النظام السوري يتذرّع بمكافحة المخدرات لإحكام قبضته على درعا

22 مايو 2023
قوات من النظام في درعا البلد، سبتمبر 2021 (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -

يتذرع النظام السوري بتعهداته للدول العربية بضبط الوضع الأمني في الجنوب السوري لمكافحة تهريب المخدرات، من أجل تعزيز قبضته الأمنية على قرى وبلدات محافظة درعا، في ظل الرفض الشعبي لعودة المحافظة إلى سلطة أجهزة الأمن.

وفي السياق، عقد رئيس فرع الأمن العسكري لدى النظام في درعا العميد لؤي العلي اجتماعاً، أول من أمس السبت، مع وفد من وجهاء بلدة النعيمة في ريف درعا الشرقي، وطالبهم بتسليم سلاح، وإجراء تسويات جديدة، على غرار ما حصل في مدن وبلدات أخرى في الفترة الأخيرة.

وأوضح المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود، لـ"العربي الجديد"، أن العلي اجتمع في مدينة درعا مع وفد من 20 شخصاً يمثلون أهالي بلدة النعيمة، وطالبهم بتسليم 50 بندقية آلية و15 مسدساً، وإجراء عملية تسوية جديدة لـ48 شخصاً من أبناء البلدة خلال مدة أقصاها يومين، في قصر الحوريات بدرعا المحطة.

طالب فرع الأمن العسكري في درعا أهالي بلدة النعيمة بتسليم سلاح وإجراء تسويات جديدة

وأضاف أبو محمود أن العلي هدّد أعضاء الوفد باقتحام البلدة في حال لم يُستجاب لهذه المطالب، مشيراً إلى أن الوفد لم يقدم إجابات فورية للعلي، لكن الكثير من الحاضرين عبّروا عن امتعاضهم من هذه المطالب.

وتخضع بلدة النعيمة لاتفاق التسوية الذي جرى في عام 2018 برعاية روسيا، التي منعت قوات النظام السوري من دخول البلدة حينذاك مقابل تسليم العشرات من أبناء البلدة أسلحتهم لقوات النظام. وتوجد اليوم في البلدة مجموعة تابعة للواء الثامن المدعوم من روسيا (سابقاً) والذي يعتبره النظام قوة خارجة عن سيطرته، على الرغم من تبعيته الشكلية للأمن العسكري، بسبب كون غالبية منتسبي هذا اللواء هم عناصر سابقون في "الجيش الحر" المعارض للنظام.

وقال أبو محمود إن النظام يسعى، كما يبدو، إلى جمع الأسلحة من أبناء البلدة وعناصر المعارضة، بمن فيهم المجموعة التابعة للواء الثامن، تحت ذريعة وقف تهريب المخدرات وجمع السلاح وضبط الأمن تمهيداً للانتقال إلى الخطوة التالية، المتمثلة بإعادة ألف لاجئ سوري شهرياً من الأردن، وفق تعهداته للدول العربية.

وكانت هذه التعهدات قد تضمنها البيان الصادر عن الاجتماع التشاوري لوزراء خارجية الأردن ومصر والعراق والسعودية، أيمن الصفدي وسامح شكري وفؤاد حسين وفيصل بن فرحان، مع نظيرهم في النظام السوري فيصل المقداد، في الأول من مايو/أيار الحالي، والذي دعا إلى إيلاء "العودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين أولوية قصوى"، مشيرا إلى ضرورة "اتخاذ الخطوات اللازمة للبدء في تنفيذها فوراً".

وأشار البيان إلى "التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، في تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، وأن يشمل ذلك في مرحلة لاحقة الدول الأخرى المستضيفة للاجئين السوريين".

احتمالات التصعيد في درعا السورية

من جهته، قال أبو عدي، القيادي السابق في "الجيش الحر"، لـ"العربي الجديد"، إن مطالب النظام وتحركاته الأخيرة في محافظة درعا "قد تضع المحافظة على أعتاب تصعيد جديد، بسبب فقدان الثقة بين الأهالي ومؤسسات النظام، وخصوصاً أجهزته الأمنية التي ذاق الناس منها الويلات خلال السنوات والعقود الماضية".

وتوقع أبو عدي أن تكون هناك استجابة جزئية لمطالب النظام، وفي حال أصر على تنفيذ كل مطالبه، فقد يؤدي ذلك إلى صدام مع المجتمع المحلي، سوف يمتد بالضرورة إلى المناطق الأخرى، بما في ذلك الصدام مع اللواء الثامن الذي يتمركز في ريف درعا الشرقي.

وتكرر هذا السيناريو في أكثر من بلدة خلال الآونة الأخيرة، كان آخرها ما جرى في بلدة أم المياذن (شرق مدينة درعا) التي سلّم الأهالي فيها قبل خمسة أيام 12 بندقية، وأجرى 25 شخصاً من أبناء البلدة تسويات جديدة مع النظام، مقابل الإفراج عن أحد المعتقلين لدى فرع الأمن العسكري في درعا.

