"ستارلينك"... الورقة الرابحة لأوكرانيا في ساحة المعركة

"ستارلينك"... الورقة الرابحة لأوكرانيا في ساحة المعركة

17 أكتوبر 2022
حصلت أوكرانيا على 25 ألف محطة متنقلة (يوسويوشي شيبا/فرانس برس)
+ الخط -

شكل إعلان الملياردير إيلون ماسك، الجمعة الماضي، أن شركة "سبايس إكس"، التي يملكها، لم تعد تملك الوسائل اللازمة لمواصلة تمويل شبكة الإنترنت "ستارلينك" في أوكرانيا، مناشداً الحكومة الأميركية تولي مسؤولية ذلك، قبل أن يتراجع، أول من أمس السبت، ويعلن أن شركته ستواصل تشغيل خدمات شبكة "ستارلينك" لتأمين اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية بالإنترنت لأوكرانيا مجاناً، جرس إنذار أثار قلقاً غربياً.

ودفع هذا الأمر وزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرغيس للدعوة إلى تشكيل ائتلاف من حلفاء أوكرانيا لتغطية تكاليف "ستارلينك" أو العثور على بديل، معتبراً أن قضية الاتصالات في أوكرانيا مهمة للغاية ويجب عدم تركها في يد طرف واحد.

وقال ماسك، في تغريدة السبت الماضي، إنه "رغم أن ستارلينك لا تزال تخسر أموالاً، وأن الشركات الأخرى تحصل على مليارات الدولارات من دافعي الضرائب، إلا أننا سنواصل تمويل الحكومة الأوكرانية مجاناً". 

بددت تصريحات ماسك مخاوف الجيش الأوكراني من فقدان أهم الأدوات الفعالة في ساحة المعركة

وجدد الإشادة بخدمات الإنترنت المقدمة من قبل شركته، مشيراً إلى أن ثمنها أقل من شراء قمر جديد لنظام تحديد المواقع العالمي GPS. وأوضح أن نظام "ستارلينك" يعمل في "ساحة المعركة" من دون تشويش على عكس نظام "GPS" الذي يمكن اكتشاف إشارته بسهولة.

تبديد مخاوف أوكرانيا من فقدان أداة فاعلة

وبددت تصريحات ماسك مخاوف كبيرة من فقدان الجيش الأوكراني واحدة من أهم الأدوات الفعالة في ساحة المعركة، وهي الحصول على اتصالات مأمونة وغير قابلة للاختراق من قبل الجيش الروسي، وقادرة على تزويد الجانب الأوكراني بمواقع وتحركات الروس، وبالتالي تسهيل إمكانية استهدافها بالأسلحة الغربية الحديثة.

ومعلوم أن "ستارلينك" عبارة عن شبكة اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، مصممة لإيصال الإنترنت إلى جميع مناطق العالم. وكانت شركة "سبايس إكس" بدأت هذه الخدمة في فبراير/شباط 2018.

وتقضي الخطة الأصلية بإطلاق 12 ألف قمر اصطناعي في مدار الأرض القريب، لكن الشركة تقدمت بطلبات لإطلاق 30 ألف قمر إضافي في 2019. وكانت أطلقت منذ سبتمبر/ أيلول الماضي 53 قمراً اصطناعياً، ما رفع، حسب بيان للشركة، عدد الأقمار النشطة إلى 2300، ضمن خطة الشركة الطموحة لتأمين الإنترنت إلى المناطق النائية في العالم، ومن ضمنها القطب الجنوبي.

استهداف روسيا مراكز الاتصالات الأوكرانية

وعمدت روسيا منذ الأيام الأولى لحربها على أوكرانيا، في 24 فبراير/شباط الماضي، إلى استهداف مراكز القيادة والاتصالات وأبراجها، من أجل عزل الوحدات العسكرية الأوكرانية عن القيادة المركزية.

وبعد أيام، أعلن ماسك استعداده لتزويد أوكرانيا بمحطات إنترنت فضائية من نوع "ستارلينك". وفي الأول من مارس/ آذار الماضي، أكد وزير التحول الرقمي الأوكراني ميخائيل فيدروف وصول الدفعة الأولى، معتبراً، في بيان، أنه "بفضل إيلون ماسك وجميع شركاء أوكرانيا الحرة نواصل القتال في جميع الجبهات".

