دخل الانقلاب العسكري في ميانمار عامه الثالث في الأول من فبراير/شباط الماضي، في ظل أزمة كبيرة لا تزال تعاني منها البلاد، مع رفض المجلس العسكري الحاكم، منذ الانقلاب على الحكومة والزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي، أي تفاوض مع الجماعات المناهضة للجيش والمعارضة للانقلاب، في ظل استمرار متواصل لأعداد الضحايا. وعن التطورات في عامي الانقلاب، يتحدث المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، توم أندروز، في مقابلة مع "العربي الجديد" في نيويورك.
في آخر تقرير لك حول حالة حقوق الإنسان في ميانمار، تحدثت عن مرور سنتين على الانقلاب العسكري، وقلت إنها سنتان من خذلان المجتمع الدولي لشعب ميانمار. هل لك أن تستفيض؟
يواجه الناس في ميانمار وضعاً بائساً للغاية يتدهور بشكل مستمر. صحيح أن المجتمع الدولي، على الأقل أعرب عن دعمه وقلقه ومعارضته لما يقوم به المجلس العسكري في البلاد، ولكن، مع ذلك يتعيّن أن يكون هناك نوع من الاستجابة الاستراتيجية المنسّقة من المجتمع الدولي لحل هذه الأزمة، وهذا ضروري.
أظهر شعب ميانمار شجاعة غير عادية ومثابرة ومرونة. فعلى سبيل المثال نظّم الشعب إضراباً ناجحاً في ذكرى مرور عامين على الانقلاب (في الأول من فبراير/شباط الماضي). وشمل جميع أنحاء البلاد، حيث كانت الشوارع خالية تماماً، كدليل على معارضة شعب ميانمار للمجلس العسكري.
يواجه الناس في ميانمار وضعاً بائساً للغاية يتدهور بشكل مستمر
كما ذكرت في المؤتمر الصحافي سابقاً، فإن هذه الحرب منسية بشكل ما على الرغم من مقتل ما لا يقل عن 2900 شخص منذ الانقلاب، وأتوقع أن تكون الأرقام الفعلية أعلى من ذلك. كما اعتُقل ما لا يقل عن 17 ألف شخص لأسباب سياسية، وأُحرق ودُمر وهُدم ما لا يقل عن 38 ألف منزل وعيادة ومدرسة منذ الانقلاب. وهُجّر 1.1 مليون شخص، مما يرفع العدد الإجمالي للنازحين في ميانمار إلى 1.5 مليون شخص. ويعيش قرابة نصف سكان ميانمار الآن تحت خط الفقر.
ما يحتاجه شعب ميانمار هو المساندة والدعم. وأعلن عدد من الدول (الولايات المتحدة ودول غربية) عن مجموعة من العقوبات في الذكرى الثانية للانقلاب العسكري. هذا جيد، ولكن المطلوب هو أن تكون هناك عقوبات منسّقة واستراتيجية وهادفة ضد العسكر، أي ينضم المجتمع الدولي معاً في تحالف شامل من عدد من البلدان، والتي يكون لديها الاستعداد للوقوف مع شعب ميانمار، وتعمل معاً بحيث تستهدف نقاط ضعف المجلس العسكري.
وتطبّق عقوبات صارمة ومركزة على أمور محددة، ويتم الاستمرار في فرض تلك العقوبات إلى أن يفهم المجلس العسكري أن أفعاله غير مستدامة، وأن هذا الكابوس في ميانمار يجب أن ينتهي. إذاً المطلوب نهج استراتيجي ومركّز ومنسق، وهذا ما فشل المجتمع الدولي في تحقيقه حتى الآن.
