المصالحة الفلسطينية: فرصة نتنياهو لشيطنة "حماس"... وأبو مازن

المصالحة الفلسطينية: فرصة نتنياهو لشيطنة "حماس"... وأبو مازن

27 ابريل 2014
جنود الاحتلال يعتقلون فلسطينياً في الخليل (حازم بدر/getty)
+ الخط -

في الوقت الذي تتفاعل فيه تداعيات المصالحة الوطنية فلسطينياً، ما بين ترقب لتحققها وتخوف من فشلها، تنصب الجهود الإسرائيلية، بقيادة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، نحو شيطنة الفلسطينيين، وتحديداً حركة المقاومة "حماس"، في أفضل خطة للردّ على المصالحة الفلسطينية، وتوظيفها لتبرير سياسة الاستيطان والاحتلال المتواصلة.

فقد زعم رئيس الحكومة الإسرائيلية، في مطلع جلسة الحكومة، صباح اليوم الأحد، والتي خصصت لإحياء ذكرى المحرقة ، أن حركة "حماس" تسعى إلى تنفيذ محرقة جديدة بحق اليهود. وقال إن "حماس" تنفي وقوع "هولوكوست"، من خلال سعيها إلى تنفيذ "هولوكست" جديد، قبل أن يتابع تحريضه بالقول إنها "الشريك الذي اختار (الرئيس الفلسطيني محمود عباس) أبو مازن أن يبرم معه حلفاً في الأسبوع الماضي، ونحن نأمل أن يترك هذا التحالف ويُعدّ لمسار السلام".

ويشكّل تصريح نتنياهو هذا مؤشراً واضحاً للخط الرسمي، الذي ستعتمده إسرائيل في ردّها على المصالحة، خصوصاً وأنّه يتزامن مع المراسم الرسمية التي تقيمها دولة الاحتلال سنوياً لإحياء ذكرى المحرقة النازية. ويمنح هذا التوقيت بالذات فرصة لإعادة توظيف النازية وذكرى المحرقة للتغطية على السياسة التوسعية والاستيطانية، والتنصل من مسؤولية فشل المفاوضات، دون أن يخشى الانتقاد بأنه يوظف المحرقة النازية لأهداف سياسية وحزبية.

وفي السياق نفسه، مهّد وزير الاقتصاد الإسرائيلي، نفتالي بينيت، لهجوم نتنياهو في تصريحات سابقة للإذاعة الإسرائيلية، قائلاً، صباح اليوم، إن حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" تقتل الإسرائيليين، بينما يسعى أبو مازن وحركة "فتح" إلى تحرير الأسرى، "لقد عملوا جميعاً في الماضي ضدنا، وها هم يعودون إلى ذلك مجدداً".

وتشي هذه المواقف الاسرائيلية بنية حكومة نتنياهو تعزيز حملة إعلامية ودبلوماسية لشيطنة الجانب الفلسطيني عبر نزع الشرعية عن حركة "حماس"، ووصمها بالإرهاب، وترديد عبارات عن ميثاقها التأسيسي، الذي يدعو إلى إبادة إسرائيل، وبذلك يكون من السهل على حكومة نتنياهو الطعن في مصداقية حكومة الوحدة الفلسطينية، ورفض التعامل معها، وفقاً لقرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، كما أعلن عنه يوم الخميس الماضي، والذي نص على أن حكومة إسرائيل لن تتفاوض مع حكومة فلسطينية تشارك فيها حكومة "حماس".

ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة المقبلة تركيزاً إسرائيلياً فظاً في توظيف ذكرى المحرقة النازية، وربطها بالمصالحة الفلسطينية، على غرار ما فعله نتنياهو في السنوات الأخيرة عندما وظف النازية لمقارنة صعود الحزب النازي إلى الحكم في ألمانيا قبيل الحرب العالمية الثانية مع النظام الإيراني، ليس فقط في عهد الرئيس السابق أحمدي نجاد، وإنما أيضاً بعد فوز الرئيس المنتخب حسن روحاني.

ويبدي نتنياهو جهداً خاصاً في هذا السياق للفت الأنظار عن التعنت الإسرائيلي، وخرق الاتفاقيات والتعهدات المتفق عليها مع الجانب الفلسطيني، لاستئناف المفاوضات في أغسطس/ آب من العام الماضي، خصوصاً أن التركيز على ملف المصالحة وشيطنة حركة "حماس"، واتهام أبو مازن بأنه ليس شريكاً للمفاوضات، يسمح له بمراكمة مكاسب حزبية داخلية ويعفيه من ورطة ائتلافية مع اليمين المتطرف في الحكومة.

