حرب الظلال في شمال أوروبا

حرب الظلال في شمال أوروبا

28 ابريل 2023
جنود فنلنديون في هلسنكي، 7 مارس الماضي (أليساندرو رامباتزو/فرانس برس)
+ الخط -

إلى جانب المواجهة العسكرية المشتعلة في أوكرانيا تعيش ساحات أوروبية شمالية أجواء حرب أخرى، يخشى تحولها مع الوقت إلى نزاع حقيقي. فالحروب الهجينة تستعر بين روسيا والدول التي تنتمي إلى "مجموعة دول الشمال"، الممتدة من أيسلندا مروراً بالنرويج والسويد وفنلندا إلى الدنمارك وجزيرة غرينلاند في القطب الشمالي وجزر فارو في المحيط الأطلسي.

"حرب الظلال"، هو المسمى الرسمي والإعلامي، للنوع الحديث للحروب المندلعة بعد عام من غزو روسيا لأوكرانيا. وباتت المنطقة، الممتدة من الدائرة القطبية الشمالية إلى بحر البلطيق، ساحة معركة غربية ـ روسية، بعد أن أمعن حلف شمال الأطلسي، في انتهاج سياسة أشبه بالإمعان في إذلال موسكو وتحجيمها في المنطقتين.

بلغت تلك الحرب الأربعاء الماضي ذروتها فوق البلطيق، بعد مطاردة طائرات ألمانية "دوريات تجسس جوي روسية". والحادثة تبين تخلخل القدرة الردعية لروسيا، بعد توريطها في مستنقع أوكرانيا، الذي يوسعه الغربيون مع مرور الوقت، وبعضهم بمبررات أن "السلام يمر عبر الحرب"، وآخرون لدرء وصول شررها إليهم.

تتبع السياسات الأمنية ـ الدفاعية لدول الشمال، التي أصبحت بعد انضمام فنلندا إلى الأطلسي، وبانتظار السويد، أكثر جرأة في فضح "دبلوماسية التجسس"، يوضح أن موسكو بالفعل في مأزق، وأحياناً تبدو محصورة في زاوية رد الفعل، وليس المبادرة إليه. فعشرات الدبلوماسيين الروس جرى طردهم من دول الشمال، وحظر دخول سفن الصيد إلى مياهها، فقررت موسكو الرد على ما سمته "استفزازات غربية" بطرد دبلوماسيين اسكندينافيين.

يضاف إلى ذلك تفكيك وفضح آليات عمل التجسس التي يعتبرها خبراء علاقة روسيا بالغرب "ضربة مؤلمة للكرملين واستخباراتها الخارجية"، محذرين من مخاطر انزلاق نحو مواجهة مدمرة واستهداف البنى التحتية الحيوية، حلقتها الأولى "حرب سيبرانية".

الغربيون في هذه البقعة الحيوية من أوروبا، بالقرب من جيب كالينينغراد وشمال روسيا، ليسوا أقل انخراطاً في جهود غربية تجعل الأمور لا تطاق للكرملين. والأخير يقول إن "حملة تخويف" من كل ما هو روسي يجري انتهاجها. طرْد دبلوماسيين، وآخرين بغطاء البحث العلمي، وكشف سفن صيد تتجسس، لا تجعل صورة الروس أقل قبحاً بموازاة ربطها بصور الدمار في أوكرانيا.

ببساطة، يحذر البعض، خصوصاً جماعات السلام وأقصى اليسار، من أن حروب الظل المستعرة قد تدفع "الدب الروسي الجريح" إلى طريق اللاعودة، ما يساهم بتحويلها إلى واقع مدمر للطرفين، وذلك في مقابل إصرار واضح من الساسة وصقور المستشارين على اعتبار أن القوة هي "اللغة الوحيدة التي يفهمها الكرملين".