ما السبب برأيك وراء عدم وجود تنسيق من هذا القبيل حتى الآن، على الرغم من أن الكثير من الدول تعارض الانقلاب علناً وتتحدث عن ذلك وتفرض عقوبات؟ لماذا لا يوجد تنسيق في ما بينها؟
هذا سؤال مهم ويُطرح عليّ كثيراً، خصوصاً من الناس في ميانمار. ويقولون لي "نحن ندعم الشعب الأوكراني والخطوات التي يتخذها العالم لدعم أوكرانيا... وتمكنوا خلال أربعة أيام (على بدء الاجتياح الروسي) من اتخاذ خطوات للرد على ما حدث في أوكرانيا. ولكن شعب ميانمار ما زال ينتظر منذ الانقلاب العسكري أن يتحرك هذا المجتمع الدولي". ويتساءلون لماذا لا توجد رغبة دولية للتحرك والاتحاد والرد على ما يحدث في ميانمار، مثل ردهم على ما يحدث في أوكرانيا.
آمل أن نرى استجابة أقوى وتنسيقاً أكثر من المجتمع الدولي، لكنني لم أرَ بعد ما أعتقد أنه مطلوب
ولا أتحدث هنا عن استخدام الأسلحة مثلاً، على الرغم من وجود العديد من مجموعات قوات الدفاع الشعبية التي ترغب في الحصول على أسلحة للدفاع عن نفسها ضد الضربات الجوية من الطائرات المروحية الحربية أو الطائرات الحربية التي تقصف القرى. ما أتحدث عنه هو النهج المنسق الذي من شأنه أن يؤدي إلى نوع من العقوبات التي من شأنها أن تصعّب على العسكر استخدام وتصنيع وصيانة تلك الأسلحة أو الحصول على الإيرادات التي يستخدمونها كأسلحة ضد شعب ميانمار.
والناس في ميانمار مستمرون في طرح هذه الأسئلة وأنا لا أعرف الإجابة عليها. وأعتقد أن هذا عيب أساسي، وآمل أن نرى استجابة أقوى وتنسيقاً أكثر من المجتمع الدولي، لكنني لم أرَ بعد ما أعتقد أنه مطلوب.
تحدثت في أكثر من مناسبة كما في تقريرك، عن رغبة المجلس العسكري بالحصول على "شرعية" واعتراف دولي عن طريق التخطيط لانتخابات صورية مثلاً. وتشير كذلك إلى نقاط ضعف لديه وتربط بين الأمرين. هل لك أن تشرح؟
هناك مؤشرات على أنه حتى الرد المحدود الذي رأيناه من قبل المجتمع الدولي، أي العقوبات، لها تأثير. أعمل حالياً على تقرير فيه عمل استقصائي حول تدفق الإيرادات للعسكر وتأثير العقوبات عليها. ما يمكنني قوله إن هناك مؤشرات على أن تطبيق العقوبات يصعّب على المجلس العسكري في ميانمار القيام بعملياته (العسكرية). ويؤثر على قدرته في دفع فواتيره. وهذا مؤشر يبعث على الأمل، والدرس المستفاد من هذه المؤشرات هو أن العقوبات فعّالة، ولكن يجب أن يتم تطبيقها بشكل استراتيجي ومنسق.
المجلس العسكري فشل في الحصول على الدعم والشرعية الدولية بالقدر الذي يرغب فيه، فهناك عدد محدود من الدول اعترفت به عملياً
أما فيما يخص مسألة الشرعية، فإنه حتى بمعايير المجلس العسكري نفسه، فشل في ذلك، بسبب عدم قدرته على الحصول على الدعم والشرعية الدولية بالقدر الذي يرغب فيه، فهناك دول معدودة اعترفت بالمجلس عملياً (ممثلين دبلوماسيين أو التعامل معهم). ولكن حتى بعض تلك الدول أوضح لي أن التعاون مع المجلس العسكري لا يعني اعتباره شرعياً. لكن هذه المحاولة لتنظيم ما يصفها المجلس بانتخابات، هي محاولة لكسب تلك الشرعية التي لا يتمتع بها.
الحيلة هي تنظيم "انتخابات" يقبلها العالم كانتخابات شرعية. ثم "الفوز" بها على أمل أن يطوي المجتمع الدولي الصفحة ويعترف بنتائجها والتي ستكون طبعاً "فوز العسكر". الخلاصة، لا يمكنك إجراء انتخابات حرة ونزيهة، عندما تقبض على وتعذب وتعدم المعارضة.
