الانتخابات البلدية التركية: إسطنبول أم المعارك بعد تفتت التحالفات

16 فبراير 2024
يواجه إمام أوغلو منافسة قوية في إسطنبول (Getty)
+ الخط -

بعد أقل من عام على إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية التركية في مايو/أيار الماضي، تدخل الأحزاب السياسية الانتخابات البلدية التركية في 31 مارس/آذار المقبل، بخريطة سياسية جديدة مختلفة عن تلك التي شهدتها البلاد في انتخابات العام الماضي، مع انفراط عقد التحالفات، سواء التحالف الجمهوري الحاكم أو تحالف الشعب المعارض.

وباستثناء استمرار التعاون بين حزب "العدالة والتنمية" الحاكم، وحليفه حزب "الحركة القومية"، تكاد أغلب الأحزاب السياسية تخوض الانتخابات البلدية منفردة، وإن كانت للأحزاب حسابات مختلفة، إلا أن نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي جرت في مايو الماضي ألقت بظلالها على الانتخابات المقبلة بعد التراشق السياسي الذي تبع استحقاق العام الماضي.

إسطنبول ساحة المنافسة الأشرس في الانتخابات البلدية التركية

وتعد بلدية إسطنبول الكبرى ساحة التنافس الأبرز بين الأحزاب، وفيها يتنافس الحلفاء السابقون فيما بينهم، وتعد النسب التي حصلت عليها الأحزاب في الانتخابات البرلمانية الأخيرة محدداً لها في الترشيحات، إلا أن التحالفين البارزين خسرا أحزاباً عديدة، ما قد يؤثر على نتائج انتخابات إسطنبول.

التحالف الجمهوري الذي كان عماده "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية"، خسر حزب "الرفاه من جديد"، الذي يخوض الانتخابات منفرداً بعدما حقق 3.3 في المائة من الأصوات في إسطنبول بالانتخابات النيابية الأخيرة. كما أن أحزاباً أخرى كانت في التحالف الجمهوري تخلت عنه وهي لم تحقق أرقاماً كبرى في الانتخابات البرلمانية.

أما تحالف الشعب المعارض فيعد أكبر المتضررين إذ انفرط عقده، فالحزب "الجيد" الذي حقق في إسطنبول 8.23 في المائة في الاستحقاق البرلماني، وحزب "ديم الكردي" الذي خاض الانتخابات النيابية باسم "اليسار الأخضر" ودعم مرشح تحالف الشعب وحقق في إسطنبول 8.18 في المائة، قررا خوض الانتخابات بعيداً عن تحالف الشعب الذي كان يقوده حزب "الشعب الجمهوري"، فضلاً عن خوض أحزاب "السعادة" و"المستقبل" و"دواء" الانتخابات منفردة.

انفرط عقد تحالف الشعب المعارض، فيما خسر التحالف الجمهوري حزب "الرفاه من جديد"

ومع هذه الخريطة الجديدة، تبرز أسماء مرشحين اثنين لانتخابات بلدية إسطنبول، وهما الوزير السابق مراد قوروم عن "العدالة والتنمية"، الذي سيكون أبرز المنافسين لرئيس البلدية الحالي مرشح "الشعب الجمهوري" أكرم إمام أوغلو. ومن الواضح أن المنافسة ستكون بينهما على أشدها، ودعم ناخبي بقية الأحزاب سيكون عاملاً حاسماً، فإمام أوغلو حقق شعبية سياسية كبيرة في إسطنبول وتركيا، وقوروم لديه مواصفات للمنافسة الشديدة بدعم من الحكومة.

وحاز "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية الأخيرة في إسطنبول ما نسبته 35.73 في المائة من الأصوات، وحقق حليفه "الحركة القومية" 6 في المائة من الأصوات، فيما حصل "الشعب الجمهوري" على 28.5 في المائة من الأصوات في إسطنبول، فيما حقق حزب "العمل" 4.1 في المائة من الأصوات وقد يدعم ناخبوه مرشح "الشعب الجمهوري".

هذه الأرقام نظرياً تظهر تفوقاً لمرشح "العدالة والتنمية"، وعلى الرغم من ذلك فإن بعض استطلاعات الرأي تتحدث عن تقدم إمام أوغلو بين 1.5 و2 في المائة، فيما تظهر استطلاعات أخرى تقدم قوروم، في مؤشر على المنافسة المحتدمة في إسطنبول، خصوصاً مع سعي زعيم "العدالة والتنمية" الرئيس رجب طيب أردوغان لاستعادة المدينة. في المقابل، تحاول المعارضة تعويض خسارتها الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة والحفاظ على 11 بلدية كبرى تسيطر عليها من أصل 31، أبرزها إسطنبول والعاصمة أنقرة، إذ ستحدد الانتخابات المحلية مستقبل الخريطة السياسية في السنوات المقبلة.

انقسام التحالفات في إسطنبول

وإضافة لحزبي "العدالة والتنمية" و"الشعب الجمهوري"، سمى الحزب "الجيد" بوغرا قاونجي مرشحاً له في إسطنبول، وسمى حزب "ديم" الكردي وهو اختصار لـ"شعوب المساواة"، الاسم الجديد لحزب "اليسار الأخضر"، مرشحيه في إسطنبول، إذ قدّم مرشحين مشاركين هما ميال دانش بيشتاش ومراد تشبني، وسمى حزب "الرفاه من جديد" في إسطنبول مرشحاً هو محمد ألطن أوز.

