تُعدّ تجربة "اللجان القطاعية"، التي أنشأتها حركة مجتمع السلم (إسلامي)، و"المجلس العلمي" لحزب "جيل جديد" (تقدمي)، في الجزائر، تجارب سياسية حديثة وانتقالاً نوعياً في عمل الأحزاب السياسية في البلاد، تحيل إلى محاولة تشكيل صيغة محلية لـ"حكومات الظلّ"، لمراقبة عمل الحكومة وانتقاد السياسات.
وتتركز هذه المراقبة خصوصاً في القطاعات الاقتصادية، وفي إطار تجهيز البدائل والمقترحات العملية، وتطوير عمل الأحزاب السياسية والانتقال من سردية النقد السياسي إلى الجاهزية لتقديم برامج تنمية تقوم على البدائل الواقعية.
تجربتان لـ"مجتمع السلم" و"جيل جديد"
قبل أيام قليلة، عقد حزب "جيل جديد" دورة جديدة لمجلسه العلمي، خُصّصت لمناقشة قطاع المؤسسات الناشئة في الجزائر، بمشاركة قيادات في الحزب وخبراء متخصصين في الاقتصاد ومسؤولين في الحكومة، لتقديم فحص لتجربة المؤسسات الناشئة في الجزائر، ضمن سلسلة لقاءات يعقدها المجلس العلمي للحزب، حول القطاعات الاقتصادية والحيوية والسياسات العمومية.
ويؤشر ذلك إلى تطور مهم في أدوات عمل الأحزاب الجزائرية، وتوجهها نحو شكل ما من أشكال "حكومات الظل"، لا سيما بعد تجربة كانت قد بادرت إليها حركة "مجتمع السلم"، أكبر الأحزاب الإسلامية المعارضة، والتي تحوز في الوقت الحالي أكبر كتلة نيابية في البرلمان الجزائري، بعدما أنشأت ما توصف بـ"اللجان القطاعية".
وأسندت الحركة رئاسة اللجان إلى الوزير السابق إسماعيل ميمون، بهدف "متابعة عمل الحكومة وكل القطاعات في الدولة بالنقد والتعديل وتشكيل قاعدة بيانات ومعلومات، ومعرفة نقاط قوة وضعف أي قطاع، وتقديم البدائل الممكنة".
وتفيد وثيقة قدّمها رئيس الحركة (السابق) عبد الرزاق مقري بأن إنشاء اللجان القطاعية كحكومة ظل، "يُحسب للحركة كنهج للأحزاب القوية والعريقة في العالم بالاهتمام باللجان القطاعية". ويشير مقري إلى أن ذلك "يجعل الحزب بحق قادراً ومؤهلاً للحكم سواء على مستوى البرامج والقطاعات أو الكادر البشري الذي يشتغل في اللجان القطاعية، ونحن نحتاج في المستقبل لأن نصل إلى أن كل لجنة متخصصة تزودنا دورياً بكل المعلومات حول القطاع محل الاهتمام، وهذا الذي يُساعد الحزب السياسي في بلورة الآراء والقرارات المناسبة".
أنشأت حركة "مجتمع السلم" اللجان القطاعية، وحزب "جيل جديد" المجلس العلمي
وفي الفترة اللاحقة، أسّس "جيل جديد" المجلس العلمي، كهيئة من هيئات الحزب، وضمّنها في القانون الأساسي والنظام الداخلي. ويعرّف الحزب هذا المجلس بأنه هيئة تفكير وتوجيه مفتوحة للكفاءات العلمية والفكرية يعمل تحت إشراف رئيس الحزب ويرأسه عضو من المجلس الوطني، ويبحث في جميع المسائل المتعلقة بمستقبل البلاد، ويتم العمل من خلال تنظيم ملتقيات وندوات وتوصيات تقدم مقترحات للحزب.
