الأطفال محاربون في نيران الحروب ...

الأطفال محاربون في نيران الحروب ...

15 أكتوبر 2014

طفل عراقي في بغداد يحمل بندقية "كلاشينكوف"(28مارس/2003/أ.ف.ب)

+ الخط -
برزت ظاهرة تجنيد الأطفال في دول متخلفة ومجتمعات مقهورة، مثل كمبوديا وفيتنام وسيراليون والكونغو الديمقراطية وأنغولا ورواندا وموزمبيق ونيبال وسريلانكا وأوغندا وجنوب السودان والصومال وأفغانستان والعراق، إلا أنها تفشت، أخيراً، في اليمن وسوريا وليبيا. وأسباب الظاهرة اقتصادية، واجتماعية، ممثلة بالتدهور الاقتصادي والفقر والتدهور الاجتماعي والثقافي وانهيار النظام التعليمي التربوي، وتدمير بنيته التحتية من مدارس تم تدميرها أو تحويلها إلى ملاجئ، أو مقرات أمنية أو عسكرية.
وأخيراً، ذكر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أن "طفلاً من دولة الإمارات العربية المتحدة، يدعى محمد العبسي أبو عبيدة، ويلقب "شبل البغدادي"، كان يقاتل مع التنظيم في سورية قتل مع والده في ضربة جوية للتحالف الدولي-العربي. وبذلك يكون العبسي أول طفل "داعشي" يسقط في سورية.

وتتأكد بذلك صحة معلوماتٍ، أوردها تقرير نشره مجلس حقوق الإنسان، التابع للأمم المتحدة في وقت سابق، منها أن الجماعات المنبثقة من تنظيم الدولة الإسلامية جندت ودربت واستخدمت أطفالاً في القتال، تقل أعمارهم عن 15 عاماً. وذكرت تقارير دولية أن جماعات عديدة مسلحة، قامت وتقوم بتجنيد الأطفال واستخدامهم في سورية، منها جماعات منتسبة للجيش السوري الحر ووحدات حماية الشعب الكردية. وجماعة أحرار الشام والدولة الإسلامية في العراق والشام وجبهة النصرة وغيرها من الجماعات المسلحة الموالية. وتنشط تلك الجماعات كافة في تجنيد الأطفال، واستخدامهم في أعمال اللوجستيات، ومناولة الذخائر، وحراسة نقاط التفتيش، وكمقاتلين.

ويحدث تجنيد الأطفال، أو ممارسة الضغط عليهم، للانضمام إلى الجماعات المسلحة، أيضاً، بين السكان اللاجئين في البلدان المجاورة. ويخضع الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 14 عاماً لتدريبات على الأسلحة، ويتقاضون رواتب شهرية تتراوح بين أربعة وثمانية آلاف ليرة سورية. وتفيد تقارير تفصيلية بأن الأطفال الذين يقاتلون في صفوف تنظيم (داعش) يتقاضون الأجور نفسها التي يتقاضاها البالغون (35 ألف ليرة سورية، أي نحو 200 دولار)، ويتلقون دروساً في العقيدة الجهادية الأصولية التي لا يوجد فيها تسامح تجاه الآخرين، مسلمين كانوا أو غير مسلمين. وبعد ذلك، يتم تحويل الأطفال إلى المعسكرات التدريبية، حيث شكلت كتائب عسكرية بمسميات مختلفة، مثل "أشبال الزرقاوي" و"أشبال الخلافة" التابعة لـ "داعش"، و"أشبال ابن تيمية" التابعة لـ"جبهة النصرة".

وذكرت منظمة "أنقذوا الأطفال"، ومقرها بريطانيا، في تقرير بعنوان "الطفولة في مرمى النيران"، أن الأطفال في سورية استخدموا حراساً ومخبرين ومقاتلين، وأحياناً دروعاً بشرية. وعدد الأطفال السوريين الذين يجندهم طرفا الصراع في سورية في تزايد مستمر.

ويؤكد قادة المعارضة السورية التزامهم بكل ما يتعلق بحماية الأطفال، في أثناء النزاعات المسلحة. وقد صدر عن القيادة العامة لوحدات حماية الشعب الكردية، في 4 أكتوبر/تشرين أول 2013، أمر قيادي يدين تجنيد الأطفال ويحظره. وفي عام 2013، قامت الحكومة السورية بتجريم تجنيد الأطفال واستخدامهم من القوات والجماعات المسلحة.

والطفل، حسب تعريف اتفاقية حقوق الطفل، هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، ما لم يبلغ سن الرشد، قبل ذلك، بموجب قانون الدولة التي يتبع لها. ويتمثل التعريف المقبول دوليًا للأطفال، والموثق في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، في أن الأطفال هم الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة. ويعرف الطفل الجندي بأنه أي طفل يرتبط بقوة عسكرية، أو بجماعة عسكرية، وهو أي شخص دون سن الثامنة عشرة، ولا يزال، أو كان، مجنّداً، أو مُستخدَماً بواسطة قوة عسكرية، أو جماعة عسكرية في أي صفة، بما في ذلك، على سبيل المثال، الأطفال والغلمان والفتيات. وتعرف إسرائيل القُصر من الفلسطينيين بأنهم من هم دون السادسة عشرة فقط، كما أن بعض قادة الفصائل الفلسطينية يصرحون بأنهم يعتبرون البالغين ستة عشر عامًا بالغين.

