نظام القوائم النسبية الانتخابي الحل الأمثل بديلاً عن الصوت الواحد
مشروعي ذو الأركان الستة يُنعش الاقتصاد ولا يُكلّف الميزانية شيئا
تستعد الكويت لإجراء انتخابات جديدة لاختيار أعضاء مجلس الأمة (البرلمان)، والمقررة في 6 يونيو/حزيران الحالي، وهي الثالثة من نوعها خلال عامين ونصف العام فقط، منذ تقلّد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، منصب أمير البلاد، أواخر سبتمبر/أيلول 2020.
"العربي الجديد" قابلت مرشح الدائرة الثانية، ثامر خالد العنزي، وأجرت معه هذا الحوار الخاص، حول المشهد السياسي في الكويت، ومكمن الخلل في ظلّ أزماتها السياسية المتكررة، وعن مشروعه الذي ينوي حمله معه إلى البرلمان. وسألناه عن رأيه في النظام الانتخابي الحالي وماهية النظام الأمثل، وعن شكل تعامله مع أول حكومة مقبلة وما هو المطلوب منها، وبشأن رؤيته كونه قادماً من القطاع المصرفي، تجاه هذا القطاع وقطاعات المال والاقتصاد.
*تشهد الكويت أزمات سياسية متكررة على الرغم من تبدّل ثلاثة رؤساء للحكومات خلال السنوات الماضية، فأين يكمن موطن الخلل بالتحديد من وجهة نظرك؟
لو نعود في التاريخ، فإن الكويت قبل غزو العراق عام 1990، كانت مصدرّة وداعمة للقومية العربية، وكانت القومية هاجس كل مواطن كويتي. ودعمت الدولة ثورة الجزائر، كما دعمت جميع الحروب العربية، ومن ثم فوجئت البلاد بالغزو الصدّامي، وهذا سبّب هزّة لمنظومة الحكم في الكويت.
وأعتقد أن هذه الهزة ولّدت شعوراً بالانكماش والخوف، وأصبحت القومية العربية محلّ شك عند الأسرة الحاكمة والشعب الكويتي بعدما صرنا ضحية لها. وبعد التحرير، صار هاجس الكويت هو كيفية تأمين الشأن الخارجي من خلال الاتفاقات الأمنية، ومكافأة الدول الداعمة لها، والحذر من الدول التي أيّدت الاحتلال.
وعندما سيطرت مسألة تأمين الشأن الخارجي على الحكومة، أدى ذلك إلى أن تُهمل الشأن الداخلي، وفوجئنا بالكارثة بعد 20 أو 25 عاماً، بأن شأننا الداخلي منهار، وكذلك البنى التحتية منهارة وإلخ من الأمور.
وخلال هذه الفترة، أصبح الدستور الذي رسّخ المشاركة بالقرار بالنسبة إلى الحكومة مثل الورطة، وحدث هنا التصارع بين طرفي ميزان بقوة متساوية، من طرف الشعب الذي ينادي بالإصلاح والتمسك بالدستور، ومن طرف الحكومة التي تعتقد أنه يعني تدخّلاً في سلطاتها، ونحن إلى اليوم نعيش في دوامة هذا كلّه، وما زال يستحوذ على الحكومة الخوف من الغزو وعدم قناعتها بالدستور.
*برأيك ما هو الطريق إلى خروج الكويت من أزماتها المتعاقبة نحو الاستقرار السياسي؟
متى ما آمنت الحكومة ممثلة برئيسها بأن الدستور ومجلس الأمة شريكان في القرار والبناء، وبأن الغزو انتهى بلا رجعة، وبأن نصبّ تركيزنا على الشأن الداخلي مع وجود الاهتمام بالشأن الخارجي وليس لحسابه، وأن تؤمن السلطة التنفيذية بأنها شريكة مع السلطة التشريعية، وهذه هي المعادلة ببساطة لتنتهي معضلتنا السياسية.
العنزي: ما زال يستحوذ على الحكومة الخوف من الغزو وعدم قناعتها بالدستور
*ما هو مشروعك السياسي الذي تنوي حمله معك إلى البرلمان؟
مشروعي السياسي مختصر في أمرين: كيفية خلق توافق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن ثم الانتقال إلى التنمية.
