تحديات الوحدة اليمنية في ذكراها الرابعة والثلاثين

تحديات الوحدة اليمنية في ذكراها الرابعة والثلاثين

22 مايو 2024
يلوّح بعلم اليمن في صنعاء خلال الاحتفال بذكرى الوحدة اليمنية، 2016 (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الذكرى الرابعة والثلاثين للوحدة اليمنية تشهد تحديات كبيرة تهدد استمراريتها، بما في ذلك الانقلاب الذي قادته جماعة الحوثيين في 2014 والمطالب المتزايدة بفك الارتباط من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يسعى لاستعادة دولة الجنوب.
- الحراك الجنوبي والمجلس الانتقالي الجنوبي يلعبان دورًا محوريًا في الصراع، حيث تطور الحراك من مطالبة بالمساواة إلى السعي للاستقلال، ويسيطر المجلس الانتقالي على محافظات رئيسية ويمثل بقوة في مجلس القيادة الرئاسي.
- الحلول المقترحة للأزمة تشمل بناء دولة المؤسسات التي تعزز الشراكة والعدالة والمواطنة المتساوية، مع التأكيد على أهمية المصالحة الوطنية وبناء دولة اتحادية تضمن الشراكة العادلة في السلطة والثروة.

تحلّ الذكرى الرابعة والثلاثين لقيام الوحدة اليمنية في 22 مايو/ أيار 1990، اليوم الأربعاء، في ظلّ تحديات وأزمات عدة تهدّد وحدة اليمن، أبرزها استمرار انقلاب جماعة الحوثيين على الدولة، الذي بدأ في 21 سبتمبر/ أيلول 2014، وتهديد الانقلاب كيان الدولة، وفي ظلّ تصاعد المطالبة بفكّ الارتباط، والتي يرفعها المجلس الانتقالي الجنوبي، المُنادي باستعادة "الدولة الجنوبية" كاملة السيادة بحدود 1990.

الوحدة اليمنية وانفجار الأوضاع

في 22 مايو 1990، اتحدت دولتا "الجمهورية العربية اليمنية"، شمال اليمن، بقيادة حزب المؤتمر الشعبي العام، مع "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية" جنوب اليمن، بقيادة الحزب الاشتراكي اليمني، ليتم تأسيس "الجمهورية اليمنية" برئاسة الرئيس الأسبق الراحل علي عبد الله صالح، وتعيين الرئيس علي سالم البيض نائباً له. كذلك جرى تشكيل حكومة الوحدة اليمنية برئاسة حيدر أبو بكر العطاس، فيما آلت رئاسة مجلس النواب يومها إلى ياسين سعيد نعمان، لتبدأ بعد ذلك أزمة ناتجة عن حملة اغتيالات طاولت المئات من القيادات العسكرية والمدنية المحسوبة على الحزب الاشتراكي اليمني، وترافقت مع ظهور أخطاء التوافق على الوحدة السياسية قبل دمج المؤسسات العسكرية والاقتصادية للنظامين في الشمال والجنوب.

في 27 إبريل/ نيسان 1994، اندلعت الحرب بين شطري اليمن، عقب انفجار الوضع في معسكر تابع للحزب الاشتراكي في محافظة عمران شمالي صنعاء، ليعلن علي سالم البيض الانفصال في 21 مايو 1994، في ظلّ ما بات يعرف بحرب صيف 1994، والتي حُسمت في 7 يوليو/ تموز من ذلك العام بانتصار تحالف المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح، وهزيمة شريك الوحدة الحزب الاشتراكي اليمني الذي فرّت معظم قياداته حينها إلى خارج اليمن.

سالم ثابت العولقي: مشروع الوحدة فشل بسبب الاختلاف السياسي والاقتصادي والثقافي والمدني بين شطري اليمن

وعلى الإثر، عمد الطرف المنتصر في الحرب إلى تسريح غالبية الجنوبيين من وظائفهم المدنية والعسكرية، وصدرت أحكام بالإعدام ضد قيادات اتُهمت بالمسؤولية عن إعلان الانفصال، كما نهب معظم أراضي الجنوب التي كانت تحت التأميم في ظل النظام الاشتراكي الذي كان يحكم الجنوب.