أطفال يشاركون في استعراض عسكري لحزب الله  (27أبريل/2006/أ.ف.ب)


وفي النموذج الليبي لظاهرة تجنيد الأطفال، أشارت تقارير إلى التحاق أطفال ليبيين في ركب الثورة الشعبية، لإسقاط نظام العقيد معمر القذافي، كما اشتركوا في الصراعات المسلحة التي اندلعت، بعد إسقاط نظام القذافي. واليمن من أكثر الدول التي يلاحظ فيها تكرار إيذاء الأطفال، من خلال إرغامهم على القيام بمسيرات ومظاهرات في الشوارع والميادين، والزج بهم في ميادين الاعتصامات في الفترة السابقة، حيث كان يتزاحم آباء في ساحات الاحتجاجات، لتقديم أطفالهم إلى المنصات، وهم مرتدون أكفان الموتى، المكتوب عليها "مشروع شهيد". وتم إقحامهم في النزاعات المسلحة في وسط العاصمة صنعاء وشمالها، بين مسلحي قبائل "حاشد" وميليشيات "حزب الإصلاح وجامعة الإيمان" من جهة، وقوات الأمن من جهة أخرى، وفي تعز وعدن، بالإضافة إلى عناصر تنظيم القاعدة في محافظات جنوبية وشرقية، والمواجهات المسلحة في صعده وحجة والجوف وعمران بين الدولة وميليشيات حزب الإصلاح من جهة، والحوثيين من جهة أخرى، فسقط مئات المدنيين، وبينهم أطفال.

وكانت إسرائيل قد صدقت على اتفاقية حقوق الطفل في عام 1991، وتطبقها على الأطفال الإسرائيليين فقط. وعلى الرغم من أن فلسطين ليست لها صفة "الدولة"، فإن منظمة التحرير الفلسطينية وقعت على الاتفاقية في 1995. وأوردت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها عن الحرب على قطاع غزة في 2008 أنها اكتشفت حالات عرّض فيها جيش الدفاع الإسرائيلي حياة المدنيين للخطر، بما في ذلك الأطفال، باستخدامهم دروعاً بشرية. وناقش التقرير أمثلة، مثل إجبارهم على البقاء داخل المنازل التي أحكموا سيطرتهم عليها واستخدموها مواقع عسكرية، أو قرب هذه المنازل. وتم إجبار بعضهم على تنفيذ مهام خطرة، مثل تفتيش الممتلكات، أو الأشياء المشتبه في أن تكون مفخخة.

ووفقًا للتقرير العالمي بشأن استغلال الأطفال جنودا لعام 2004، مثلاً، لم يوجد دليل على التجنيد النظامي للأطفال من الفصائل الفلسطينية المسلحة، إلا أنه كانت هناك على الأقل تسع عمليات استشهادية موثقة، شارك فيها قُصر فلسطينيون ما بين أكتوبر/تشرين الأول عام 2000 ومارس/آذار عام 2004.

وفي عام 2005، شجبت منظمة العفو الدولية استخدام الفصائل العسكرية الفلسطينية للأطفال، وقالت "أظهرت الجماعات الفلسطينية المسلحة، مرارًا وتكرارًا، تجاهلها التام لحقوق الإنسان الأساسية، وخصوصًا الحق في الحياة، باستهداف المدنيين الإسرائيليين عن عمد، واستغلال الأطفال الفلسطينيين في الهجمات المسلحة".

وذكر الاختصاصي في علم النفس السريري في جامعة تل أبيب، شفيق مصالحة، أن 15% من الأطفال الفلسطينيين يحلمون بأن يصبحوا من منفذي العمليات الاستشهادية. ووفقًا للطبيب النفسي ورئيس برنامج غزة للصحة النفسية، إياد السراج، أفادت نتيجة استقصاء أجراه البرنامج أن 36% من الفلسطينيين الذين تتجاوز أعمارهم 12 عامًا يتمنون "نيل الشهادة" في أثناء محاربتهم إسرائيل.
 
ويتمثل الأمر الثابت، أو القاسم المشترك الأكبر، في مختلف نماذج تجنيد الأطفال في أن الأطفال ضحايا للتلقين العقائدي الديني والقومي، وإرغامهم وتوريطهم في نزاعات وحروب هم المتضرر والخاسر الأكبر فيها، حاضراً ومستقبلاً.

وبصرف النظر عن كيفية تجنيد الأطفال، وعن أدوارٍ توكَل إليهم، تؤدي مشاركةّ الأطفال في أي نزاع إلى آثار خطيرة على صحتهم الجسمية والنفسية والعقلية. فغالباً ما يكونون خاضعين لضروب الأذى، ومعظمهم يواجهون الموت والقتل والعنف الجنسي، بل إن كثيرين منهم يُجبَرون على ارتكاب مجازر بحق أقرانهم، من أطفال العدو.