلت الاحتجاجات والتي بدأ يشارك فيها وجهاء ومرجعيات محسوبة على الهيئة، بغية المطالبة بالإفراج عن بقية المعتقلين ومحاسبة المتورطين من مرتكبي الانتهاكات، وإصلاح منظومة الحكم، وصولاً إلى إنهاء وجود الهيئة، أو تنحّي الجولاني عن قيادتها فقط، فضلاً عن حلّ جهاز الأمن العام.

مع العلم أن "حكومة الإنقاذ"، أعلنت في 20 مارس/آذار، استحداث إدارة باسم "الأمن العام"، تعمل تحت إشراف وزارة الداخلية في هذه الحكومة، مضيفة أن مدير الإدارة الجديدة سيتم تعيينه بقرار من رئيس الحكومة، محمد البشير، بناءً على اقتراح وزير الداخلية، محمد عبد الرحمن، وأن الإدارة المذكورة ستكون "مُلحقة بالنظام الداخلي للوزارة".

ويعكس التباين في سقف الخطاب الذي يبرز في التظاهرات تنوّع الفئات المنخرطة في الاحتجاجات، والتي تتضمن ناشطين في الهيئات والمبادرات المدنية والإعلامية يطالبون بتوسيع الحريات وإبعاد القبضة الأمنية، وأحزاب وجماعات ناشطة في المنطقة ولديها رؤى وتوجهات معادية أو منافسة للهيئة، في مقدمتها حزب التحرير، والذي له دور فاعل في تنظيم التظاهرات، إضافة إلى قوى فصائلية على خلاف مع الجولاني تنشط في مناطق محددة تنتمي إليها جغرافياً أو عشائرياً.

وحول ما آلت إليه أوضاع منطقة إدلب وما حولها اليوم بعد تسع سنوات من حكمها فصائلياً بعيداً عن النظام، والذي تركز بيد "هيئة تحرير الشام" في السنوات الماضية، يقول الناشط السياسي والمدني رامي عبد الحق من مدينة إدلب، وهو أحد المشاركين في التظاهرات ضد الجولاني، لـ"العربي الجديد"، إنه وخلافاً للسنوات الأولى للثورة، حين كانت العاطفة والحماسة الثورية هي السائدة، فإن "غالبية الناس باتت تتمتع اليوم بوعي سياسي عالٍ".

عبد الحق: مقارنة بمناطق سيطرة النظام يبدو مستوى القمع متساوياً

ويضيف أنه "لم يعد ينطلي عليها أي خطاب عاطفي أو شعبوي، خصوصاً بعد أن اتضح لها أن الجولاني سلّم العديد من المناطق للنظام بموجب تفاهمات سياسية شارك فيها بطريقة أو أخرى".

ويرى عبد الحق أن مطالب الناس تتركز حول "التضييق الاقتصادي على الناس في ظل حكومة الإنقاذ التي يرعاها الجولاني، وتعيين شخص ثوري حقيقي لاستعادة المناطق التي تم تسليمها، وإدارة المناطق الحالية بشكل رشيد، والإفراج عن المئات من معتقلي الرأي من سجون الهيئة، وضرورة حل جهاز الأمن العام، والذي هو نسخة عن الفروع الأمنية للنظام السوري، ولم يعمل إلا على قمع الناس وتثبيت حكم الجولاني".

ومن الناحية الاقتصادية في المنطقة، يعتبر عبد الحق أنه "مقارنة مع مناطق سيطرة النظام، فإن الوضع الاقتصادي في إدلب ومحيطها أفضل نسبياً برغم الحالة الأمنية الهشة إلى حد بعيد بسبب التهديدات المحيطة؛ سواء من جانب النظام أو تنظيم داعش".

ويلفت إلى أن "مناطق سيطرة الجيش الوطني أفضل من منطقة إدلب من الناحية الاقتصادية، ومن ناحية الحريات العامة والنواحي الأمنية".

أما من ناحية الحريات العامة، فيمكن القول وفق عبد الحق، إنه "مقارنة بمناطق سيطرة النظام يبدو مستوى القمع متساوياً بحق الناشطين وأصحاب الرأي في الشأن العام، سواء في مناطق سيطرة الجيش الوطني أو إدلب، حيث ما زال المئات من أصحاب الرأي يقبعون في سجون الجولاني".

حكم مدني رشيد بدل التحكم الفصائلي  

من جانبه، يقول الناشط السياسي رضوان الأطرش، في حديث لـ"العربي الجديد": "كنا نأمل كشعب سوري أن تكون مناطق سيطرة المعارضة نموذجاً لحكم مدني رشيد، يقوم على انتخاب مجالس محلية بشكل ديمقراطي، وانتخاب قيادات لهذه المنطقة تكون على قدر المسؤولية"، مضيفاً: "لكن مع الأسف ما زالت الحياة الفصائلية هي المسيطرة على هذه المناطق".  

شحادة: تحاول سلطات الأمر الواقع تنشيط الحياة الاقتصادية مستفيدة من   وقف إطلاق النار

أما المحامي والناشط السياسي أحمد شحادة، فيعتبر في حديث لـ"العربي الجديد"، أن تجربة إدارة المناطق المحررة تطورت خلال الفترة الماضية.

ويتابع: "نستطيع القول اليوم إنه تحققت بعض الإنجازات، لكن ما زالت دون الطموح"، مضيفاً أنه "عبر الحكومة السورية المؤقتة في مناطق سيطرة الجيش الوطني وحكومة الإنقاذ في إدلب ومحيطها، تحاول سلطات الأمر الواقع تنشيط الحياة الاقتصادية، مستفيدة من الاستقرار النسبي الذي وفّرته حالة وقف إطلاق النار مع قوات النظام و"قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)". 

ويلفت شحادة إلى أن "للناس مطالب محقة تتعلق خصوصاً بتخفيف القبضة الأمنية على حياتهم وأنشطتهم، ومنع الاحتكار وتخفيض الضرائب، وإيصال المساعدات الدولية إلى مستحقيها، من دون السماح لأحد بالعبث فيها"، إلى جانب "تنشيط الحياة الاقتصادية لامتصاص البطالة، ودعم التعليم والخدمات الأخرى، والتي عادة ما تكون مجانية، لكنها بدأت تتحول إلى مأجورة، مثل التعليم".

ويلاحظ شحادة أن "حالة الاحتجاجات انتقلت من الإطار الداخلي للهيئة نفسها، إلى إطار شعبي وفصائلي أوسع بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي الصعب في تلك المناطق، والذي شكل حافزاً لفئات شعبية كثيرة للانضمام إلى الاحتجاجات". ويتوقع أن تستمر الاحتجاجات "وصولاً إلى صيغة توافقية جديدة للحكم تضع حداً للتفرد الفصائلي".

المساهمون