بعد استئناف مفاوضات جدة.. هل تنجح جهود الوساطة بوقف الحرب بالسودان؟

بعد استئناف مفاوضات جدة.. هل تنجح جهود الوساطة بوقف اشتباكات السودان؟

16 يوليو 2023
لاقى إعلان العودة إلى التفاوض ترحيباً من مختلف القوى السياسية السودانية (Getty)
+ الخط -

أعلن طرفا القتال في السودان، الجيش وقوات الدعم السريع، موافقتهما على العودة للتفاوض عبر منبر جدة، تحت الوساطة السعودية الأميركية، في محاولة لوقف الحرب التي بدأ يظهر فيها بوضوح عدم قدرة الطرفين على حسمها لصالحه، بعد مضي ثلاثة أشهر على بدايتها.

جاءت الموافقة بعد محاولات تدخل خارجي أخرى لوقف الحرب، من خلال قمة اللجنة الرباعية التابعة لمنظمة "إيغاد"، وقمة أخرى لدول جوار السودان، عقدت في العاصمة المصرية القاهرة، الأسبوع الماضي.

كما جاءت الموافقة، في وقت اشتدت فيه المعارك بين الطرفين، كان آخرها المعركة التي شهدتها مدينة الخرطوم بحري، شمال الخرطوم، والتي أوضحت عدم قدرة أي من الطرفين على حسم الحرب لصالحه، بعد مضي ثلاثة أشهر عليها.

وتبدو الخسارة في تلك المعارك أكبر في صفوف المدنيين، إذ راح آلاف الضحايا في تلك المعارك الدائرة وسط أحيائهم، كما هُجّر الملايين من منازلهم ما بين لاجئ ونازح، فيما طردت قوات الدعم السريع البعض من منازلهم، واستخدمتها سكناً لقواتها أو نقطة لإطلاق المدافع والصواريخ.

وخلال اتصال هاتفي جمع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، أكد الطرفان التزامهما المشترك بإنهاء الصراع في السودان، وفي بيان مشترك، أكد الوزيران الالتزام بتلبية الاحتياجات الإنسانية للشعب السوداني، وبعد ذلك البيان مباشرة بدأ الحديث عن استئناف التفاوض بين طرفي الحرب، عبر العملية التفاوضية لمنبر جدة.

وبعد أسبوع واحد من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع، في منتصف إبريل/ نيسان الماضي، تدخلت واشنطن والرياض في مسعى لوقف الحرب، بدايةً من خلال توافق على هدنة قصيرة، ثم وقف إطلاق نار دائم، ثم مفاوضات شاملة لمعالجة أسباب الحرب كاملة، وفي أكثر من مرة اتفق الطرفان على هدن قصيرة، لم يجر الالتزام بغالبيتها، فيما أعلن الجيش وبشكل مفاجئ تجميد مشاركته في منبر جدة، ثم عاد مرة أخرى، لكن المفاوضات لم تتقدم إلى الأمام، وهو ما دفع إلى تعليق المحادثات.

ومع انعقاد قمة رباعية "إيغاد"، وقمة دول الجوار، وجد منبر جدة التفاوضي دعماً من القمتين، مشروطاً بتنسيق الجهود كافة، لتعمل كلها في مبادرة واحدة.

وخرج نائب القائد العام للجيش السوداني وعضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي، أمس السبت، في حوار مع قناة "الجزيرة"، كشف فيه عن استعدادهم للتفاوض عبر منبر جدة، وانفتاحهم على أي مبادرة جادة لوقف الحرب، تضمن الحفاظ على السيادة الوطنية، ودعا لحوار موسع وشامل، مشيراً إلى تقدم في المبادرة السعودية الأميركية، وذكر الكباشي أنّ الحوار المطلوب يجب أنّ يفضي لتشكيل حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية وتهيئ البلاد للانتخابات.

وفي اتصال بينه وبين الرئيس الكيني وليام روتو، أكد قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، استعداد الحكومة السودانية لوقف إطلاق النار متى ما استجاب متمردو قوات الدعم السريع، وأخلوا مساكن المواطنين، ومراكز خدمات المياه والكهرباء والطاقة، والمستشفيات، والأعيان المدنية، والمقرات الحكومية، كما أكد أهمية منبر جدة، موجهاً الشكر للحكومة السعودية والأميركية لتسهيل عملية التفاوض.

في الأثناء، كشفت مصادر لـ"العربي الجديد"، عن عودة وفد الجيش للمفاوضات لمدينة جدة، ومن المتوقع أنّ يكون قد لحق به وفد "الدعم السريع" خلال الساعات الماضية، تمهيداً لاستئناف المفاوضات.

ولاقت رغبة طرفي الصراع في العودة إلى التفاوض، خصوصاً مع تصريحات الفريق الكباشي، ترحيباً من مختلف القوى السياسية، تحديداً قوى إعلان الحرية والتغيير، التي عدت كل ذلك متسقاً مع دعوتها منذ أول يوم لوقف الحرب، ودعت قادة القوات المسلحة والدعم السريع للإقبال فوراً على طاولة المفاوضات بمنبر جدة، في محاولة لبدء التفاوض حول تفاهمات عاجلة للتوصل لوقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب.

