العلاقات الأوروبية التركية: مرحلة جديدة من الغموض

العلاقات الأوروبية التركية: مرحلة جديدة من الغموض

18 سبتمبر 2023
أتراك وسياح في شارع تقسيم بإسطنبول (Getty)
+ الخط -

دخلت العلاقات التركية الأوروبية مرحلة جديدة من الغموض والتباين وباتت مهددة بمصير مجهول، بعد تبني البرلمان الأوروبي قبل أيام تقريراً خلص إلى عدم إمكانية الاستمرار في مفاوضات انضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي في الوقت الحالي نتيجة الظروف الموجودة. وكانت تركيا تأمل تحقيق تقدم في هذا الملف، إذا ما منحت موافقتها على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مقابل تحقيق تقدم بملف انضمامها للاتحاد الأوروبي.

مراحل مختلفة بين تركيا والاتحاد الأوروبي

وتميزت العلاقات التركية الأوروبية بمراحل مختلفة من التباين، منذ الخطوة الأولى في مرحلة طلب العضوية عام 1959 وحتى اليوم، فيما شهدت العلاقات قبل ثلاثة أعوام ذروة التراجع نتيجة مواقف أنقرة المتعلقة بشرق المتوسط والخلافات حول اليونان وقبرص وليبيا وملفات حقوق الإنسان.

البرلمان الأوروبي اعتمد تقريره الأربعاء الماضي، ووافق عليه 434 عضواً ورفضه 18 عضواً، فيما تحفظ عليه 152 عضواً وكان يشمل تقرير تركيا لعام 2022. وتضمّن التقرير انتقادات لأنقرة في قضايا مثل الحقوق الأساسية وسيادة القانون، وتم نقل وجهة نظر فيه حول عضوية تركيا مع التركيز على التعاون، فيما رفض مقترح تعديل في التقرير تضمن إنهاء مفاوضات العضوية مع تركيا وذلك بأغلبية 460 صوتاً ولم يتم إدراجه في التقرير.

ذكر تقرير البرلمان الأوروبي أن عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد لا يمكن استئنافها في ظلّ الظروف الحالية

وأكد التقرير دعوة الاتحاد الأوروبي أنقرة إلى الامتثال بنسبة مائة في المائة لسياسة الاتحاد تجاه روسيا والعقوبات عليها، وطالبها بالموافقة على عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي بأسرع وقت ممكن. وشدّد على وجوب الالتزام بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ودعا إلى استقلال القضاء ووسائل الإعلام، فضلاً عن حقوق المجموعات العرقية والدينية المختلفة والنساء والمثليين. وتمّت دعوة تركيا إلى إحراز تقدم في الامتثال لتوجيهات الاتحاد الأوروبي وقوانينه المتعلقة بالبيئة والعمل المناخي.

ولاحظ التقرير أن السياسة الخارجية لتركيا لا تزال تختلف عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في العديد من الجوانب، فقد تم تضمين انتقادات بشأن الدور الذي لعبته تركيا في سورية والعراق وليبيا، وشدّد على أن الحل الوحيد في قبرص يقوم على أساس اتحاد فيدرالي بين الشطرين، وهو ما ترفضه تركيا. وذكر التقرير أن عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي لا يمكن استئنافها "في ظلّ الظروف الحالية" وأوصى ببدء عملية إيجاد إطار "موازٍ وواقعي" يغطي المصالح المتبادلة لمستقبل العلاقات.

ورغم عدم إلزامية تبني الاتحاد الأوروبي للتقرير، والانتقادات الشديدة من أنقرة على ذلك، إلا أنه لا توجد حتى الآن مرحلة واضحة من المباحثات بين الطرفين أو أي خريطة طريق، ويمكن وصف العلاقات التركية بدول الاتحاد الأوروبي بأنها متباينة ما بين جيدة ومتوسطة وسيئة، وهو ما يعمق المصير المجهول لمستقبل التعاون وانضمام أنقرة للاتحاد الأوروبي. وهذا الأمر بات يشبه ضرباً من الخيال لدى شريحة واسعة من الشعب التركي.

ورداً على التقرير الأوروبي، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، خلال مؤتمر صحافي بمطار إسطنبول مساء السبت الماضي، إن "الاتحاد الأوروبي يسعى للانفصال عن تركيا". وأعلن أن أنقرة ستجري تقييمها للتطورات، مضيفاً أنه "إذا لزم الأمر يمكن أن نفصل طريقنا عن طريق الاتحاد الأوروبي".

