التوتر الصيني الأميركي يحضر بحوار شانغريلا: فرص ضئيلة لإذابة الجليد

التوتر الصيني الأميركي يحضر بحوار شانغريلا: فرص ضئيلة لإذابة الجليد

02 يونيو 2023
أوستن في طوكيو أمس (الأناضول)
+ الخط -

ينطلق اليوم الجمعة، في سنغافورة، أحد أهم المنتديات الأمنية الدولية، أو ما يعرف بـ"حوار شانغريلا"، حيث يجتمع وزراء دفاع وعسكريون ومسؤولون أمنيون من حوالي 49 دولة، من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا والصين وكوريا الجنوبية واليابان، لمناقشة سبل التعاون الأمني والقضايا الدفاعية. ويخيّم على المنتدى هذا العام، التوتر الأميركي الصيني المتصاعد، وقضايا الأمن الخاصة بمنطقة المحيطين الهادئ والهندي، بالإضافة إلى التهديدات الكورية الشمالية. ويرتقب خلال المنتدى أن تتبادل بكين وواشنطن رسائل التحذيرات بطريقة غير مباشرة، علماً أن فرص إذابة الجليد بين البلدين قد تبدو صعبة على هامش المنتدى.

وعادة ما يحضر وزير الدفاع الأميركي هذا الاجتماع السنوي، وتمثل المناسبة فرصة للتقارب الأميركي - الصيني، حيث اعتاد الجانبان خلال السنوات الأخيرة الماضية عقد لقاءات ثنائية بين وزيري دفاعهما على هامش المنتدى. ولكن هذا العام، لا يبدو أن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن ونظيره الصيني لي شانغ فو، سيلتقيان، بعدما رفضت بكين دعوة أميركية لعقد لقاء بين الوزيرين على هامش منتدى سنغافورة الدفاعي.

وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية، تان كه، في تصريحات صحافية، أول من أمس الأربعاء الماضي، إنه يتعين على الولايات المتحدة تحمل المسؤولية الكاملة عن الصعوبات الحالية التي تعيق التبادلات العسكرية بين البلدين. ولفت إلى أنه لا يمكن أن ينعقد الحوار بين الجيشين في ظل غياب الالتزام بالمبادئ المتفق عليها، مستنكراً تعهد الجانب الأميركي بتعزيز الاتصالات من جهة، وخلقه عقبات من جهة أخرى، دون أدنى تقدير لشواغل الصين.

أعرب أوستن عن "أسفه" لرفض نظيره الصيني الاجتماع به

وتؤكد واشنطن أن الصين ترفض مراراً الطلبات الأميركية للتبادلات على مختلف المستويات بين الجيشين خلال السنوات الأخيرة. وأعربت كل من وزارة الخارجية الأميركية ووزارة الدفاع عن أسفهما لعدم وجود فرصة لانعقاد اللقاء بين أوستن وشانغ فو.

وأعرب وزير الدفاع الأميركي أمس الخميس، من طوكيو، عن "أسفه" لرفض نظيره الصيني الاجتماع به، لا سيّما في ضوء المناورات "الاستفزازية" التي قامت بها أخيراً مقاتلات صينية قرب طائرات عسكرية أميركية. وقال أوستن: "أعتقد أن هذا أمر مؤسف"، محذّراً من أنه بعد "عمليات الاعتراض الاستفزازية" التي نفذتها مقاتلات حربية صينية أخيراً، زاد قلقه من احتمال وقوع حادث "قد يخرج سريعاً عن السيطرة".