خلق التوافق بين السلطتين مرتبط بركنين أساسيين: الأول رئيس مجلس الأمة المقبل، والذي نحن نعتقد أنه أحمد السعدون، عليه مهمة واضحة وهي كيفية عقد الجلسات بكامل أركانها، وكيفية التفاوض أو التوافق مع الحكومة على الالتزام بحضور الجلسات. وإن حصل اختلاف على قانون يتعامل معه وفق الدستور بإعادته إلى المجلس، وأن يضمن لنا الرئيس السعدون هذا الأمر.
الركن الآخر من التوافق، هو أن يبادر رئيس الحكومة هذا الإحسان بالإحسان، وأن يُقدّم برنامج عمل الحكومة مؤرخاً بمدة زمنية لبناء جسر الثقة. فإذا قدّم رئيس الحكومة هذا البرنامج مع حضور الجلسات، نضمن التوافق.
أما الإصلاح التنموي والذي ينادينا الشعب به، فهو خلق مدخول لمساعدة الأسرة أو المواطن الكويتي بدعمه من ناحية زيادة دخل الفرد، وهذا حماية مهمة للطبقة الوسطى، لأن الكويت متجهة إلى طبقة ذات دخل محدود، في ظل دولة غنية بعدد سكان قليل. واليوم أغلب الشعب بما يقدّر بـ345 ألف موظف، من ذوي الدخل المحدود.
إذاً هذا جرس إنذار يفيد بأن الطبقة الوسطى تنحسر، وهذه الطبقة هي المغذية للعلم والبحث والرياضة والأدب والفن وغيره، لأن الفقير لا يمكن أن يصرف على هذه المجالات إن لم يضمن عيشته، ولا الغني لأنه مكتف، فالطبقة الوسطى هي المغذي لكافة نواحي الحياة، وحماية الـ345 ألف مواطن كويتي بالإضافة إلى أسرهم ذات الدخل المحدود، هي بخلق فرصة استثمارية للدولة.
وعليه، تبنّيت قانوناً ذا ستة أركان اقتصادية للإصلاح: الركن الأول في معالجة جون الكويت (خليج الكويت في وسط شريطها الساحلي) الذي يُعتبر ثاني حاضن للأسماك في العالم. السمك يبيض في هذه المساحة ويغادر، لكن للأسف تموت هذه الأسماك لأن الجون ملوث، ونُضيّع ثروة تُقدّر بسبعة مليارات دينار كويتي (المليار الكويتي يساوي 3.252 مليارات دولار تقريباً). أما الركن الثاني فيكمن في تفعيل ميناء مبارك، أفضل ممر نقل تجاري بحري من ناحية الموقع، لكن العمل به متوقف على الرغم من أنه الميناء الوحيد.
الركن الثالث، يدور حول امتلاك الكويت مصادر الطاقة الشمسية وطاقة رياح، ولدينا محطة الشقايا للطاقات المتجددة ولكنها متوقفة، ونحن نحرق من الوقود والغاز ومشتقاته نحو 3 مليارات دينار كويتي دعماً للكهرباء فقط، وبتشغيل محطة الشقايا توفر الدولة هذا الإنفاق. أما الركن الرابع، فنحن مصدر للغاز لكن إنتاجه معطّل، وبإعادة تصديره، نخلق فرصاً استثمارية جديدة للدولة.
الركن الخامس، يقوم على تطوير معدات إنتاج نفط الكويت، حيث الإنتاج متوقف عند حد 2.8 مليون برميل يومياً، لأن معداتنا غير قادرة على أن تُتنج أكثر من ذلك، وبهذا نُضيّع مبالغ بالمليارات. والركن الأخير، ودائع الكويت الخارجية والتي تُقدّر بـ250 مليار دينار كويتي ذات عائد ربحي من 3 إلى 4 في المائة، لو نأخذ 1 في المائة فإنها كافية لدعم الميزانية. هذه الأركان الستة مهمة جداً لإنعاش الاقتصاد.
العنزي: لا يوجد عجز في ميزانية الكويت، نحن في أمان، ووظيفتنا خلق فرص للمستقبل
*ما رأيك في النظام الانتخابي الحالي وفق الصوت الواحد؟ وكيف ترى شكل النظام الأمثل الذي يحقق العدالة في تكافؤ الفرص بين الدوائر الانتخابية، خصوصاً في ظل التفاوت الكبير في أعداد الناخبين في كل دائرة؟
أولاً، نظام الصوت الواحد نظام محدود، والهدف منه السيطرة على أركان الدولة من خلال تقليل نسبة النجاح في الانتخابات والسيطرة على البرلمان.