وفي هذا السياق، لفت المراسل السياسي للقناة الثانية، أودي سيغل، إلى أن فرحة اليمين الإسرائيلي بالمصالحة مفهومة للغاية، لكنها توجب عليه أن يطرح لاحقاً برنامجاً سياسياً.

في المقابل لم يُخفِ عضو الكنيست المقرب من نتنياهو، تساحي هنغبي، المكاسب الإسرائيلية من المصالحة الفلسطينية، باعتبارها توفر غطاءً سياسياً لنتنياهو، يعفيه من تهمة الخداع، أمام الأميركيين، ويوفر لإسرائيل، عند الحاجة، الدعم الأميركي، المطلوب في الأمم المتحدة والمحافل الدولية، للردّ على محاولات فرض عقوبات ضد إسرائيل، كالمقاطعة أو إصدار قرارات تندد بسياسة الاستيطان.

وعلى المستوى الداخلي، فإن إعلان المصالحة، وقرار وقف المفاوضات، يوفر لنتنياهو عدّة أشهر من الاستقرار الحكومي، ويحول دون تورطه في قرارات سياسية كان يمكن أن تتسبب بانسحاب حزب "البيت اليهودي"، بقيادة بينيت، من الحكومة، بشأن تحرير أسرى الداخل، أو تجميد الاستيطان. ويعني هذا، في التوقيت السياسي الإسرائيلي، حصول نتنياهو على فترة هدوء داخلية، كان يتوق إليها للوصول إلى شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، موعد انتخابات مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، أملاً في فوز ساحق للجمهوريين، مما يعني تقييد إدارة  الرئيس باراك أوباما، والضغط عليها لمنع أي انتقاد أو قرار ضدّ إسرائيل.
ومع أن الكنيست سيعود إلى مزاولة عمله الأسبوع القادم، غير أنه سرعان ما سيخرج إلى إجازة الصيف مطلع يوليو/ تموز، التي تمتد إلى أواسط شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم. هذا يعني أن في مقدور نتنياهو الوصول إلى الانتخابات الأميركية، من دون حاجة إلى دفع ثمن مقابل تمديد المفاوضات نصف سنة ، أو المجازفة بهز ائتلافه الحالي.

وبهذا المعنى، تشكّل المصالحة هدية من السماء لنتنياهو؛ بمقدوره الآن التلويح بحماس "الشيطان الأكبر"، ليس فقط في وجه الإدارة الأميركية، وإنما قبل ذلك في مواجهة خصومه الداخليين من اليسار والوسط، وخاصة حزبي "الحركة" لتسيبي ليفني، و"يش عتيد" (هناك مستقبل) ليائير لبيد، لذلك لم يكن عبثاً دفاع وزير العلوم عن حزب "يش عتيد"، يعقوف بيري، عن حكومة نتنياهو والقول أمس للقناة الثانية إن الحكومة الحالية بذلت كل جهد مستطاع للوصول إلى اتفاق، لكن الفلسطينيين هم من أفشلوا هذه الخطوة.
ويأتي تشبيه نتنياهو لحركة "حماس" بالنازية، أو على الأقل اتهامها بالسعي إلى تنفيذ محرقة جديدة، كخطوة استباقية للرد على الانتقادت التي من شأنها أن تتهمه بالتسرع في إغلاق الطريق أمام المفاوضات، بدلاً من الانتظار عدة أسابيع لمعرفة ما قد ينجم عن الحكومة الفلسطينية الجديدة، واحتمالات إعلان حركة "حماس" قبول شروط الرباعية، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة كشرط للتعامل معها وفق إعلان الخارجية الأميركية قبل يومين.

 تبقى مفارقة أخيرة أن اتهامات نتنياهو لـ"حماس"، بالسعي إلى تنفيذ محرقة جديدة، جاءت في الوقت الذي نشرت فيه صحف إسرائيل اليوم أن الناجين من المحرقة النازية، والذين يعيشون في فلسطين المحتلة، يعانون من الفقر والمدقع، على الرغم من مليارات الدولارات التي حصلت عليها إسرائيل من ألمانيا، بعد الحرب العالمية الثانية، تعويضاً عن "هولوكوست". 

 

 

المساهمون