وأضاف الوزير الأميركي أمام الصحافيين: "لقد سمعتموني أتحدث مرات عدّة عن أهمية الدول التي تتمتع بقدرات كبيرة، وضرورة أن تتحدث مع بعضها حتى تتمكن من إدارة الأزمات ومنع الأمور من الخروج عن نطاق السيطرة من دون داع". وأبدى أوستن ترحيبه بـ"أي فرصة للتواصل مع لي. أعتقد أن وزارتي الدفاع يجب أن تتبادلا الحديث على أساس روتيني أو يجب أن تكون لديهما قنوات اتصال مفتوحة". وأضاف أن "عمليات الاعتراض الاستفزازية الأخيرة لطائراتنا وطائرات حلفائنا" من قبل الصين "مقلقة للغاية"، معرباً عن أمله في "أن يغيّروا أفعالهم، لكن بما أنهم لم يفعلوا ذلك بعد، فأنا قلق بشأن وقوع حادث في وقت ما يمكن أن يخرج عن نطاق السيطرة بسرعة كبيرة جداً".

وكان الجيش الأميركي قد كشف الثلاثاء الماضي أن طياراً حربياً صينياً قام "بمناورة عدوانية غير مبرّرة" يوم الجمعة الماضي بالقرب من طائرة استطلاع عسكرية أميركية كانت تحلّق فوق بحر الصين الجنوبي. وردّت الصين الأربعاء باتهام الولايات المتحدة بالقيام بـ"مناورات استفزازية وخطرة"، مؤكدة أن طائرة الاستطلاع الأميركية "توغّلت عمداً في منطقة التدريب التابعة لنا". وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد أعرب الأربعاء أيضاً، عن أسفه لفشل عقد الاجتماع الدفاعي بين البلدين.

توترات متزايدة بأوجه متعددة بين واشنطن وبكين

وشهدت العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، توترات شديدة خلال الأعوام الأخيرة الماضية، وتتكرر الصدامات بين الطرفين في منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، من خلال تحريك قطع عسكرية في المنطقة. وتبرر واشنطن أفعالها باعتبارها عمليات بحرية روتينية لضمان وتأكيد حرّية الملاحة، بينما تقول بكين إن التحركات الأميركية تهدد أمنها، وأنها لن تتوانى في الدفاع عن سيادتها وحدودها الإقليمية.

كما يشهد مضيق تايوان منذ الصيف الماضي اضطرابات غير مسبوقة على مستوى المناورات العسكرية، حيث طوّق جيش التحرير الشعبي الصيني جزيرة تايوان أكثر من مرة خلال العام الحالي، وأجرى في المضيق مناورات ضخمة (لاسيما ردّاً على زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي السابقة نانسي بيلوسي إلى تايوان في أغسطس/آب الماضي ثم لقاء رئيسة تايوان تساي إنغ وين رئيس مجلس النواب الحالي كيفن مكارثي في كاليفورنيا في إبريل/نيسان الماضي)، في وقت تعزّز الولايات المتحدة من تواجدها العسكري في المنطقة، وسط تحذيرات متكررة من بكين. وطلبت وزارة الخارجية الصينية الإثنين الماضي، من واشنطن، وقف تبادلاتها الرسمية مع تايوان "تحت غطاء التجارة".

علماً أن التوتر الصيني الأميركي، يحمل أوجهاً عدة أخرى، منها ما يرتبط بالمنافسة التجارية الحامية، وبالحرب الروسية على أوكرانيا والمطالب والدعوات والضغوط الغربية على الصين لعدم دعم موسكو. كما تعرضت العلاقات لانتكاسة كبيرة، بعد إسقاط الجيش الأميركي في فبراير/شباط الماضي بالون تجسس صينياً عبر فوق الولايات المتحدة (قالت الصين إنه ليس لأغراض التجسس)، ما دفع وزير الخارجية الأميركي حينها إلى إلغاء رحلة كانت مقررة إلى الصين، قبل يوم واحد فقط من موعدها.

تتكرر الصدامات بين الطرفين في منطقة المحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي، من خلال تحريك قطع عسكرية في المنطقة

وكان متابعون قد توقعوا أن تتحسن العلاقة بين الولايات المتحدة والصين خلال العام الحالي، وذلك بعدما اجتمع الرئيس الأميركي جو بايدن، بنظيره الصيني شي جين بينغ، في بالي الإندونيسية، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، على هامش قمة الـ20، حيث اتفقا على تعزيز الاتصالات وتذليل العقبات. وأكد بايدن من بالي حينها، أنه لن تكون هناك "حرب باردة جديدة"، ثم عاد ليؤكد في 17 مايو/أيار الماضي أنه سيتحدث مجدداً مع شي، من دون تحديد موعد لذلك. وقال بايدن أمام الصحافيين في واشنطن قبيل مغادرته لحضور قمة السبع في اليابان: "سواء أكان ذلك قريباً أم لا، سنلتقي"، في إشارة إلى شي.

