إن ما توعدون لآت

إن ما توعدون لآت

21 ديسمبر 2014
+ الخط -

يدور انقلاب 30 يونيو في مصر في دائرة مفرغة منذ تاريخ إعلانه، وصفه بعضهم في بداياته باللامعقول السياسي والعسكري، فالمعطيات التي أنتجتها المرحلة الثورية التي سبقته لم تكن لتفرز، في طورها الطبيعي، أبداً حكماً عسكرياً خالصاً مفاجئاً، يحمل إلى الشعب المصري والعربي مفردات غير قادرة على التعاطي السياسي، ولو في أدنى صوره، بل واجترأت على القضايا العسكرية التي تعتبر من المسلمات للأمن القومي المصري، كإخلاء سيناء من السكان، أو المغامرة بقوات لا ترفع العلم المصري في ليبيا، وكالمريض الذي لا تفصله عن الوفاة سوى لحظات معدودات، بينما يطمئنه الأهل والأصدقاء بأنه قد تعافي تماماً، وليس بينه وبين الخروج من المستشفى إلا توقيع الطبيب، يغوص الانقلابيون في مستنقع آسن، فلم يعودوا قادرين لا على العودة من حيث أتوا، ولا على الوصول إلى ما كانوا يوعدون.

شبكات المصالح العنقودية التي تتدرج من القاهرة إلى المحافظات، ثم إلى المدن الصغيرة والقرى والنجوع، والتي تنوعت بين مصالح تجارية، تتعلق بتوكيلات وامتيازات ومخصصات، وحتى وظائف متنوعة، بدءا برؤساء المدن، وانتهاء بعمال المحليات، شكلت بالنسبة إلى الانقلاب عصبه الشعبي، وشعر كل من ينتظر ثمة مغنماً من خلال تلك الشبكات أن مبدأ سيادة القانون سيعصف به، وبمصلحته التي أسس لها توقعاً في خياله على مدار السنوات الطويلة، فقد استقرت المراكز القانونية على مدار ثلاثين عاماً، في ترتيب خاطئ على أساس من الوساطة والولاء والرشوة والفساد والدعارة، غير أن ذلك الترتيب مثّل القانون الذي لم يجد الناس سوى التعاطي معه بالقبول أحياناً، وبالالتفاف أحياناً، وهو أمر يشتبه بقاعدة قديمة، مفادها بأن الخطأ الشائع يولد الحق مع اختلاف في المضمون والباعث والغاية بكل تأكيد.

غير أن الانهيار الذي ينتظم مصر، الآن، يفكك، كل يوم، من تلك الشبكة، وهو أشبه بهبوط أرضي مفاجئ تحت "حصيرة" خرسانية، فهو وإن كان لا يمزقها بالكلية إلا أنه يقطع أوصالها توطئة لسبيل الضغط عليها حتى يخر عليها السقف من فوقها، فدولة تعيش على التسول أعطوها أو منعوها هي كيان هش، مرهون بقاؤه ببقاء المعيل.
الآن، يجهر كثيرون من أعمدة الانقلاب في ثنايا الحوارات بأن النظام الهش الذي أنتجه الانقلاب لم يستجمع محاور الصمود، فلم يزل أعرج غير قادر على الوصول إلى مستقر، أعمى من لا يعرف أين يضع قدمه في الخطوة المقبلة، أصم لا تصل إلى أذنيه سوى كلمات النفاق، بينما تكتسب الثورة كل يوم أرضاً جديدة، فالشعب الذي كان قد ران على قلبه آثامه وخطاياه خلال ستين عاماً يستفيق.
وليس أدل على يقين أميركا من سقوط الانقلاب واستعادة مصر هويتها الإسلامية من تشجيع إيران على التوسع في المنطقة، برعاية إسرائيلية وأميركية، بل وقبول أميركا المشروع النووي الإيراني، ورفع الحصار عنها، ودعم تدخلها في الحرب السورية، وتوطئة السبيل لها في اليمن، كل هذا الدعم لإيران لم يكن للإمام الخميني أن يراه في حلم، ولو كان حلم يقظة.
إن الإفلاس الفكري لدي الانقلابيين الذي بدأ ببكاء قائد الانقلاب تأثراً بعلاج التهابات الكبد بالكفتة، وانتهاء بصناعة سفينة كبيرة، يمر بها خط سكة حديد لربط مصر بإيطاليا، كما بشرنا وزير التموين، خالد حنفي، ومروراً بأشجار تنتح خرسانة، وقوات بحرية تأسر قائد الأسطول السادس الأميركي، بالإضافة إلى كونها أدلة إفلاس مدقع، ومؤشراً على مأزق مطبق، يحاول الانقلابيون تسكين آثاره يوماً، أو يومين إضافيين، بإلهاء الناس في حكايات بلهاء، تسيء إليهم وتنزع مهابتهم. كل هذا يدل على مقدار الألم الذي يعتور معسكر الانقلاب الذي اجتمعت أركانه وجنرالاته وهيئاته الهندسية والاستراتيجية، لمناقشة قضية موضوعها "يافطة"، على باب أحد المعسكرات.
لا مفر ولا محيص للانقلاب وسدنته من مواجهة يوم عسير، لن ينفعهم فيه الفرار، وستغلق في وجوههم المطارات والموانئ، لن تقبل فديتهم ولو جاء أحدهم بملء الأرض ذهباً، لأن الذهب لن ينقلب أبناء للثكالي، ولا أزواجاً للأرامل ولا آباء لليتامى، لن يعوض المال يومئذ أبداً أعراضاً انتهكت، ولا أجساداً حرقت، وهي تئن من آلام جراحها.

avata
avata
محمود حشله (مصر)
محمود حشله (مصر)