وأشار فيدروف، في تصريحات في مايو/ أيار الماضي، إلى أن 150 ألف أوكراني يستخدمون يومياً خدمات "ستارلينك"، مشيراً إلى أن شركة ماسك، وبناء على طلب بلاده، ساعدت منذ بدء الغزو الروسي في استعادة الاتصالات في عدة مناطق، وأن المحطات المنتشرة في البلاد تستخدم من قبل الجيش وعمال سكك الحديد والسكان.

25  ألف محطة متنقلة لأوكرانيا

وحسب المعلومات المتوفرة، فإن الجانب الأوكراني حصل على أكثر من 25 ألف محطة متنقلة من "ستارلينك"، ما ساهم بتوفير اتصالات آمنة بين الوحدات العسكرية وتشغيل أنظمة الأسلحة الحديثة لاستهداف تحركات الوحدات الروسية ومواقعها.

وأبدت روسيا انزعاجاً واضحاً من مساعدة "سبايس إكس" لأوكرانيا في مجال الاتصالات. وفي 19 يونيو/حزيران الماضي، قال ديمتري روغوزين، رئيس هيئة الفضاء الروسية "روس كوسموس" حينها (أعفاه الرئيس فلاديمير بوتين من منصبه في يوليو/تموز الماضي)، إن الشركات الأميركية الخاصة تنقل البيانات إلى القوات المسلحة الأوكرانية لتوجيه الصواريخ.

واستشهد روغوزين، في مقابلة مع قناة "روسيا 24" الحكومية وقتها، بعمل شركات "لوكهيد مارتن"، و"بوينغ"، و"سبايس إكس"، معتبراً أنهم "يعملون على نفس المهمة، وهي جمع المعلومات في الوقت الفعلي حتى تتمكن القوات المسلحة الأوكرانية من استخدام البيانات لاستهداف الصواريخ البالستية".

وذكر أن "سبايس إكس، ووفقاً للمهمة التي حددها البنتاغون، تقدم معدات يتم توزيعها على وحدات القوات المسلحة الأوكرانية والتشكيلات القومية من أجل استخدام الإنترنت والتحكم في الأنظمة".

وكان روغوزين قال، في إبريل/ نيسان الماضي، إن روسيا تنوي نشر أقمار اصطناعية لمراقبة العمليات العسكرية في أوكرانيا. وحذر ماسك من أنه "سيتعين عليه الرد مثل الكبار لتزويد القوات المسلحة بالاتصالات العسكرية، ومساعدة البنتاغون على تزويد الجانب الأوكراني بمعلومات عبر منظومة ستارلينك".

ورغم حاجة روسيا إلى شبكة اتصالات أكثر أماناً، يبدو أن العقوبات المفروضة على قطاع الاتصالات منذ ضم القرم في 2014 أضعفت قدرتها كثيراً في هذا المجال، ولم تستطع إلا إرسال قمر اصطناعي واحد للاتصالات وتحديد المواقع في سبتمبر/أيلول 2014، في حين أطلقت "سبايس إكس" 53 قمراً.

استخدام روسيا وسائل اتصالات غير آمنة

ويعتمد الجيش الروسي على منظومة "غلوناس" لتحديد المواقع. لكن تقادم الأقمار الاصطناعية حرم موسكو من استخدام هذا النظام بفعالية، ما اضطر قادة ميدانيين إلى استخدام وسائل اتصالات غير آمنة، تسببت في كشف الجيش الأوكراني مواقع القوات الروسية ومخططاتها.


تقادم الأقمار الاصطناعية الروسية حرم موسكو من استخدام منظومة "غلوناس" لتحديد المواقع بفعالية

ومع نجاح الجانب الأوكراني في توظيف شبكة "ستارلينك" في عملياته العسكرية، قدمت بولندا، في 22 أغسطس/آب الماضي، للقوات الأوكرانية 5 الاف جهاز اتصال.

