حفتر والمصالحة الليبية

حفتر والمصالحة الليبية

28 مارس 2024
تحديد هوية الضحايا في مقابر جماعية، ترهونة، 2020 (حازم تركية/الأناضول)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الغموض يحيط بمصير المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية الليبية المقرر في سرت، مع عدم تحديد المشاركين أو أجندة المؤتمر.
- قيادة خليفة حفتر تعلق مشاركتها بسبب سحب قرار يخص "شهداء وجرحى" مليشيات حفتر، مما يعقد فرص المصالحة.
- استمرار الانقسامات والتحديات أمام المصالحة في ليبيا، مع تأكيد على أهمية جبر الضرر ورد الحقوق لتحقيق مصالحة حقيقية.

يلفّ الغموض مصير المؤتمر الجامع للمصالحة الوطنية الليبية، والذي قرّر المجلس الرئاسي يوم 28 إبريل/نيسان المقبل موعداً لانعقاده في مدينة سرت (وسط شمال).

وعلى الرغم من قرب موعد المؤتمر، لم يتمكّن المجلس بعد من تحديد الأطراف المستهدفة بالمشاركة فيه، ولا حتى تحديد أجندته وتفاصيل بنودها والمسائل التي ستدور مناقشتها فيه، ليتصالح الخصوم. وقد يكون ذلك كله من بديهيّات المشهد الليبي التي لم تعد تُستغرب، لكن الطارئ المفارق في طرافته قرار قيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر تعليق مشاركتها في المؤتمر!

أعلنت ذلك شخصياتٌ مقرّبة من قيادة حفتر لوسائل إعلام مقرّبة من اللواء المتقاعد، الأحد الماضي، وذكرت أن سبب التعليق سحب المجلس الرئاسي قراراً أصدره قبل أسبوعين يقضي بضم "شهداء وجرحى القوات المسلحة (مليشيات حفتر) في المنطقتين الشرقية والجنوبية" إلى "الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين" التابعة للمجلس الرئاسي.

وباستهجان شديد، قالت تلك الشخصيات، وهي كلّفها حفتر بتمثيله في المؤتمر المدعو إليه، أن المصالحة "لن تتحقق من غير حفظ حقوق الشهداء والجرحى من أبناء القوات المسلحة (مليشيات حفتر)".

لم يعلن المجلس الرئاسي قراره هذا ولا عن سحبه، لكن يبدو أنه تسرّب منذ أن أصدره، فقد نظّم متظاهرون وقفة احتجاجية، منتصف الأسبوع الماضي، أمام مقرّ المجلس الرئاسي، احتجاجاً على ضمّ المجلس جرحى مليشيات حفتر وقتلاها إلى "الهيئة العامة لرعاية أسر الشهداء والمفقودين"، مشدّدين على ضرورة سحب القرار.

ويبدو أن هذا ما حدث، خصوصاً مع تداول وسائل إعلام ليبية صورة من رسالة وجهها نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، إلى رئيس المجلس، محمد المنفي، يوضح له أن قرار ضم هؤلاء مخالف للوائح المجلس التي تنصّ على ضرورة أن تصدر قرارات المجلس بموافقة كل أعضائه، ما يفيد بأن القرار أصدره المنفي بشكل أحادي.

في الواقع، لا يكشف موقف تعليق حفتر وأنصاره المشاركة في مؤتمر المصالحة عن شيء إلا عن استمرار قناعتهم بعدالة حربهم الضروس، والتي شنّوها على العاصمة طرابلس عاماً ونصف العام، على الرغم من كل هذه السنوات التي كشفت عن جرائم مروّعة ارتكبوها بحق المدنيين، ليس أقلها مقابر ترهونة الجماعية، والتي يُكشف كل يوم عن جثث جديدة فيها. فأي مصالحة إذاً؟ وعلى أي أساس؟ وكيف يمكن للمجلس الرئاسي أن يرعى مصالحة بقرارات غامضة يجري تمريرها في جنح الظلام؟

يدرك المجلس الرئاسي أن للمصالحة مبادئها العامة المتعارف عليها في كل الأوساط، وفي مقدمتها جبر الضرر ورد الحقوق والمظالم. فأيّ ضرر يمكن للمجلس الرئاسي أن يجبره للمئات من ضحايا المقابر الجماعية في ترهونة على الأقل؟ وكيف يمكنه ردّ مظالمهم في ظل إصرار حفتر على وصفه قتلاه الذين وأدوا المئات في ترهونة أحياء بـ"الشهداء"؟