وأكد حزب الأمة القومي في بيان منفصل، استعداده لـ"تجسير الهوة بين الطرفين"، في سبيل "إنجاح المفاوضات واستعادة مسار العملية السياسية، من أجل الوصول لحكومة مدنية انتقالية أولويتها الإصلاح الأمني والعسكري، ودمج الجيوش".

وقال القيادي في قوى إعلان الحرية والتغيير عروة الصادق، في حديثه مع "العربي الجديد"، إنّ عودة طرفي القتال لتفاوض جدة هو أمر مبشر في حد ذاته، لأنه يفتح أملاً بإيقاف الحرب، وكشف أنّ مفاوضات سرية كانت تجرى بجدة بين الجانبين، تحت الرعاية السعودية، بعد مغادرة الوسيط الأميركي، مبيناً أنّ الأمل معقود الآن على التفاوض المباشر للوصول لوقف إطلاق نار دائم، يمهد لعملية سياسية، تستعيد مسار التحول الديمقراطي في البلاد، وتحقن قبل ذلك دماء السودانيين.

وأوضح الصادق أنّ ما يجعل من الجولات المقبلة مختلفة عن سابقتها، هو الرسائل العديدة التي وصلت لبريد الطرفين من دول العالم، وتحديداً من قمتي أديس أبابا والقاهرة، إضافةً إلى زيارة نائب البرهان في مجلس السيادة مالك عقار إلى روسيا، مضيفاً: "كل تلك الرسائل مفادها بأنّه لا حل سوى التفاوض، كما أنّ الطرفين، وقوات الدعم السريع، على وجه الخصوص، يشعران باستنزاف بشري، بالتالي وجب عليهما وقف القتال والبحث عن حلول سلمية".

ويحذر القيادي بقوى إعلان الحرية والتغيير من "أصوات التحريض من قبل النظام البائد"، لأنها بحسب تقديره هي الخطر الأكبر على مفاوضات جدة، وربما أدت لإفشالها، وهناك خطر آخر يتمثل في تصاعد العمليات العسكرية أثناء التفاوض، بالتالي تكون الحاجة أكثر إلحاحاً لوقف إطلاق النار أثناء التفاوض.

من جهته، قال مستشار قوات الدعم السريع أحمد عابدين لـ"العربي الجديد"، إنّ لقوات الدعم السريع موقفاً واضحاً جداً مع جلب السلام للبلاد، لأن شعبها يستحق وضعاً أفضل بكثير عما هو عليه الآن، وأنها تدرك أنّ إطالة أمد الحرب يفتح الباب أمام تحولها لحرب أهلية شاملة، وهو ما يرغب فيه ويخطط له أعداء السلام من المتشددين داخل النظام البائد.

وأوضح عابدين أنّ "السودان الآن يعيش بدون سلطة مركزية، لذا تزداد التخوفات الإقليمية من انتقال الحرب لدول أخرى، ويخشى العالم أن تكون الحرب في السودان مهدداً للأمن والسلم الدوليين".

وأضاف عابدين أنّ دول الجوار ومنظمة "إيغاد" ومن خلفهم العالم أجمع، يؤمن بأنّ منبر جدة التفاوضي يوفر كل عوامل النجاح، كما أنّ معرفة كل من السعودية والولايات المتحدة العميقة بتعقيدات المشهد في السودان هو جانب إيجابي آخر، وشدّد على "أهمية استرداد الجيش السوداني قراره المختطف بواسطة الإسلاميين"، وأبدى تخوفه من "عدم التزام الطرف الآخر بما يجري الاتفاق عليه من هدنة أو وقف إطلاق نار دائم".

وأكد عابدين أنّ قوات الدعم السريع لديها الإرادة الكافية للدخول في المفاوضات، وبإمكانها تقديم كل التنازلات التي تحقق السلام، وسوف تتمسك، ودون تنازل، بمبدأ وجود جيش مهني واحد يمثل كل السودانيين، ويرى فيه كل شخص نفسه، ودعا إلى "نظافة الأجهزة الأمنية والعسكرية من بقايا النظام البائد"، وإلى عودة الحكم المدني كاملاً.

إلى ذلك، يرى الصحافي عبد الماجد عبد الحميد، أنّ من أكبر مشكلات منبر جدة عدم جدية الوسيطين السعودي والأميركي، وعدم امتلاكهما آليات المراقبة والرصد لأي اتفاق يمكن أنّ يوقع.

وأوضح عبد الحميد لـ"العربي الجديد"، أنّ "الجيش السوداني سيدخل الجولات الجديدة وفي ذهنه تقديم تنازلات وفرض شروط أقل من شروطه التي طرحها في البداية، لأنه تعرّض لضغوط من الدول الصديقة، وكذا لضغوط داخلية، لذا سيكون أكثر حرصاً على الوصول لنقطة اتفاق، وذلك ربما يساعد منبر جدة على النجاح".

وحول أهم العقبات، قال الصحافي السوداني إنّ وجود تجاذبات وتعدّد مراكز القرار بقيادة الدعم السريع هو واحد من أهم العقبات، مضافاً إليها حالة التفلت وسط جنودها، وفشل القيادة في السيطرة عليهم، نافياً في الوقت ذاته تأثير الإسلاميين على مسار التفاوض، لأن الإسلاميين وعكس مما يظنه كثيرون هم في أضعف حالاتهم، ورغم مساندتهم للجيش، فإنهم لا يمتلكون أي رؤية سياسية للحل.

المساهمون