في 7 يوليو 2007، تشكّل ما يعرف بالحراك الجنوبي، وهو حراك شعبي في جنوب اليمن بدأ بكيان جمعية المتقاعدين العسكريين والأمنيين المُسّرحين من عملهم. وطالب الحراك الجنوبي النظام الحاكم بالمساواة وإعادة المُسرّحين العسكريين والمدنيين، لكن سرعان ما تطورت المطالب وحملت بعداً سياسياً مع مطالبة الحراك الجنوبي باستقلال جنوب اليمن، واستعادة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

استطاع الحراك الجنوبي فرض "القضية الجنوبية" لتكون إحدى قضايا مؤتمر الحوار الوطني في عام 2012 الذي تلا ثورة 11 فبراير/ شباط الشبابية الشعبية، حيث جرى تمثيل الحراك الجنوبي بقوام 85 عضواً من أصل 565 عضواً هم قوام المتحاورين.

بعد انقلاب الحوثيين على الدولة وتحرير المحافظات الجنوبية، أُعلن عن قيام المجلس الانتقالي الجنوبي الذي حاول تقديم نفسه صوتاً معبراً عن الجنوب، حيث يرفع مطلب استعادة الدولة الجنوبية على اعتباره أبرز مطلب له.

والمجلس الانتقالي الجنوبي هو هيئة سياسية يمنية، تشكلت هيئته الرئاسية في 11 مايو 2017، والتي تضم غالبية محافظي محافظات جنوب اليمن، وهي المحافظات التي كانت تمثل جغرافياً ما كان يُعرف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. كذلك يضمّ المجلس وزراء ووكلاء محافظات، ويرأسه عيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني. كما أن المجلس الانتقالي يُمثّل بثلاثة أعضاء من قوام مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء، ما يمنحه نفوذاً طاغياً على المناطق المحررة من قبضة الحوثيين، حيث يسيطر المجلس على محافظات عدن ولحج والضالع وشبوة وأبين.

بانتظار دولة المؤسسات

وبرأي المتحدث الرسمي باسم المجلس الانتقالي الجنوبي، سالم ثابت العولقي، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، فإن الوحدة بين جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية كانت مشروعاً هدفه بناء دولة مدنية حديثة، دولة المؤسسات والشراكة والعدالة والمواطنة المتساوية، وتطبيق النظام والقانون، وذلك بالأخذ بما هو أحسن من تجربتي الدولتين، لكن هذا المشروع فشل بسبب الاختلاف السياسي والاقتصادي والثقافي والمدني بين النظامين والبلدين، لينتهي بغزو نظام صنعاء للجنوب واجتياحه عسكرياً في يوليو الأسود 1994"، بحسب تعبيره.

ولفت العولقي إلى أن "حرب اجتياح الجنوب كانت بمثابة نهاية للوحدة السلمية الطوعية، واستبدالها بالغزو والغلبة والاستحواذ والهيمنة على الجنوب وشعبه ومقدراته، وما زالت هذه الحروب مستمرة منذ 1994 وصولاً إلى العدوان الحوثي ومنهجه التدميري ونزعته العنصرية والطائفية، وحربه المستمرة على الجنوب".

محمد المخلافي: من دون تشكيل كتلة تاريخية تستعيد الدولة، سيصبح التهديد وجودياً لليمن

وأكد العولقي أن موقف المجلس الانتقالي الجنوبي "واضح بشأن قضية الجنوب ومسارها السياسي وآلية الحل، وسبق أن وضعها وأُقرّت في مشاورات مجلس التعاون الخليجي، في إبريل/ نيسان 2022 وتضمنها البيان الختامي الصادر عنها، والذي أكد إيجاد إطار تفاوضي خاص لقضية الجنوب، ولهذا يجب أن يوضع هذا الإطار في سلّم أجندات المشاورات والمفاوضات السياسية".

