احتجاجات إيران: تجمّع في زاهدان والسلطات تتحدث عن "إفشال المخطط"

14 أكتوبر 2022
دعوات مستمرة للتظاهر في إيران(Getty)
+ الخط -

تراجعت وتيرة الاحتجاجات في إيران، لكنها لم تنته، مع دعوات مستمرة للتظاهر على شبكات التواصل الاجتماعي المحظورة.

ولا تزال إيران تشهد على فترات متقطعة تجمعات احتجاجية متفرقة في بعض المدن، وذلك بعد مرور أربعة أسابيع على وفاة الشابة مهسا أميني، التي فجرت موجة احتجاجات وردود فعل غاضبة واسعة، وسط تصويب رسمي مستمر على "العدو" الخارجي واتهامه بـ"تدبير" الاحتجاجات.

وانتشرت خلال الساعات الماضية المزيد من الفيديوهات عن التجمعات الاحتجاجية خلال يومي الأربعاء والخميس الماضيين، تتخللتها مشاهد تعنيف محتجين، وإطلاق النار واستخدام الغاز المسيل للدموع، وحالات كر وفر مع الشرطة، فضلا عن مهاجمة وضرب بعض قوات الأمن و"الباسيج" والشرطة، وذلك في ظل حجب مستمر لمواقع التواصل الاجتماعي، وتقييد الإنترنت الدولي، ووعود أميركية بتقديم تسهيلات للوصول إليه

وأكد المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، خلال لقائه ضيوف "مؤتمر الوحدة الإسلامية"، اليوم الجمعة، أن إيران "وقفت أمام القوى العالمية الكبرى وتحولت اليوم إلى شجرة قوية"، مضيفاً أنه "يخطئ من يفكر في اقتلاعها"، داعياً إلى الوحدة بين الدول الإسلامية وشعوبها، ومشددا على أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي "خيانة".

وفي اللقاء نفسه مع خامنئي، بحضور الضيوف الأجانب، اتهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي "أعداء إيران" بالسعي لخلق "مشكلة للبلاد في أعمال الشغب الأخيرة، لكن الشعب بصبره وصموده المعهود أحبطهم"، وفق الموقع الإعلامي لمكتب المرشد الإيراني الأعلى.

 

من جهته، قال القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، مساء اليوم الجمعة، في إشارة إلى الاحتجاجات الأخيرة: "لا تقلقوا على هذا الضجيج المثار على الفضاء الافتراضي، فثورتنا يجب ان تصفي حساباتها مع الأعداء الخارجيين مرة واحدة من حين لآخر"، مضيفاً أن "هذه التحديات لا تشكل تهديداً لثورتنا"، وفقاً لما أوردته وكالة "مهر" الإيرانية.

واليوم الجمعة، وفق مقاطع مصورة متداولة، شهدت مدينة زاهدان، مركز محافظة سيستان وبلوشستان، احتجاجات للمصلين بعد صلاة الجمعة، وسط رفع هتافات سياسية ضد السلطات.

وجاءت هذه الاحتجاجات بعد مرور أسبوعين على حوادث الجمعة الدامي في المدينة في 31 سبتمبر/أيلول، ذهب ضحيتها، وفق الأرقام الرسمية، 25 شخصاً، لكن نشطاء ورواية غير رسمية تشير إلى نحو 90 قتيلاً.

وتضاربت الروايات حول أسباب الحادث، إذ تتهم السلطات من تسمّيهم "انفصاليين وإرهابيين" بمهاجمة مقر للشرطة بالقرب من مسجد مكي الكبير في زاهدان، لكن نشطاء وخطيب جمعة أهل السنة بالمدينة المولوي عبد الحميد إسماعيل زهي يتهمون الشرطة بإطلاق النار باتجاه المحتجين المتجمعين أمام مقر الشرطة، مع دعوات للهدوء ومحاسبة المتسبيين بالحادث.

وخلال احتجاجات زاهدان، أواخر الشهر الماضي، قتل أيضاً 5 أشخاص من الحرس الثوري الإيراني، منهم القيادي العميد حميد رضا هاشمي، قائد استخبارات الحرس في مدينة زاهدان.

أيضاً، أفادت وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية بمقتل عنصرين من قوات الحرس الثوري، فجر اليوم الجمعة، في منطقة لارستان في محافظة فارس، جنوبي إيران، في حين أشارت وكالة "نور نيوز" المقربة من مجلس الأمن القومي إلى مقتل الرائد نور الدين جنغجو، والعضو في منظمة "الباسيج" التابعة للحرس هادي عرفاني نيا.

وذكرت وكالة "فارس" أن العنصرين قتلا خلال اشتباك مع شخصين كانا يعملان على كتابة "هتافات منتهكة للحرمات"، في إشارة إلى هتافات سياسية على الجدران.

ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد عن عدد قتلى الاحتجاجات الأخيرة التي اندلعت في السابع عشر من الشهر الماضي على وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من احتجازها لدى شرطة الآداب بتهمة عدم التقيد بالحجاب. لكن وكالة "فارس" الإيرانية، خلال الأسبوع الماضي، قدرت عدد القتلى بـ79 شخصاً، بينهم 19 من قوات الأمن والشرطة والحرس، لكن بعد ذلك أيضاً انتشرت أنباء عن مقتل عدد آخر من هذه القوات والمحتجين أيضاً في عدة مدن إيرانية.