لا يمكنك إجراء انتخابات عندما يكون العمل الصحافي مخالفاً للقانون. اعتُقل 130 صحافياً في ميانمار بسبب قيامهم بعملهم. 72 صحافياً منهم لا يزالون رهن الاعتقال حتى الآن، و"جريمتهم" عملهم الصحافي. ولا يمكنك إجراء انتخابات حرة ونزيهة عندما يكون انتقاد العسكر مخالفاً للقانون. لذا فإن فكرة إمكان إجراء انتخابات في ظل هذه الظروف هي فكرة هزلية، وليست أكثر من خدعة، ومن الضروري أن يشجب المجتمع الدولي ذلك وألا يتخذ أي خطوات أو تدابير تدعمها أو تنخرط بها.
ما هو، برأيك، الدور الذي من الضروري أن تقوم به بقية الدول الآسيوية وخصوصاً "رابطة دول جنوب شرق آسيا" (آسيان) بخصوص الصراع في ميانمار؟
خلال فترة وجيزة بعد الانقلاب حاولت "آسيان" القيام بدور أساسي في حل هذه الأزمة. عقدت اجتماعاً مهماً في إبريل/ نيسان 2021، بعد بضعة أشهر فقط من الانقلاب، ودعت جميع قادة "آسيان" وممثل المجلس العسكري مين أونغ هلاينغ واتفقوا على خمس نقاط، أولها وقف جميع أعمال العنف في ميانمار.
وأيّد مين أونغ هلاينغ هذا الإجماع ووافق عليه، ولكن في غضون ساعات تراجع عن ذلك ورفض الإجماع الذي وافق عليه للتو، باعتباره مجرد اقتراحات قد يفكر فيها في وقت ما في المستقبل، بعد أن يكون قد سحق المعارضة. لقد ازدرى "آسيان" منذ البداية ولم يحترمها.
على الرغم من ذلك، حاولت (دول) "آسيان" العمل بدرجات متفاوتة لدعم شعب ميانمار. كما أظهرت درجات متفاوتة من المعارضة للمجلس العسكري. على سبيل المثال، كانت ماليزيا صريحة جداً في معارضتها لممارسات العسكر ودعت إلى الأفراج عن السجناء السياسيين. لدينا مؤشرات من بروناي وإندونيسيا والفيليبين وسنغافورة، حيث خفضت مشاركتها الدبلوماسية وترفض مزاعم الشرعية.
رأينا ردوداً من دول بعينها من مجموعة "آسيان" عبّرت عن إحباطها الواضح من العسكر وممارساتهم. ودعت إلى استراتيجية لتنفيذ النقاط الخمس التي تم الإجماع عليها، بما فيها وضع إطار زمني محدد لتنفيذ تلك الاستراتيجية. وسنرى ما إذا كان سينجم أي شيء عن هذا، ولكن حتى الآن كان ذلك محدود النتاج.
ماذا بالنسبة لقضية العصيان المدني في ميانمار وما مدى نجاحه؟
حركة العصيان المدني غير عادية، يشترك فيها الجميع من جميع أنحاء البلاد ومنذ البداية. وقد أظهروا تفانياً كبيراً، على الرغم من حقيقة أنهم يطلقون النار على المحتجين بدم بارد. كان هناك 1400 احتجاج في الأشهر الستة الماضية لوحدها. وكما ذكرتُ، شهدت البلاد إضراباً شاملاً (في الذكرى الثانية للانقلاب العسكري) وعدم الخروج للشوارع على الرغم من جهود المجلس العسكري لإجبار الناس كي تبدو الحياة طبيعية في البلاد.
كما يقاطع الناس كل شيء مرتبط بالمجلس العسكري. يحجب الكثيرون ضرائبهم، ويرفضون دفع فواتير الطاقة. هناك الكثير من الطرق التي يظهر فيها الناس معارضتهم لحكم العسكر بما فيها الانضمام للمعارضة المسلحة. هناك تكاتف ووحدة بين الناس في ميانمار في معارضتهم للجيش والكارثة التي حلت في البلاد بشكل لافت.