أما من وجهة نظر شريك الوحدة، أي الحزب الاشتراكي اليمني، فقد مثّلت الوحدة اليمنية صفحة جديدة في تاريخ اليمن الحديث، إذ وفّرت فرصة سانحة لاستعادة دور اليمن التاريخي بامتلاك عناصر القوة للنهوض من جديد، وللعب دوره على المسرح الدولي، وللانتقال باليمن إلى رحاب التحديث وبناء دولة ديمقراطية حديثة، دولة الحق والقانون والمواطنة. غير أن حرب 1994 وما ترتب عليها من نتائج وآثار وخيمة على الوحدة اليمنية الوطنية، خلقت تحديات أمام بناء الدولة المدنية وحتى الدولة ذاتها، كما أدت إلى انقسامات حادة سياسياً واجتماعياً وجهوياً، وفتحت الباب أمام إمكانية التمزيق لليمن وتدمير الهُوية الوطنية، وهو الأمر الذي تستثمره قوى داخلية وخارجية، بما في ذلك بعض دول الجوار، بعدما كانت تدعم الانتقال والتحول الديمقراطي بفعل تماسك قوى التغيير وبفعل ثورة الشباب في عام 2011.

وفي السياق، قال نائب الأمين العام للحزب الاشتراكي، محمد المخلافي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "استئناف الحرب في عام 2014 قد ترتب عليه مزيد من الصراعات الداخلية وتعدّد سلطات الأمر الواقع، وشجّع قوى خارجية، وعلى رأسها إيران وبعض دول الجوار، بالتمادي في مساعي تفكيك الدولة اليمنية وتغذية استمرار الحرب، ما أدى إلى استمرار الحرب إلى يومنا هذا". ولعل أهم عامل داخلي وفّر الفرص للخارج لتحقيق أطماعه يتمثل برأيه "في حالة انقسام القوى السياسية، وبالنتيجة التنازع والانقسام في هيئات الدولة الشرعية وعلى رأسها مجلس القيادة الرئاسي". ولفت المخلافي إلى أنه "من دون تشكيل كتلة تاريخية تستعيد الدولة وتحقق القضاء على الانقلاب وإنهاء سلطات الأمر الواقع، وفي مقدمتها سلطة الأمر الواقع للمتمردين الحوثيين، سيصبح التهديد ليس لوحدة اليمن فحسب، بل تهديد وجودي لليمن".

وأشار المخلافي إلى أن "الوحدة اليمنية مثّلت النواة الأولى للمصالحة الوطنية، غير أن تلك المصالحة كانت بحاجة إلى بناء دولة المواطنة وإلى جبر ضرر المواطنين بسبب صراعات الماضي، غير أن حرب 1994 ونتائجها المستمرة حتى اليوم قد عمقت ذلك الضرر، وأتت حرب 2014 لتعيق التحول الديمقراطي والذي كان من مرتكزاته تعزيز حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية وبناء الدولة الاتحادية، دولة الحق والقانون، وفقاً لمخرجات الحوار الوطني الشامل".

عبد الله المقطري: الحلّ العملي لقضية الجنوب يقتضي بناء نموذج جاذب في المحافظات المحرّرة

وأوضح المخلافي أنه "في الفترة الانتقالية ما بين عامي 2012 إلى 2014، تمّ السعي إلى إحداث المصالحة الوطنية من خلال إعداد التشريعات المتعلقة بتحقيق العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان إجمالاً واتخاذ الإجراءات بإعادة المُبعدين من الوظيفة العامة المدنية والعسكرية بعد عام 1994 والأراضي المستولى عليها كنتيجة من نتائج الحرب، وإصدار اعتذار رسمي من قبل حكومة الوفاق الوطني في تاريخ 21 أغسطس/ آب 2013 نيابة عن الدولة للجنوب وأبنائه عن حرب 1994 ولأبناء صعدة عن حروب صعدة". غير أنه كان ينبغي، وفق رأيه، "أن يلي هذا الاعتذار، اعتذار الأحزاب والقوى الشركاء من الحروب والممارسات التي تلت تلك الحروب والمتمثلة في المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح بما يتعلق بحرب 1994، والمؤتمر الشعبي العام وجماعة الحوثيين، بما يتعلق بحروب صعدة، ولكن مع الأسف لم يبادر أي من الأطراف لتقديم الاعتذار، وهو اعتذار مطلوب اليوم من حزب المؤتمر الشعبي العام ومن التجمع اليمني للإصلاح، ونأمل منهما المبادرة في تقديم الاعتذار للمساهمة في إزالة حالة الانقسام بين الجنوبيين والشماليين ولاستعادة اللحمة الوطنية".

