تداعيات محتملة لتبرئة مبارك

تداعيات محتملة لتبرئة مبارك

03 ديسمبر 2014

حسني مبارك أثناء نقله إلى إحدى جلسات المحكمة (27سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

كانت تبرئة الرئيس المصري المخلوع، حسني مبارك، ووزير داخليته، حبيب العادلي، وستة من كبار ضباط الشرطة المصرية، غير مفاجئة، بعد مقدمات جاءت بها. ذلك أن تحريك النائب العام السابق، عبد المجيد محمود، (عيّنه مبارك)، الدعوى، جاء بعد نحو ثلاثة أشهر من تنحي مبارك. وتمت أولى إجراءات المحاكمة بعد أربعة أشهر، أوائل أغسطس/آب 2011، ما أعطى فرصة لوزارة الداخلية المصرية لطمس الأدلة. كما أن هناك ملاحظات كثيرة على تحقيقات النيابة التي ترأسها محمود، وتم استبعاد ممثلي الادعاء المدني، أهالي شهداء ثورة 25 يناير، من حضور القضية، وكان هذا بمثابة مقدمة منطقية للحكم الذي صدر أخيراً.

كانت المفاجأة في كشف القاضي عن مذكرة من النائب العام في أبريل/نيسان 2011 تستبعد مبارك من القضية، لأن القضية جنائية، فيما هو يحاسب عليها سياسياً. ولعل هذا ما يفسر عدم صدور حكم ضد مبارك في قضية قتل المتظاهرين، بل صدر بعدم جواز إقامة الدعوى ضده ابتداء. وقد تفسر هذه المسألة، تحديداً، أسباب إقالة الرئيس المعزول، محمد مرسي، النائب العام، في إعلانه الدستوري في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، الأمر الذي كان من مطالب ثورة يناير. وبالتالي، ربما يكون ما حدث من النائب العام في قضية مبارك دليل براءة مرسي من تهمة الاستبداد التي لصقت به، بعد إعلانه الدستوري ذاك، والذي تم توظيفه سياسياً في تهييج المعارضة ضده، بتواطؤ أجهزة الأمن والمخابرات، في واقعة قصر الاتحادية التي يحاكم عليها مرسي حالياً.

أما عدم حصول أي من حسني مبارك وحبيب العادلي ومعاونيه الستة على أي أحكام مخففة، مثل الحبس أربع أو خمس سنوات، تنتهي بعد أشهر، فيعني أن مؤسسات الدولة المصرية العميقة كانت حريصة على عدم إلصاق أي تهمة بهؤلاء. وبالتالي، سيجري البحث عن طرف آخر، يتم إلصاق تهمة قتل المتظاهرين في ثورة يناير به. وقد سارعت إلى ترويجه، حالياً، وسائل إعلام فلول الحزب الوطني، وهو "الإخوان المسلمون". صحيح أن الأمر لن يكون منطقياً، إلا أنه، مع تزييف الوعي الذي يقوم به إعلاميو مبارك، سوف يتم تحميل التهمة للإخوان، وإلا فمن الذي قتل المتظاهرين؟ ولو عوقب مبارك بحكم مخففٍ في القضية، فمعنى هذا أنه، بالتحريض أو الصمت، سمح لمؤسسات في الدولة بارتكاب القتل.

إلى ذلك، هناك تداعيات محتملة لحكم البراءة الذي ناله مبارك وولداه والعادلي والضباط الستة من جميع التهم، لعل أبرزها انهيار دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون في مصر، بعد مهرجان البراءة للجميع الذي أعفى، تقريباً، كل ضباط الحبيب العادلي من تهم قتل المتظاهرين أمام أقسام الشرطة إبّان ثورة 25 يناير، وتحويلهم من جناة إلى مجني عليهم، تصرفوا دفاعاً عن النفس، ثم جاء المسمار الأخير في نعش القضاء، ببراءة مبارك والعادلي وأعوانه. وهذا يجعل حالة من عدم الثقة لدى المواطن المصري بالقضاء في بلاده، والذي كان يوصف بالشموخ، ليس فقط أهالي شهداء ثورة 25 يناير، خصوصاً في مواجهة مؤسسات وزارة الداخلية، حيث سيكون الشعار "الشعب في خدمة الشرطة"، في ظل هذا التفاهم والتناغم بين وزارة الداخلية والنيابة العامة. وكنتيجة منطقية، القضاء الذي يحكم بموجب الأوراق، حتى ولو طلب إعادة التحقيق، سوف تأتيه المعلومات، وفق مراد الداخلية والنيابة.