ووفق أنباء غير رسمية وتقارير مؤسسات حقوقية خارج إيران، قتل ما لا يقل عن 9 أشخاص خلال الأربعاء الماضي، الذي شهد تجمعات احتجاجية متفرقة، وإضراب محلات تجارية في بعض المدن، منهم خمسة محتجين وأربعة من قوات الأمن والحرس في مدن كردية شمال غربي إيران.

إلى ذلك، أفادت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" المعارضة، ومقرها في أوسلو، الأربعاء الماضي، بمقتل ما لا يقل عن 201 شخص خلال الاحتجاجات في إيران. لكن هذه الأرقام تبقى غير رسمية في ظل عدم تأكيدها من قبل السلطات الإيرانية.

إلى ذلك أيضاً، قال وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، في آخر تصريحات له بشأن الاحتجاجات الأخيرة، مساء الخميس، إن "بعض مثيري الشغب تدربوا بالخارج، وكانوا يتقاضون 500 ألف تومان (15 دولارا)، على صناعة كل زجاجة حارقة"، متهماً إسرائيل ومنظمة "مجاهدي خلق" الإيرانية بتشكيل "خلايا متعددة خلال الاضطرابات الأخيرة".

وخلال الأيام الأخيرة، أعلنت السلطات المحلية في عدة محافظات إيرانية، منها طهران، إعداد لوائح اتهام ضد "العناصر الرئيسية" المشاركة في ما تصفه بـ"أعمال الشغب"، في إشارة إلى الاحتجاجات.

كما دعا رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلامحسين محسني إيجئي، أمس الخميس، القضاة الإيرانيين إلى تجنب إصدار "أحكام ضعيفة" بحق "العناصر الرئيسية"، ومطالبا إياهم بتخفيف عقوبة من سمّاهم "العناصر التي اقترفت ذنبا أقل".

في الأثناء، قال خطيب صلاة الجمعة في مشهد، رجل الدين أحمد علم الهدى، المعروف بمواقفه المتشددة، اليوم الجمعة، إن المحتجين في الشوارع هم "علمانيون ولامذهبيون"، مضيفا أنهم "إما يهدفون إلى الحصول على اللجوء (في الخارج) أو استغلال انتخابي"، مع اتهامه من وصفهم بأنهم "خواص" (شخصيات إيرانية) بـ"عدم البصيرة"، وفق ما أوردت وكالة "فارس" الإيرانية.

وبموازاة استمرار الاحتجاجات في إيران بشكل أو آخر، يتواصل التوتر بين طهران والغرب، على خلفية مواقف القوى الغربية واتهاماتها المستمرة للسلطات الإيرانية بقمع الاحتجاجات.

في السياق، نددت وزارة الخارجية الإيرانية، اليوم الجمعة، في إفادة صحافية، بتصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشأن الاحتجاجات، متهمة إياه بإطلاق "تهمة سياسية والتدخل"، وحث من وصفتهم بأنهم "دعاة العنف ومنتهكو القانون" على ارتكاب هذه الأعمال.

وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني إن "الاحتجاجات السلمية حق معترف به في الدستور الإيراني"، مبديا استغرابه من تنديد الرئيس الفرنسي ومسؤولين فرنسيين آخرين بما قال إنه "تصدي قوات الأمن لدعاة العنف والمشاغين".

وعرّج كنعاني على الإضرابات العمالية في فرنسا، وقال إن فرنسا تدعو الحكومة الإيرانية لـ"تجنب العنف واحترام حقوق المشاغبين" بينما "تهدد سلطاتها" العمال باستخدام "القوة" لإنهاء الإضرابات.

واتهم المتحدث الإيراني الغرب وفرنسا بـ"النفاق البيّن"، و"التلاعب" بحقوق الإنسان لتحقيق "أغراض سياسية"، على حد وصفه.

وكان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد أعلن وقوف فرنسا إلى جانب المتظاهرين الإيرانيين، مبديا في مقابلة على قناة "فرانس 2"، "الإعجاب" بالمحتجين من النساء والشباب، وواصفا إياهم بأنهم يحملون "الطابع الكوني لقيمنا".

وأكد ماكرون أن بلاده "تدين القمع الذي يمارسه النظام الإيراني"، متهماً طهران بأنها أخذت الفرنسيين الخمسة المعتقلين "رهائن".

وفي تغريدة على "تويتر"، قال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل إنه أجرى اتصالا آخر بوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بشأن الاحتجاجات، قائلاً: "لقد تحدثت مع أمير عبد اللهيان للتعبير مرة أخرى عن الموقف الواضح والموحد للاتحاد الأوروبي: للناس في إيران الحق في الاحتجاج السلمي والدفاع عن الحقوق الأساسية".

وأضاف بوريل "يجب أن يتوقف القمع العنيف على الفور، يجب إطلاق سراح المتظاهرين"، لافتا إلى أن "هناك حاجة للوصول إلى الإنترنت والمساءلة".

إلى ذلك، أعلن منسق الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض جون كيربي أن واشنطن تستعد لزيادة العقوبات على إيران بسبب "قمع الاحتجاجات".

كما أعلنت نائبة وزير الخارجية الأميركي ويندي شيرمان أن الإدارة الأميركية تعمل على تقديم تسهيلات للمحتجين الإيرانيين للالتفاف على تقييد الإنترنت، قائلة في تغريدة إن "حملة القمع العنيف المستمرة التي تشنها إيران على المتظاهرين السلميين هي إهانة لحقوق الإنسان. لقد تحدثت مع شركات التكنولوجيا الأميركية الكبرى وحثثتها على استخدام الترخيص العام D-2 لتزويد الشعب الإيراني بخدمات وأدوات اتصال إضافية".

المساهمون