توترات جديدة

على الرغم من أن العلاقات بدأت منذ أكثر من نصف قرن بين الطرفين، انطلاقاً من عام 1959، إلا أنه لم يتم تحقيق المأمول من قبلهما. ففي عام 1963 تم توقيع اتفاقية تعاون اقتصادي بين الطرفين، لتتقدم تركيا في عام 1987 بشكل رسمي بطلب عضوية المجتمع الأوروبي آنذاك، وتبدأ في عام 1993 مرحلة المفاوضات في ما يتعلق بالاتحاد الجمركي.

ودخلت اتفاقية الاتحاد الجمركي حيّز التطبيق في عام 1996، لتحصل تركيا في عام 1999 باجتماع دول الاتحاد في هيلسنكي على صفة مرشح لعضوية الاتحاد الأوروبي. وفي عام 2001 قبِل المجلس الأوروبي ورقة شراكة وانضمام تركيا للاتحاد، وقرّر في عام 2004 بدء مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد. وفي العام التالي بدأت في لوكسمبورغ رسمياً المفاوضات المباشرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي للوصول إلى العضوية الكاملة، وركزت المفاوضات على الأجندة الإيجابية التي انتهت في عام 2014.

وشكلت المحاولة الانقلابية في تركيا عام 2016 مرحلة مفصلية في العلاقات، فأنقرة شعرت بعدم وجود الدعم الكافي من أوروبا للحكومة المنتخبة في البلاد، ليقرر البرلمان الأوروبي تجميد المفاوضات مع تركيا مؤقتاً. وفي عام 2018 وجدت اللجنة الأوروبية أن المفاوضات توقفت فعلياً بين الاتحاد وأنقرة، وفي عام 2019 تم تعليق المفاوضات بشكل كامل بين تركيا والاتحاد الأوروبي.

عام 2020 بلغت التوترات حداً كبيراً مع حراك أنقرة شرق المتوسط وفي ليبيا، حيث عارضت دول الاتحاد وعلى رأسها فرنسا واليونان وقبرص المواقف التركية، وكادت تصل إلى حد المواجهات العسكرية المحدودة، ولكن التطورات الدولية والاقتصادية اللاحقة دفعت إلى التهدئة ودخول مرحلة جديدة من الحوار.

بلغ التوتر حداً كبيراً مع حراك أنقرة شرق المتوسط وفي ليبيا

وفي يوليو/تموز الماضي، قالت لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الأوروبي إن مفاوضات الانضمام لن تبدأ بين الطرفين في ظل الظروف الحالية.

وبات أردوغان في الأشهر الأخيرة يتناول في الملتقيات الدولية الكبرى مسألة تعثر انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، وأن "الاتحاد يراوغ تركيا لمدة خمسين عاماً"، وهو ما ذكره في قمة حلف الأطلسي التي عقدت في ليتوانيا قبل شهرين، وكذلك في تصريحات بعد قمة العشرين التي جرت قبل أيام في الهند. ويُنتظر أن يتناول الرئيس التركي الموضوع على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة.

وكان الاتحاد الأوروبي قد شدد على أهمية العلاقات مع تركيا عقب انتخابات مايو/أيار الماضي الرئاسية والتشريعية في تركيا، والتي فاز بها أردوغان مجدداً بالحكم لخمس سنوات مقبلة، كما أن الظروف بعد حرب روسيا في أوكرانيا وضرورات توسعة الاتحاد الأوروبي ومسار انضمام السويد لعضوية الأطلسي كلها تعد ظروفاً مساعدة لعودة العلاقات، إضافة إلى دخول العامل الأميركي وموقف تركيا المتوسط بين روسيا وأوكرانيا.

