انهيار معاهدة القوات التقليدية بأوروبا: إقرار بالأمر الواقع

انهيار معاهدة القوات التقليدية بأوروبا: إقرار بالأمر الواقع

08 نوفمبر 2023
صواريخ "أس 400" الروسية في موسكو، مايو الماضي (Getty)
+ الخط -

مع استكمال روسيا عملية الانسحاب من "معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا" وردّ بلدان حلف شمال الأطلسي على ذلك بتعليق مشاركتها فيها لأجل غير مسمى، يتواصل مسلسل انهيار الاتفاقيات المكبّلة لأيدي موسكو والغرب بقيادة واشنطن في مجال الرقابة على الأسلحة ونشرها.

ومن اللافت أن الانسحاب الروسي النهائي من المعاهدة جاء بعد عدة أيام فقط على توقيع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على قانون سحب التصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. 

مع ذلك، ثمة مؤشرات تؤكد أن انتهاء سريان مفعول "معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا" لا يغير شيئاً على أرض الواقع، إذ إن موسكو قررت العزوف عن المشاركة في المعاهدة على نحو كامل منذ عام 2007، فلم تعد الوثيقة تعمل فعلياً بحلول ذلك الوقت، لتصل العملية إلى نهايتها المنطقية.

انهيار الاتفاقيات الأمنية

واعتبر كبير الباحثين في معهد المعلومات العلمية حول العلوم الاجتماعية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، بوريس ميجويف، أن انهيار الاتفاقيات الأمنية واحدة تلو الأخرى يعكس أزمة الحوار بين روسيا والغرب بلا تأثير فعلي على الأمنين الأوروبي والدولي.

بوريس ميجويف: لم تكن المعاهدة سارية المفعول على أرض الواقع

وقال ميجويف في حديث لـ"العربي الجديد": "بانسحابها من معاهدة الدرع الصاروخية في عهد الرئيس جورج بوش (الابن)، أطلقت الولايات المتحدة مسلسلاً للانسحابات من الاتفاقيات الدولية في مجال الرقابة على الأسلحة تواصل روسيا حلقاته اليوم، مما يكشف تفاقم أزمة الحوار بين موسكو والغرب". 

وقلل ميجويف من أهمية تأثير انهيار المعاهدة على أمن أوروبا، معتبراً: "في جميع الأحوال، أصبحت هذه المعاهدة قديمة كونها لا تعكس وقائع اندلاع النزاع العسكري في أوكرانيا، كما أنها لم تكن سارية المفعول على أرض الواقع".

ولم يستبعد ميجويف احتمال إبرام معاهدات جديدة ما بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا، قائلاً: "سيؤسس النزاع لنظام عالمي جديد قد يستند إلى حلفين أحدهما غربي يضم الولايات المتحدة وأوروبا، والثاني شرقي سيشمل روسيا وبيلاروسيا وبعض الجمهوريات السوفييتية السابقة في آسيا الوسطى، وقد تنضم إليه الصين، وإن كانت علاقة موسكو وبكين لا تشبه تحالفاً عسكرياً. أما أوكرانيا، فقد تصبح مقسمة بين هذين الحلفين".

من جهته، أقر المحلل السياسي المقرب من الكرملين، رئيس تحرير مجلة "روسيا في السياسة العالمية"، فيودور لوكيانوف، هو الآخر بأن "معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا" تم التوقيع عليها في وقائع مختلفة تماماً لا تمتّ إلى وضع اليوم بصلة.

وقال لوكيانوف في حديث لصحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الروسية الموالية للكرملين: "تعود هذه المعاهدة إلى عهد مختلف تماماً. أُعّدت أصلاً عند انتهاء الحرب الباردة (1947 ـ 1991)، ولكن في فترة استمرار وجود منظمة حلف وارسو (1955 – 1991)، إلا أنها دخلت حيز التنفيذ بعد انتهاء وجودهما".

وأوضح لوكيانوف أن الوثيقة المعدلة في العام 1999 جاءت لتتناسب مع الوقائع الجديدة لكنها لم تدخل حيز التنفيذ، مضيفاً: "لم تكن الدول الغربية تسرع للتصديق على معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا بذريعة تخاذل روسيا عن الوفاء بأمور محددة، وبصفة خاصة في ما يتعلق بوجود عدد ضئيل من قواتها في ترانسنيستريا (إقليم موالٍ لروسيا في مولدوفا). لكن فعلياً كانت الدول الغربية تسعى للحصول على مختلف الامتيازات لنفسها". 

وكانت وزارة الخارجية الروسية قد كشفت أمس الثلاثاء، عن استكمال روسيا إجراءات الانسحاب من "معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا". وذكرت الخارجية في بيان: "عند منتصف ليلة 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، انتهى الإجراء المنصوص عليه في معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا لانسحاب روسيا من هذه المعاهدة. وبذلك تكون الوثيقة القانونية الدولية التي علقت بلادنا العمل بها عام 2007، قد ذهبت إلى التاريخ بشكل نهائي بالنسبة إلينا".

فيودور لوكيانوف: تم التوقيع على المعاهدة في وقائع مختلفة لا تمتّ إلى وضع اليوم بصلة

 

وشددت الوزارة على أنه نظراً لما اعتبرته مسؤولية دول الأطلسي عن إشعال النزاع في أوكرانيا وانضمام فنلندا إلى الحلف، فإنّ "حتى الحفاظ الإجرائي على معاهدة الأسلحة التقليدية في أوروبا لم يعد مقبولاً من وجهة نظر الحفاظ على المصالح الأمنية الأساسية الروسية".

وكان بوتين قد وقع في 29 مايو/أيار الماضي، على قانون إلغاء "معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا" التي كانت تفرض قيوداً على عدد قطع الأسلحة والمعدات.

استبعاد أي تداعيات مباشرة

ومع ذلك، استبعد المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، حينها احتمال نشوب أي تداعيات مباشرة لروسيا، معيداً ذلك إلى أن الآلية كانت معطلة بالفعل، ليصبح الوضع مطابقاً لما هو قائم في الواقع. وأقر بيسكوف بـ"الفراغ الكبير" في مجال الرقابة على الأسلحة "الذي يجب ملؤه بتشريعات قانونية دولية بصورة عاجلة".

هذا وتم التوقيع على "معاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا" في باريس في 19 نوفمبر 1990 بين 16 بلداً عضواً في حلف الأطلسي، بما فيها بلجيكا وبريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة وغيرها من جانب، والدول الأعضاء في منظمة حلف وارسو (بلغاريا والمجر وبولندا ورومانيا والاتحاد السوفييتي وتشيكوسلوفاكيا) من جانب آخر. وعلقت روسيا مشاركتها فيها عام 2007 بذريعة تخاذل دول الأطلسي عن الوفاء بأحكام الوثيقة. 

المساهمون