وأكد المخلافي أن ثمّة مؤشراً إيجابياً لإيجاد مصالحة سياسية يتمثل في اتفاق الأحزاب والمكونات السياسية في إطار هيئة التشاور والمصالحة على إصدار وثيقة للمصالحة السياسية بين هذه المكونات يُنتظر إعلانها الشهر المقبل، وتوجت هذه الخطوة بإعلان الأحزاب والمكونات السياسية في مطلع هذا الشهر في محافظة عدن بدء الإعداد لتشكيل تحالف سياسي واسع. وفي هذا السياق رأى أن نجاح مثل هذا التوجه يعد ضمانة أساسية للسير في استعادة الدولة والعودة إلى العملية السياسية والانتقال إلى بناء الدولة الوطنية الاتحادية في ظل توافق وطني شامل، وضمانات تحقق إزالة المخاوف لدى كل الأطراف، وبهذا سيتحقق كما نأمل إيجاد الحل العملي لإنهاء الخلافات والصراعات والحروب، وسيتوفر لمختلف مناطق اليمن ولكل مواطن الشراكة العادلة في السلطة والثروة وإنهاء تقاليد احتكارهما من قبل مناطق أو قبائل بعينها".

من جهته، قال رئيس الدائرة السياسية للتنظيم الناصري، عبد الله المقطري، إن "عظمة الوحدة اليمنية تكمن في مدى أبعادها الجيوسياسية والديموغرافية وتنوع ثرواتها الاقتصادية واستغلالها بالطريقة الأمثل في التنمية الشاملة المستقلة، وبناء نظام سياسي تعددي وديمقراطي في ظلّ دولة القانون والحكم الرشيد". وبرأي المقطري فإنه "لعظمة هذه الأهداف وإنجازها، كان من الطبيعي أن تواجه الوحدة اليمنية تحديات بحجم وعظمة أهدافها منذ البداية، وكانت مؤشرات ومعطيات الواقع المستهدفة للوحدة من أعدائها (محلياً، وإقليمياً، ودولياً) واضحة، وصلت إلى ذروتها بتفجير حرب صيف 1994، وما ترتب عليه من نتائج وممارسات سلبية خطيرة من الطرف المنتصر تهدد استمرار الوحدة". وأشار المقطري إلى أن "انقلاب الحوثيين العسكري في عام 2014 على الدستور والحكومة الشرعية ومخرجات الحوار الوطني شكّل التحدي الأخطر ليس على الوحدة اليمنية فحسب، ولكن على اليمن بصورة عامة، حيث فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الإقليمية والدولية، ووصلت الأوضاع إلى ما هي عليه اليوم على أرض الواقع".

وأعرب المقطري عن اعتقاده بأن الحل العملي للقضية الجنوبية بصورة خاصة وحل الأزمة اليمنية بصورة عامة بحكم تلازمهما، تبدأ أولى خطواته الموضوعية بالعمل على إنهاء انقلاب الحوثيين واستعادة الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي يقتضي بناء نموذج جاذب في المحافظات المحرّرة لقيام مؤسسات الدولة بمهامها الدستورية والقانونية، وتوفير الخدمات الضرورية للمواطنين". ولا ريب أن نجاح ذلك، برأيه، "يعتمد على توحيد كل المكونات في حكومة الشرعية وتوحيد مواقفها وإمكاناتها وأدائها السياسي والإداري، ودعمها للحكومة الشرعية للقيام بالعمل وفقاً للدستور والقانون، وتعزيز دورها وتواصلها مع المجتمع الدولي لتكون شريكاً فاعلاً في كل القضايا ذات العلاقة بالأزمة اليمنية من أجل الإعداد والتهيئة الإيجابية لاستعادة الدولة وفقاً للمرجعيات المتوافق عليها".

المساهمون