عقبات أميركية واشتراطات صينية

وفي تعليقه على استمرار توتر العلاقات، رأى أستاذ الدراسات السياسية في معهد قوانغ دونغ، لين تشين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الصين كانت واضحة بشأن اشتراطاتها لعقد لقاء بين وزيري دفاع البلدين في سنغافورة، ولكن الولايات المتحدة هي التي أصرّت على تعنتها. وحول ماهية هذه الاشتراطات، أوضح لين تشين أن بكين طلبت رفع العقوبات الأميركية المفروضة على وزير دفاعها، في إشارة إلى فرض واشنطن عقوبات على الجنرال لي شانغ فو في وقت سابق، بسبب شراء الصين في عام 2017 طائرات مقاتلة من روسيا، من طراز "سو 35"، ومعدات أخرى متعلقة بنظام صواريخ أرض - جو من طراز "إس 400" في عام 2018. 

واعتبر الأكاديمي الصيني أن الإصرار على فرض العقوبات ينفي أي نيّة لدى واشنطن في تذليل العقبات، لذلك رأت بكين بأنه لا قيمة لأي لقاء على مستوى وزيري الدفاع في ظل هذه الأجواء المشحونة. فضلاً عن ذلك، فإن التعنت الأميركي، بحسب لين تشين، يرسل إشارات واضحة بعدم تقدير الطرف الصيني، "خصوصاً وأننا نتحدث عن وزير دفاع لا عن مجرد مسؤول أمني بسيط"، بحسب رأيه.

كما لفت لين تشين، إلى أسباب أخرى لها علاقة بحشد الولايات المتحدة حلفاءها في المنطقة ضد بكين، واستخدام منتدى شانغريلا نفسه كمنصة للترهيب من الصين في محاولة لاحتوائها وعزلها عن محيطها الخارجي. وفي السياق، أشار أيضاً إلى أن وزارة الدفاع الأميركية تعمل على تكثيف الضغط العسكري على الصين، من خلال إعداد خطط لنشر غواصة من طراز أوهايو في شبه الجزيرة الكورية للقيام بدوريات منتظمة، وهو أمر يثير قلق بكين وهنواجسها، بحسب قوله.

حرب باردة جديدة في الأفق

من جهته، اعتبر الأستاذ في معهد تسيونغ كوان للدراسات والأبحاث (مقره هونغ كونغ)، لي يانغ، في حديث مع "العربي الجديد"، أن فشل واشنطن وبكين في عقد لقاء على مستوى وزيري الدفاع، ينذر بأزمة ثقة كبيرة تعيد إلى الأذهان حقبة الحرب الباردة. وتوقع لي يانغ بناء على ذلك أن يكون منتدى شانغريلا هذا العام ساخناً، خصوصاً أنه سيشهد مشاركة الجانبين دون أن يجتمعا معاً بشكل منفرد. وتابع أنه كان يفترض أن يكون الحدث فرصة للمصافحة والمكاشفة وإعادة الدفء إلى العلاقات الفاترة، لكن ذلك لن يحدث. وحمّل لي يانغ المسؤولية للجانب الصيني، معتبراً أن بكين تتحدث عن عقبات وتريد طريقاً وردية، ولكن لو تم ذلك فإنه لن تعود هناك جدوى من اللقاء، فالأساس أن تطرح مثل هذه القضايا على طاولة الحوار، وليس السعي إلى حلّها قبل حتى التقاط صورة معاً.