وتكمن أهمية الأجهزة في قدرتها على البقاء على اتصال مع الإنترنت الفضائي حتى خلال انقطاع الكهرباء، وصعوبة اختراقها مثل شبكات "GPS". وكان رئيس الخدمة الحكومية الأوكرانية للاتصالات الخاصة وحماية المعلومات، يوري شيشغول أعلن، في أغسطس الماضي، أن "أوكرانيا لديها بالفعل مساحة تجوال واحدة مع أوروبا، ويتم تزويدها أيضاً بقناة اتصال احتياطية من ستارلينك كخدمة مزود بشروط تفضيلية".

وبعد تحذير ماسك من أنه سيوقف خدمات "ستارلينك"، لم يكتم المسؤولون الروس فرحتهم. وفي حديث مع وكالة "نوفوستي"، قال فلاديمير جباروف، النائب الأول لرئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد (الشيوخ) الروسي، إنه "بالنسبة لأوكرانيا، ستكون هذه ضربة قوية لقدرتها الدفاعية للبلاد".

وأوضح أنه في حال رفض تقديم بيانات اتصالات عبر الأقمار الاصطناعية "لن تتمكن القوات المسلحة الأوكرانية من توجيه الأسلحة نحو الإحداثيات التي توفرها الأقمار الاصطناعية".

واعتبر أن "الهدية الترويجية" التي لا نهاية لها لأوكرانيا لا يمكن أن تستمر، مرجحاً أن يكون انسحاب "ستارلينك" مجرد بداية سيتبعها تراجع البنتاغون عن مواصلة الدعم العسكري واللوجستي غير المحدود لأوكرانيا.

وحسب البيانات المنشورة لدى شركة "سبايس إكس"، فإن عدد زبائنها حول العالم يصل إلى 500 ألف مشترك، ما يعني أن نسبة مستخدميها في أوكرانيا تصل إلى ثلث إجمالي المشتركين. وكشفت أن معدل استهلاك البيانات في كل وحدة أوكرانية يعادل 100 ضعف استهلاك المحطات الأخرى التي نشرتها في مناطق أخرى في العالم.

وبدأت مخاوف أوكرانيا من انقطاع الإنترنت عبر "ستارلينك" يوم الجمعة الماضي، حين ذكرت وسائل إعلام أميركية أن ماسك حذر البنتاغون من أنه لم يعد بإمكانه الدفع مقابل خدمات الشركة لأوكرانيا، مشيراً إلى أن "العملية كلفت سبايس إكس 80 مليون دولار وستتجاوز 100 مليون دولار بنهاية العام" الحالي.

وذكرت شبكة "سي أن أن" الأميركية، الجمعة الماضي، أن شركة "سبايس إكس" قالت إنها ستتوقف عن تمويل الخدمة، ما لم يعوض الجيش الأميركي هذه التكاليف. وقدرت الشركة تكاليف استخدام اتصالات "ستارلينك" في العام المقبل بنحو 400 مليون دولار، في حال الاستجابة لطلب القائد العام للقوات المسلحة الأوكرانية فاليري زالوجني، في يوليو/ تموز الماضي، حيث طلب الحصول على 8000 محطة أخرى.

تعطل الاتصالات عبر "ستارلينك"

وذكرت تقارير إعلامية أن الاتصالات بين الوحدات العسكرية الأوكرانية عبر "ستارلينك" تعطلت يومي الخميس والجمعة الماضيين.

ورغم أن الرسالة التي كشفتها "سي أن أن" حول طلب "سبايس إكس" تمويل خدماتها تعود إلى الشهر الماضي، فإن الكثير من المحللين ربطوا توقف خدمات "ستارلينك" في أوكرانيا بالفتور في علاقات ماسك والمسؤولين الأوكرانيين، بعد رفضهم المطلق لاقتراحات تقدم بها ماسك بداية الشهر الحالي لتسوية سياسية قال إنها لتجنب حرب عالمية ثالثة.

وأظهرت محطات "ستارلينك" كفاءتها في عدة مواقع، ومن ضمنها تواصل الاتصالات مع المدافعين عن مصنع "آزوفستال" في ماريوبول لفترة طويلة، رغم الحصار وقطع الاتصالات والكهرباء من قبل الجانب الروسي، وتحصن المقاتلين الأوكرانيين في أنفاق تحت الأرض، بالإضافة إلى تجنب القوات الأوكرانية محاصرتها من قبل الروس خلال تقدمها في خاركيف وليمان.

المساهمون