ويمثّل المجلس العلمي بالنسبة للحزب التقدمي شكلاً من حكومة ظلّ تتابع التطورات في مختلف القطاعات الحيوية العشرة، كالزراعة والطاقة والتعليم والصحة والمالية والسياسات الخارجية والتشغيل، إضافة إلى قطاعات ضمن الاستشراف المستقبلي، والانتقال الطاقوي والتنمية المستدامة والرقمنة.
ويتيح المجلس العلمي للحزب أيضاً العضوية والعمل في إطاره لغير المناضلين. كما أن ندوات المجلس العلمي التي تناقش السياسات العامة، مفتوحة للكفاءات خارج "جيل جديد" لطرح أفكارهم مهما كانت ومن دون شروط، حيث تساهم مخرجات المجلس وتقاريره في تطوير مواقف وتقديرات الحزب وموقفه من الحكومة.
أحمد فالق: تشكل الخطوة التفاتة مهمة من الأحزاب الجزائرية، خصوصاً تلك التي لديها رؤية اقتصادية وتنموية، باعتبارها مسائل أساسية
وقالت القيادية في "جيل جديد" مريم سعيداني، لـ"العربي الجديد": "في الفترة الأخيرة، عمد الحزب إلى تطوير عمل المجلس العلمي، فبعدما كانت الندوات تنشطها كفاءة يتم استدعاؤها في إطار مغلق مع المناضلين وبعض المتعاطفين، أصبح يتم تنظيم العديد من الندوات المفتوحة التي تعنى بمواضيع تهم الرأي العام تشارك فيها كفاءات من خارج الحزب". وأضافت أنه "يتم توفير الكثير من المخرجات من المقالات والدراسات والنشريات التي قامت بها اللجان، على موقع حزب جيل جديد وفي وسائط التواصل الاجتماعي".
تطور مهم في عمل الأحزاب الجزائرية
وينظر عدد من المراقبين إلى هذه التجارب السياسية على أنها تمثل تطوراً لافتاً في عمل وأداء الأحزاب الجزائرية، على صعيد خروجها من نسق سردية النقد والخطاب الشعبي السابق، وانتقالاً مهماً نحو الاهتمام بالقضايا الاقتصادية ومقاربات التنمية والقضايا الاجتماعية ذات الصلة بالتنمية والعمران البشري.
هذه القضايا ظلت لعقود متأخرة كثيراً على لائحة الخطاب والعمل الحزبي مقارنة بالقضايا السياسية، ومنها تكوين الدفع بالكوادر الحزبية إلى الانشغال بمتطلبات فهم هذه القضايا وطرح البدائل ومحاججة الحكومة بالمعطيات والمقترحات.
وقال الخبير الاقتصادي رياض حاوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن هذه التجارب تؤكد أنه "من الضروري أن تنتقل الأحزاب من القضايا السياسية البحتة، كقضايا التعبير والحريات والفصل بين السلطات وغيرها، لأن المعارضة في الغالب يكون لديها خطاب شعبي بعيد عن الواقع، وعند وصولها إلى الحكومة، تجد أن عملية تدبير المشكلات الكبيرة صعبة جداً، وهذا يفرض على المعارضة أن تستعد قبل ذلك عبر فهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية".
من جهته، رأى الباحث في الشؤون السياسية أحمد فالق أن هناك تحولاً إيجابياً في نشاط الأحزاب الجزائرية. وأوضح في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "في الوقت الحالي لا يمكن أن نتحدث عن حكومات ظل بالمعنى المعروف في التجارب الغربية، بسبب طبيعة البيئة السياسية في الجزائر وضعف الأدوات الديمقراطية، وهامش التأثير الضعيف للأحزاب والكتل النيابية، وتغول السلطة التنفيذية".
لكنه اعتبر "أنها خطوة أولى والتفاتة مهمة من قبل الأحزاب الجزائرية، خصوصاً تلك التي لديها رؤية وتصور للحوكمة والخيارات الاقتصادية، إلى قضايا التنمية، باعتبارها مسائل أساسية لم تأخذ حقها من النقاش ضمن تجربة العمل الحزبي والسياسي الجزائري".