يمهد النظام لإعادة ألف لاجئ سوري شهرياً من الأردن، وفق تعهداته للدول العربية

وجرت التسوية في أم المياذن القريبة من الحدود مع الأردن، برعاية اللواء الثامن الذي سلّم قائمة بأسماء الأشخاص الذين ينبغي عليهم إجراء التسوية، وتسليم عدد من قطع السلاح الفردي، وذلك بعد تهديدات مماثلة من فرع الأمن العسكري باجتياح البلدة وتهجير أي شخص يرفض إجراء عملية التسوية الجديدة.

وكانت أم المياذن شهدت، في الخامس من شهر مايو الحالي، احتجاجات وقطعاً للطرقات، على خلفية اعتقال أحد الشبان بعد مداهمة نفذتها مليشيات محلية تابعة لفرع الأمن العسكري بقيادة كل من عماد أبو زريق، ومصطفى المسالمة الملقب بـ"الكسم".
التنسيق مع الأردن

وفي الثامن من الشهر الحالي، استهدفت غارة جوية، يعتقد أنها أردنية، منزل مهرب المخدرات مرعي الرمثان في قرية الشعاب بريف السويداء الشرقي، ما أدى إلى مقتله مع زوجته و6 من أطفاله.

أما الموقع الثاني الذي جرى استهدافه في اليوم نفسه فكان في خراب الشحم في ريف درعا الغربي، حيث يوجد أحد مصانع الكبتاغون، وكان قد أُخلي قبل الغارة بالتنسيق مع أجهزة النظام الأمنية، التي سهلت هروب مصنعي ومهربي المخدرات المعروفين في محافظة درعا، وقامت في الوقت نفسه ببعض المداهمات الشكلية لأماكن منتجي ومهربي المخدرات، بعد الايعاز لهم بالتخفي خارج المنطقة، وفق ما أكد موقع "تجمع أحرار حوران" المحلي. 

وتوقف مراقبون عند حقيقة أن المجموعة التي تولت عمليات المداهمة، والتابعة للأمن العسكري، يقودها عماد أبو زريق، أحد المتهمين الرئيسيين بتجارة وتهريب المخدرات. وأبو زريق من الأسماء الواردة على لوائح العقوبات الأميركية والأوروبية التي صدرت أخيراً بشأن مكافحة تجارة المخدرات في سورية.

في حال أصرّ النظام على تنفيذ كل مطالبه، فقد يؤدي ذلك إلى صدام مع اللواء الثامن

وأكد المتحدث باسم "تجمع أحرار حوران" أيمن أبو محمود أن المداهمات تخص فقط المواقع التابعة لأشخاص مفضوحين أو تربطهم علاقة متوترة مع أحد أجهزة النظام الأمنية، ولا تشمل عشرات المواقع التي تشرف عليها هذه الأجهزة، أو "حزب الله اللبناني"، في منطقة اللجاة ومجمع الغزالي وفي أرياف محافظات درعا والسويداء والقنيطرة، والتي يقدر عددها بنحو 80 مكبساً لإنتاج حبوب الكبتاغون.

الفوضى الأمنية في درعا

وتعيش محافظة درعا، منذ استعادة قوات النظام السيطرة عليها في عام 2018، أجواء من الفوضى الأمنية، يعتبرها بعض الناشطين سياسة متعمدة من جانب النظام، هدفها معاقبة أهالي درعا على مبادرتهم للثورة ضده عام 2011 من جهة، ومن أجل إحكام سيطرته على المحافظة من جهة أخرى. ويأتي ذلك بعدما منعت اتفاقات التسوية التي جرت برعاية روسيا النظام من دخول العديد من البلدات، وسمحت للمقاتلين المحليين بالاحتفاظ بأسلحتهم الفردية. 

وفي إطار هذه الفوضى الأمنية، عثر الأهالي في بلدة الغارية الشرقية، أول من أمس السبت، على جثة الشاب عبود ناصر البصير في السهول الجنوبية للبلدة. ويتحدر البصير من منطقة شهبا بريف السويداء، وهو مدني لا يتبع لأي جهة عسكرية. كما أصيب المدعو حسام مستو بجروح إثر استهدافه بالرصاص من جانب مجهولين على الطريق الواصل بين مدينة درعا وطفس، غربي المحافظة. ويعمل مستو المتحدر من محافظة حلب نائباً لرئيس مفرزة الأمن العسكري في مدينة طفس.

كما انفجرت عبوة ناسفة في بلدة محجة شمالي درعا، ما أدى إلى مقتل العنصر في مليشيا الدفاع الوطني التابعة للنظام محمد فوزي الزهري، وإصابة آخر يُدعى مأمون الزهري بجروح بليغة، وسط إطلاق نار كثيف بالأسلحة الرشاشة من قبل عناصر الدفاع المدني المنتشر في البلدة، بحسب "شبكة أخبار درعا وريفها" المحلية.

المساهمون