ثانياً، في ألمانيا مثلاً، الناخب قبل التصويت يقرأ البرامج الانتخابية للمرشحين أو القوائم، ومن ثم يصوّت بناءً على هذا الأساس، ويردّ له النائب التحية بتقديم إنجازاته وفق نسب معينة، ويقول مثلاً أنه قلّل الجريمة بنسبة 2 في المائة، أو ساعد في التأمين الصحي بنسبة واحد في المائة، إلخ من أمور بالنسب المئوية، وهنا تطبيق مبدأ الشفافية أو الحكومة الرقمية التي يستند إليها إنجازه.
هذا الأمر نحن نفتقده، وأنا أعتقد أن نظام القوائم النسبية هو الحل الأمثل: كل قائمة تُقدّم برنامجها والناخب يُصوّت بناءً على هذا البرنامج، وفي الحالة هذه تتم محاسبة القائمة على برنامجها، لذا أتمنى أن يتحوّل النظام الانتخابي إلى نظام القوائم النسبية وفق برامجها ومشاريعها للدولة.
*ما هو شكل تعاملك مع أول حكومة مقبلة بعد الانتخابات؟ وما هو المطلوب منها؟
لا أرى التعاون مع الحكومة سُبّة، لكن تعاوننا مع الحكومة المقبلة مبني على حسن النية لكن بحذر، فإذا قدّم رئيس الحكومة برنامج عملها مؤرخاً بمدة زمنية محددة وبملامح واضحة، هذا مؤشر على أنه صادق ويرغب في العمل والإنجاز، وعلى هذا الأساس ندعمه بدعم برنامجه.
المطلوب من الحكومة المقبلة أن يتضمن برنامج عملها محاربة الفساد، وحماية أموال الشعب من خلال نظام الـ"بي أو تي" (عقود اتفاقات بين الدولة وشركات خاصة) والمزايدات والعقود، والمساهمة الحقيقية في رفع دخل الفرد ودعم المتقاعدين، وخلق فرص استثمارية للدولة، وأن يكون نحو مزيد من الحريات، وهذه الأركان الخمسة إن تضمنها برنامج عمل الحكومة، فنحن سنمُدّ أيدي التعاون بكل وضوح معها.
*ما هي رؤيتك كونك قادما من القطاع المصرفي والاقتصاد بشكل عام؟
بند الرواتب يستهلك أغلب ميزانية الكويت، وأنا من خلال خبرتي في القطاع المصرفي، أرى أنه إذا شجّعنا الشباب الكويتيين على أن يتوجهوا إلى القطاع الخاص، سيخف الضغط عن الميزانية بسبب بند الرواتب، وهذا ما أسعى إلى أن أتبناه لاحقاً عبر تشريعات.
*كيف باعتقادك يمكن أن تواجه الكويت العجز السنوي في الموازنة العامة الذي يفاقمه تذبذب أسعار النفط؟
لا يوجد عجز في ميزانية الكويت، وهذه بدعة ابُتدعت خلال فترة وباء كورونا، ومشروع الأركان الستة الاقتصادي الذي ذكرته لك سلفاً لن يكلف على الميزانية أي شيء لأنها موارد موجودة وتحتاج فقط إلى تفعيل، وباختصار نحن اليوم في أمان، ووظيفتنا أن نخلق فرصاً للمستقبل.
ثامر خالد العنزي في سطور:
عمل ثامر خالد العنزي في القطاع المصرفي لما يزيد على 18 عاماً، وتدرّج في القطاع حتى وصوله إلى منصبه الحالي نائباً للمدير العام في مصرف "بوبيان". حاصل على شهادة بكالوريوس في المحاسبة، وعلى شهادة ماجستير إدارة الأعمال المصغر في الخدمات المصرفية (mini MBA in banking)، ترأس الاتحاد الوطني لطلبة الكويت - فرع جمهورية مصر العربية عام 2002-2003، خاض انتخابات مجلس الأمة للمرة الأولى في الانتخابات الأخيرة، التي أجريت في 29 سبتمبر/أيلول الماضي، وحصل على 1529 صوتاً.