ومن المقرر أن يرأس وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو، الوفد الصيني إلى المؤتمر، ومن المتوقع أن يجتمع مع عدد من نظرائه الأجانب. ووقع لي، وهو جنرال في جيش التحرير الشعبي الصيني تم تعيينه وزيرا في مارس/آذار الماضي، أمس الخميس، مذكرة تفاهم مع نظيره السنغافوري نغ إنغ هين للعمل على إنشاء خط هاتفي آمن "للاتصالات رفيعة المستوى بين قادة الدفاع" لكلا البلدين. ويعتقد خبراء صينيون أن مشاركة لي، في القمة الأمنية، رغم العقوبات المفروضة عليه، هو بادرة حسن نية من بكين التي قاطعت في دورات سابقة المنتدى لأسباب أقل بكثير من فرض عقوبات على مسؤوليها.

طلبت الخارجية الصينية من واشنطن، وقف تبادلاتها الرسمية مع تايوان تحت غطاء التجارة

أما أوستن، فمن المقرر أن يلقي خطاباً أمام المنتدى غداً السبت. وقال وزير الدفاع الأميركي أمس الخميس من طوكيو إن الولايات المتحدة واليابان تعملان على تحديث تحالفهما العسكري في مواجهة تهديدات الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

يذكر أن حوار شانغريلا انطلق في عام 2002 لكن بكين لم ترسل دائماً وزراء دفاعها كممثلين لها. وقد سعت في وقت سابق إلى التقليل من أهمية الحوار الذي يُنظر إليه على أنه منصة تهيمن عليها واشنطن وحلفاؤها الغربيون، وأرسلت مسؤولين من جيش التحرير الشعبي على مستوى أدنى. غير أن هذا النهج تغير عندما احتفل المنتدى بالذكرى العاشرة لتأسيسه في عام 2011. وأرسلت الصين حينها وفداً رفيع المستوى بقيادة وزير الدفاع آنذاك الجنرال ليانغ جوانغ لي.

يذكر أن التوتر بين الولايات المتحدة والصين، وازدياد منسوب تراجع الثقة المتبادل، ارتفع في عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي أطلق عهداً من العلاقات مع بكين، يشوبه الكثير من المواجهة التجارية، حيث فرض أيضاً عقوبات على شركات تكنولوجية صينية، فيما حافظ الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن على هذه المقاربة بشكل عام، ولو مع دفاعه المُعلن عن مبدأ التعددية وعلى ضرورة خفض التوترات والتنافس "بمسؤولية". ولكن على الرغم من لقاء شي وبايدن في بالي، خريف العام الماضي، واتفاقهما على مواصلة الحوارات الثنائية بين البلدين، إلا أن واشنطن واصلت سياستها المبنية على تعزيز الردع في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، ودعم تايوان، ما أثار حفيظة الصين.

وتبدي الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ أكثر من عقدين، قلقها من سياسات الصين التجارية، والوتيرة المتسارعة التي تتبناها بكين لتحديث جيشها، ومقاربتها المتشددة وغير الليبرالية بمسألة حقوق الإنسان. وارتفعت حدّة التوترات، مع تزايد ما تسميّه واشنطن وحلفاؤها استفزازات الصين في بحر الصين الجنوبي (المتنازع عليه بين الصين وعدد من الدول المطلّة على مياه هذا البحر)، وعسكرتها لمياهه وكذلك تحركاتها في مضيق تايوان، علماً أن المنطقتين تعدّان ممرين استراتيجيين من وجهة نظر أميركية، لاسيما لحركة التجارة العالمية.

وبالإضافة إلى ذلك كلّه، فإن تهديدات الصين باستعادة تايوان ولو بالقوة، دفعت إلى ارتفاع وتيرة الدعم الأميركي للجزيرة، التي تمثل نحو 92 في المائة من الإنتاج العالمي لصناعة أشباه الموصلات. وتقوم سياسة واشنطن حالياً، لمواجهة الصين، على الدفع بتشريعات في الداخل الأميركي، للحماية من التغلغل الصيني التجاري، وتقوية التحالفات في الخارج (تحالف كواد، أوكوس... ) لردع الصين. 


 

المساهمون