حركة العصيان المدني غير عادية، يشترك فيها الجميع من جميع أنحاء البلاد ومنذ البداية
إذا نظرنا إلى الماضي القريب والمجازر بحق أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار قبل الانقلاب العسكري، كيف ترى أنها أثّرت على وصول الوضع إلى ما وصل إليه، والمقصود هنا عدم معاقبة أي من المسؤولين والدور السلبي الذي لعبته آن سان سو تشي لاحقاً؟
ما حدث للروهينغا كان إبادة جماعية تكشفت أمام أعيننا. والرجل نفسه الذي قاد تلك القوات في ولاية راخين، هو الآن قائد المجلس العسكري في ميانمار. ولم يُحاسب بتاتاً، كما لم يحاسب أولئك الذين من الواضح أنهم مسؤولون عن الإبادة الجماعية.
يحاسب أولئك الذين من الواضح أنهم مسؤولون عن الإبادة الجماعية بحق الروهينغا
عندما تفشل في ذلك، فلا ينبغي أن تفاجأ عندما يأخذون أمة بأكملها رهينة تحت تهديد السلاح والذهاب إلى الحرب ضد شعب بأكمله. أعتقد أن هناك ثمناً أخلاقياً يجب دفعه للفشل في معالجة الجرائم الفظيعة. وأعتقد أن هناك تبعات حقيقية لهذا الفشل. وأعتقد أننا نشهد هذا الفشل يحدث في ميانمار كل يوم.
عملت في مسيرتك المهنية في الكثير من الأماكن ومناطق الصراعات مثل كمبوديا، الجزائر، اليمن، إندونيسيا، كرواتيا... من تجربتك هل هناك مقاربة ناجحة تعتقد أنها يمكن أن تنجح في ميانمار أو حتى التعلم من الأخطاء في صراعات أخرى؟
هذا سؤال جيد ومهم جداً. كنت في جمهورية كوريا (الجنوبية) قبل أشهر. وشجعني البعض على زيارة مدينة غوانغجو. كان الناس متلهفين كي أزور مقبرة تذكارية، تخلّد ذكرى الذين كانوا على الخطوط الأمامية للثورة في كوريا، حيث انتفض الناس، تحت قيادة شبابية، ضد الديكتاتورية العسكرية وغيّروا ذلك البلد، من نير الدكتاتورية العسكرية إلى ديمقراطية فاعلة. كانت زيارة رائعة.
وعند زيارة القبور، كانت هناك صور فوتوغرافية على كل قبر للأشخاص المدفونين هناك. ومعظمهم من الشباب. وفكرت في الشبان والشابات الذين يقفون في الخطوط الأمامية للنضال في ميانمار.
لقد شعرت بألم وأمل من شعب كوريا. وذهبت إلى المتاحف والنصب التذكارية، وهناك قسم كامل في العاصمة سيول، مواقع تذكارية قُتل فيها أناس كثيرون على يد الجيش. بعض الصور، في تلك النصب التذكارية والمتاحف، كان يمكن بسهولة أن تكون صوراً من ميانمار. أعني، كان التشابه مذهلاً، وبالنسبة لهم كذلك. إذاً هذا مثال على أمة تنهض في مواجهة صعاب كبيرة، لتقاتل من أجل مستقبلها ومن أجل أجيال المستقبل، وقد كانوا ناجحين وهذا يدعو للتفاؤل.
توم أندروز في سطور
توم أندروز حقوقي أميركي وعضو سابق في الكونغرس الأميركي عن ولاية ماين. يعمل كذلك كأستاذ مساعد في مركز آسيا بجامعة هارفارد. شغل عدداً من المناصب الدولية والحقوقية المرموقة وعمل مع عدد من المنظمات غير الحكومية وغطى عمله دولاً ككمبوديا، وإندونيسيا والجزائر وكرواتيا، وصربيا، وأوكرانيا، واليمن.
يتولى حالياً منصب المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في ميانمار، علماً أن المقرر الخاص يعين من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ويقدم توصياته وتقاريره للمنظمة الأممية، لكنه مستقل عنها ولا يتحدث باسمها.