داعش والأسد وحفتر

داعش والأسد وحفتر

18 فبراير 2015
+ الخط -

منذ اليوم الأول لظهور ما يُسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، "داعش"، لم أصدق، أو أستطيع ابتلاع وجود هكذا تنظيم في ذلك التوقيت المريب، حيث حصار حراك الشعوب العربية الثائرة ضد فراعينها، والتي أُريد لها أن تتحول خريفاً، بل وشتاءً قارساً. وفي تلك المنطقة من المشرق الإسلامي الملتهب الذي تكالبت عليه شياطين الداخل والخارج، لتكون ملعباً لصراعات سياسية إقليمية ودولية قذرة، لتحقيق مكاسب رخيصة على حساب مصالح شعوب تلك المنطقة، ليكون الهدف الأسمى هو تفتيتها وتمزيقها على أساس طائفي مذهبي، وامتصاص ثرواتها الهائلة، لكن المحزن والمؤسف أن تتورط أنظمة عربية وإسلامية في تلك اللعبة الجهنمية.
اهتز العالم "الحر" عند سقوط ضحايا الصحيفة الفرنسية الباريسية الصفراء "شارلي إيبدو"، فقط لأن المعتدي مسلم، فتم اتهام الإسلام كديانة، أوتوماتيكياً، ولعب الإعلام الغربي المسيحي المُتصهين على هذا الوتر، ومعه الإعلام العربي الرسمي، والموجه التابع للغرب بطبيعة الحال، حيث استغلت القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، الحادث لشن مزيد من الهجمات على معاقل السنّة في العراق، بدعوى الحرب على داعش، انتقاماً لدماء الأبرياء من جانب، وتطويق الربيع العربي، بل والعمل على إجهاضه، والإجهاز عليه تماماً، ما دام يصطبغ بالصبغة الإسلامية من جانبٍ آخر.
علمتنا التجربة أن الغرب لا ينتفض إلا لضحاياه، أو ضحايا العرب من غير المسلمين، فقط حتى لو كانوا حجراً إلاّ أن يكونوا مسلمين. فهؤلاء لا يستحقون سوى القتل، أو الاتهام بالقتل! فصار مصطلح الإرهاب مرادفا للمسلم، وملاصقاً بالضرورة لديانة الإسلام. فسكت عمداً عن مقتل الطلاب المسلمين الثلاثة، 9 فبراير/شباط الجاري، في "تشابيل هل" في ولاية كارولينا الشمالية، وضنت الصحافة الغربية، إلا في ما ندر، بتغطية مهنية تحترم آدمية الضحايا، وتنتصر للإنسان في المقام الأول! بل ونفت، في أغلبها، تصنيف الحادث على أساس طائفي، على الرغم من أنه طائفي بامتياز، لأن المجني عليه مسلم. وعندما كان الضحية مسلماً، كما في حالة الطيار الأردني، معاذ الكساسبة، الذي أعدمه تنظيم داعش "الافتراضي"، دان الغرب الحادث من منطلق براغماتي بحت.
ما يعزز لدي هذا الشعور بالشك والريبة تجاه وجود تنظيم "داعش" هو إيماني بأن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فإن من مصلحة الولايات المتحدة الأميركية وجود هكذا تنظيم (إسلامي بالطبع)، حتى يتم استدراج الأنظمة العربية والإسلامية، وربما بدفعها، والضغط عليها للدخول في تحالفٍ كهذا، ضد ما يُسمى الإرهاب لشرعنة تلك الحرب، حتى لا يكون الغرب وحده في الواجهة. وبالتالي، ضمان عدم هيمنته (أي الغرب) على تحرك دولي ضد تنظيم "إسلامي"، بهدف إبعاد فكرة إحياء "الحروب الصليبية" سيئة السمعة على الذهنية العربية الإسلامية.
وقبل أن نسدل ستار "داعش"، لا بد أن نطرح سؤالين، لكنهما في سؤالٍ واحد، ربما يكشف حقيقة ذلك التنظيم "الافتراضي". لماذا لم تحدث مواجهات حقيقية تذكر بين قوات بشار الأسد وتنظيم الدولة الإسلامية في سورية؟ ولماذا لم تتعرض معسكرات داعش لأي هجوم، أو قصف من قوات وطيران اللواء الليبي المتقاعد خليفة حفتر، على الرغم من قصفه شرق وغرب وجنوب ليبيا، بل على العكس تماماً، يحظى التنظيم بحماية مريبة ومثيرة للشكوك، من قوات الجنرال حفتر؟ أرجو أن تكون قد وصلت الرسالة لكل من ألقى السمع وهو شهيد.

 

 

5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
5F03EF1D-A432-414E-B3C9-10864571035D
رضا حمودة (مصر)
رضا حمودة (مصر)