ولا يختلف الحال في كبرى المدن حيث قدمت الأحزاب مرشحيها، إضافة إلى الأحزاب الصغيرة التي قدمت مرشحين كذلك. والتنافس في إسطنبول ينطبق على العاصمة أنقرة، حيث يسعى "الشعب الجمهوري" لإبقاء رئيس البلدية الحالي منصور ياواش، وينافسه من "العدالة والتنمية" تورغوت ألتن أوك، فيما سمى الحزب "الجيد" حنغيز توبال مرشحاً له في العاصمة. كما يستعد حزب "ديم" لتقديم مرشح له في أنقرة، وسمى في المدينة "الرفاه من جديد" مرشحه الوزير السابق وعضو "العدالة والتنمية" السابق سعاد كلج.

التنافس في إسطنبول ينطبق على أنقرة، حيث يسعى "الشعب الجمهوري" لإبقاء منصور ياواش

وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة في أنقرة، حقق "العدالة والتنمية" 32 في المائة من الأصوات، وحليفه "الحركة القومية" 10.2 في المائة، فيما حصل "الرفاه من جديد" على 2.7 في المائة. أما على الطرف الآخر، فقد حقق "الشعب الجمهوري" 30.8 في المائة، والحزب "الجيد" 13.1 في المائة، وحزب "اليسار الأخضر" 2.9 في المائة، ما يجعل المنافسة مشتعلة مثل إسطنبول.

ولا يختلف مشهد التنافس الحاد في كبرى المدن الأخرى، كإزمير وأنطاليا وبورصا وأضنة وقونيا ودياربكر، ويتباين التفوق النسبي لكل حزب في الولايات، فمثلاً في الغرب التفوق لـ"الشعب الجمهوري"، أما في ولايات الأناضول فهو لـ"العدالة والتنمية"، فيما في جنوب شرق تركيا يتقدم "ديم" الكردي. وهذه الخريطة الجديدة تجعل المنافسة أكبر، وتخلط الأوراق في طريق رسم خريطة المشهد السياسي الجديد في تركيا.

تأثيرات انقسام تحالف المعارضة التركية

وعن الخريطة الجديدة للانتخابات والتنافس بين الأحزاب، يقول الصحافي والكاتب إلياس كلج أصلان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "دخول أحزاب المعارضة بأكثر من مرشح يأتي نتيجة انقسامها بعد هزيمتها في الانتخابات البرلمانية، وهذا الانقسام جعل الحزبين الرئيسيين في المعارضة (الشعب الجمهوري والجيد) منافسين شرسين لبعضهما البعض، والكل يلوم الآخر على الفشل"، مشيراً في المقابل إلى أن "حزب العدالة والتنمية الحاكم حافظ إلى حد كبير على تحالفه، ما يعطي مرشحه في إسطنبول فرصة جدية".

ويلفت إلى أن "مراد قوروم في هذه المرحلة لديه أفضلية في سباق إسطنبول، بسبب البنية المتعددة الأطراف في المعارضة، إذ يتنافس الجميع بمرشحهم الخاص، كما أن هناك احتمالاً ألا تدعم قاعدة حزب الشعب الجمهوري إمام أوغلو بشكل كامل، بسبب الزعامة المزدوجة التي ظهرت بعد تغيير الرئيس، أحدهما إمام أوغلو والآخر أوزغور أوزيل، ما يضرّ بالحزب خلال الحملة الانتخابية، كما أن أنصار الرئيس السابق كمال كلجدار أوغلو مترددون أيضاً، ولا تزال صدمة الهزيمة في الانتخابات الأخيرة مستمرة".

ويعتبر كلج أصلان أن "الأسماء المقدمة تدل على وجود صراع داخل الحزب الكردي نفسه، وهذا تطور سلبي بالنسبة لإمام أوغلو في انتخابات إسطنبول، فيما يُعدّ تسمية "الرفاه من جديد" لمرشح أيضاً وضعاً سلبياً بالنسبة لـ"العدالة والتنمية"، لكن الانقسام في المعارضة كبير جداً لدرجة أن مراد قوروم يمكنه الفوز حتى بدون دعم حزب الرفاه من جديد".

من جهته، يقول الكاتب إسماعيل جوكتان، لـ"العربي الجديد"، إن "القوة الدافعة للتحالفات داخل صفوف المعارضة كانت هزيمة أردوغان، لكن هذا المسعى فشل في الانتخابات الماضية، وهو ما أدى لحصول تغيرات مهمة جداً، وتشتت داخل صفوف المعارضة، فقررت أغلبية الأحزاب خوض الانتخابات بشكل منفرد بما فيها الحزب الكردي".

جوكتان: أكرم إمام أوغلو يحظى بحظ كبير في الفوز على الرغم من تشتت التحالف المعارض

ويشرح أنه في "انتخابات بلدية إسطنبول عام 2019 فاز إمام أوغلو بتأثير التحالفات الانتخابية وخصوصاً الأصوات الكردية، لكن في حال خسارته لها سيكون فوزه مرة ثانية صعباً جداً، لا سيما مع ترشيح منافس قوي من قبل العدالة والتنمية مع الحفاظ على التحالف مع الحركة القومية"، لكنه يضيف أن "أكرم إمام أوغلو يحظى بحظ كبير في الفوز على الرغم من تشتت التحالف المعارض". ويوضح أن إمام أوغلو "يقوم بحملة قوية في شوارع إسطنبول، ونال قوة كبيرة داخل حزبه بعد إبعاد كلجدار أوغلو من رئاسة الحزب، وبالتالي يمكن القول إن احتمالية فوز المرشحين بإسطنبول قريبة جداً ولدى كل منهما فرص متساوية".

المساهمون