ووقّعت تركيا والاتحاد الأوروبي اتفاقية إعادة القبول المتعلقة باللاجئين السوريين وذلك في عام 2016 وهو ما خفّف من أعباء أوروبا بمسألة اللاجئين مقابل دعم مالي كبير لأنقرة بلغ مليارات من اليورو. وكانت الاتفاقية تشمل رفع تأشيرات دخول الأتراك للاتحاد الأوروبي، ولكنها لم تصل لنتيجة أيضا لأنها تشمل 72 مادة تم إتمام 66 مادة منها أما بقية المواد الخلافية فتتعلق بوجهات النظر حول مكافحة الإرهاب. والرأي السائد حالياً أن مسائل تطوير الاتحاد الجمركي ورفع التأشيرات قد تشهد انفراجات في الفترة المقبلة، فيما مسألة العضوية ستبقى معلّقة، خصوصاً في ظل خطوط تركيا الحمراء حول مسألة قبرص والوضع في شرق المتوسط وبحر إيجة، والخلافات بما يتعلق بمكافحة الإرهاب.

إلياس كلج أصلان: مواقف الاتحاد الأوروبي ليست العامل الرئيسي الذي يحدد عضوية السويد في الناتو

ويرى الصحافي إلياس كلج أصلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "البرلمان الأوروبي ليس هيئة صنع القرار السياسي في الاتحاد الأوروبي، لذلك لا يمكن القول إنه سيؤثر بالتأكيد على العملية أو يوقفها مؤقتاً"، مضيفاً أن "البرلمان الأوروبي هو أداة للنقاش السياسي والدبلوماسي، وأداة مساومة لسياسات المفوضية". ويعتبر كلج أصلان أن "الانتقادات التي جاءت في التقرير كانت مؤشرات على ما قد تريده الهيئة في عملية تنشيط مفاوضات العضوية، وجزء كبير منه هو النقد المتحيز، وسيكون رد فعل تركيا على بعض الانتقادات قاسياً، وجاء الرد من أردوغان بقوله إذا لزم الأمر، فسنقطع العلاقات، كما لو كان الاتحاد الأوروبي يريد ذلك".

ويشير الصحافي إلى أن "عضوية السويد في حلف شمال الأطلسي تعتمد على قضايا أخرى غير التقدم في عملية الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، إذا أعطت السويد والاتحاد الأوروبي بشكل عام أهمية لأولويات تركيا ضد الإرهاب وإذا غيرت الولايات المتحدة نهجها بشأن قضايا مقاتلات أف 35 وأف 16، وأعتقد بأن قرار البرلمان التركي سيكون إيجابياً". ويوضح أنه "بعبارة أخرى، فإن مواقف الاتحاد الأوروبي ليست العامل الرئيسي الذي يحدد عضوية السويد في الناتو".

كما يعرب كلج أصلان عن اعتقاده بأن "الاتحاد الأوروبي أغلق قضية عضوية تركيا بشكل كامل، لكنهم لن يقولوا ذلك أبداً بهذه الطريقة، وأنقرة تدرك ذلك تماماً، لكنها لن تقول أبداً إننا تخلينا عن العضوية ونسحب ترشيحنا، وسوف تستمر الأطراف في استخدام قضية الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي أو سلبي عندما تكون في صراع أو عندما يكون التعاون مطلوباً، لكنها لن تصل أبداً إلى نتيجة".

من جهته، يرى المحلل السياسي محمد جيرين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "لا خيارات أمام تركيا والاتحاد الأوروبي في ظل الظروف الحالية إلا التلاقي والتفاهم والحوار، على الرغم من أن مسألة الانضمام أصبحت من شبه الماضي إلا أن السياسة لا تعرف العواطف وتعتمد على الوقائع السياسية، وهي التي تنتهجها الحكومة التركية أخيراً".

ويلفت المحلل السياسي إلى أنه "من المتوقع أن تحصل لقاءات أو خطط على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وستكون هناك لقاءات تركية أوروبية في هذا الصدد، وربما نشهد بالفترة المقبلة قدوم وفود أوروبية عديدة ولقاءات متبادلة، إلا أن الشارع التركي بات شبه مقتنع باستحالة ذلك، لكن هناك آمالا متعلقة بمسألة رفع التأشيرات".

ويشدد جيرين على أن "مسألة رفع التأشيرات ستكون مهمة للحكومة في الفترة الحالية وستعزز من مكانتها، خصوصاً أن خطاب السياسة الخارجية هو خطاب شعبوي لدى السياسيين الأتراك، وأعتقد أن تركيا هي الطرف الأضعف ولهذا عادت للسياسة الواقعة في العلاقات مع دول المنطقة، وهو ما يعني أننا ربما نشهد مفاجآت ومواقف جديدة بالمرحلة المقبلة، رغم تقرير البرلمان الأوروبي ورغم غموض المرحلة".

المساهمون