الجزائر... الأجهزة والمتغيِّر

الجزائر... الأجهزة والمتغيِّر

27 يوليو 2022
الإصلاحات في المستقبل يفترض أن تطاول المؤسسة الأمنية (Getty)
+ الخط -

خبر مرّ في الجزائر كما لو أنه جملة عابرة في حديث سياسي. التغييرات التي حدثت على رأس الجهاز الأمني (الاستخبارات)، ونقل مدير جهاز الأمن الداخلي عبد الغني راشدي إلى قيادة الأمن الخارجي التي كان يقودها كمال مجدوب، والذي نقل الى قيادة الأمن الداخلي، لم تلفت الانتباه ولم تثر أي نقاش في الجزائر. وهذا ليس وضعاً طبيعياً في الجزائر، بالنظر إلى الدور المركزي للمؤسسة الأمنية في البلاد.

في الحالة الجزائرية ظلّت المؤسسة الأمنية العصب الحيوي للحكم ومهندس فاعل في تركيبة النظام السياسي القائم، وفي الاختيارات التي انتهجتها البلاد. وفي كل مرحلة كانت تتراجع فيها النخبة السياسية العضوة في مؤسسة الحكم، كانت المؤسسة الأمنية تحتل مساحة أكبر ويتعاظم دورها.

وفي الغالب كل حديث عن تمركز العسكر في الحكم، وتأثيرهم في السياسات - حتى وان كان لهذا التمركز ظروف تاريخية وسياقات الموضوعية -، فان المقصود بذلك بالدرجة الأولى هو الجهاز الأمني.

في العقود المتأخرة من عمر الاستقلال، تغلغل هذا الجهاز الاستخباراتي بشكل أكبر في الحياة الجزائرية ومناحيها، في السياسة والأحزاب، وأدى دوراً في تشكيل أحزاب وتفكيك أخرى. كما تغلغل في المؤسسات الرسمية والإدارات، وفي المجتمع المدني والنقابات، في الإعلام والتلفزيون والوسط الثقافي. ولم تكن هناك مقاومة لهذا التمدد.

الظروف التي مرّت بها البلاد لم تكن توفر أية عوامل للمقاومة، أو للحد من هذا "التغول" الذي انعكس سلباً على الجزائر في اتجاهين، تضخم المؤسسة الأمنية إلى درجة فقدانها التوازن وارتباك دورها الوظيفي، وتحولها إلى عبء يعطل كل محاولة للتغيير والتقدم نحو الخيارات التحديثية.

للأسباب سالفة الذكر، يبدو أنه من غير الطبيعي سرعة التغييرات التي يشهدها الجهاز الاستخباراتي في الجزائر، (ثاني تغيير في ظرف شهرين والرابع من نوعه في ظرف عامين بالنسبة للأمن الخارجي)، و(الثالث من نوعه في جهاز الأمن الداخلي في ظرف عامين).

يعطي ذلك مؤشرين على حد نقيض. الأول سلبي لكون أن هذه التغييرات المتسارعة قد تشير إلى وجود ارتباك في الهندسة الأمنية وفي تحديد الدور الوظيفي وفي تركيز رجالات المرحلة الذين تعتقد السلطة أنهم الأقدر على إدارة هذه الأفرع الحيوية للدولة والبلاد، وفي ظرف بالغ الحساسية في المتطلبات الأمنية للجزائر.

أما المعطى الإيجابي، فهو أن هناك حالة تطبيع مع الجهاز وموضعه في الهيكل المؤسسي للدولة، وإزالة نسبية للغموض الكثيف الذي رافقه ووظيفته ورموزه لعقود، (كان الحديث عن شخصيات الجهاز محظور سياسي)، وهذا يعني أن هناك تجاوزاً في الذهنية الجزائرية لذلك، ضمن بدايات لوضع المؤسسة الأمنية في حجمها الطبيعي، (برز ذلك خاصة خلال الحراك الشعبي).

وهذا يفرض أن تأخذ أية إصلاحات سياسية في المستقبل، بعين الاعتبار خطة إصلاح تمس المؤسسة الأمنية أيضاً، من حيث تحديد وضعها وصلاحياتها، واستبعادها من أي دور يمكنها من إعاقة التقدم نحو التغييرات الضرورية، على الصعيد السياسي والاقتصادي، وخفض تأثيرات العقل الأمني الذي يقع في خصومة في كثير من الأحيان مع الشفافية والمبادرة الاقتصادية خصوصاً.

المساهمون