وتترتب على فقدان الثقة هذه من الشعب بمؤسسة القضاء، وفي غياب برلمان شعبي حقيقي، وتوقع أن يأتي البرلمان المقبل بنواب مبارك والمعارضة المستأنسة، يترتب على ذلك سعي أفراد الشعب إلى الحصول على حقوقهم مباشرة، من دون اللجوء إلى القضاء الذي سيعطل عودة الحق، لبطء إجراءات التقاضي من ناحية، فضلاً عن إمكانية صدور حكم في غير صالح المجني عليه، بسبب تحريات الشرطة والنيابة. وهذا خطير في حال حدوثه، لأنه قد يؤدي إلى مزيد من تفتيت المجتمع، المفتت أساساً، كما سيؤدي إلى عودة فكرة قانون القوة، وليس قوة القانون، بعدما ذهبت هذه الثقة أدراج الرياح، وعادت إلى سيرتها الأولى، إبّان حكم مبارك.

ويرتبط بالجزئية السابقة احتمال تصاعد العنف في سيناء، ومدن الصعيد تحديداً التي تنتشر فيها ظاهرة الأخذ بالثأر والانتقام من القاتل الذي يكون شخصاً ينتمي إلى عائلة الخصوم، لكن الثأر والانتقام، هذه المرة، سيكون من وزارة الداخلية، وربما رجال الجيش الذين قتلوا أبناء هذه العوائل، في سيناء والصعيد. حيث لن تكون مطروحة لدى هؤلاء فكرة الاحتكام للقضاء.

وستكون الأوضاع في سيناء أكثر تعقيداً، إذ ربما يؤدي إلى وجود حاضنة شعبية كبيرة للجماعات الجهادية المسلحة، مثل أنصار بيت المقدس وأجناد مصر وغيرهما، فنهج هذه الجماعات التشكيك في مؤسسات الدولة، بدعوى أنها تحابي المؤسسات الشرطية والأمنية على حساب المواطن. وبالتالي، يكون استحلال دماء رجال الشرطة والجيش مقبولاً من وجهة نظرهم. أو بمعنى آخر، سيجد أهالي هؤلاء القتلى في سيناء ضالتهم المنشودة في هذه الجماعات التي ربما لا يعرفون كثيراً عن فكرها. لكن، نظراً إلى سعيها إلى تحقيق مصالحهم، بالانتقام لهم من قتلة ذويهم، هذا كله يجعل حاضنة شعبية لهؤلاء، ومن ثم قد يكون أحد تداعيات براءة مبارك انتشار العنف في سيناء تحديداً بصورة غير مسبوقة

وستُحدث تبرئة مبارك والعادلي رغبة لدى مؤسسات مبارك بالانتقام من ثوار يناير والقوى التي شاركت فيها، وفي القلب منها الإخوان المسلمون، المتوقع تحميلهم وزر ثورة يناير، وسقوط الضحايا في أثنائها، تماماً كما في أحداث قصر الاتحادية، حيث سقط منهم ثمانية قتلى، مقابل اثنين. ومع ذلك، تم استبعاد الثمانية، وتجري محاكمة رموز الإخوان والرئيس محمد مرسي على قتل الاثنين، على الرغم من أن شهوداً، منهم وزير الداخلية في حينها، أحمد جمال الدين، مستشار الرئيس عبد الفتاح السيسي حاليا لشؤون الأمن الوطني، وقد قال إن مرسي لم يصدر له أمراً بإطلاق النار على المتظاهرين. ومن البديهي أن تتم محاكمة هؤلاء على مقتل نحو 300 شخص، بحسب رواية القاضي، وقرابة الألف، بحسب روايات أخرى.

لكن، المشكلة ليست في "الإخوان" فحسب، وإنما في القوى الثورية الأخرى، مثل "6 إبريل" والاشتراكيين الثوريين وغيرهم، إذ سيتم زج هؤلاء في السجون، حال خروجهم للتظاهر، بموجب قانون التظاهر المعيب الذي وضعه رئيس المحكمة الدستورية الحالي، ورئيس مصر المؤقت السابق، عدلي منصور، بل إن بعضهم قابع في السجون الآن، مثل أحمد ماهر، مؤسس " 6 إبريل" وأحمد دومة وعلاء عبد الفتاح وغيرهم.

وبالتالي، قد يضع الحكم بتبرئة مبارك والعادلي جميع القوى الثورية في خندق واحد، ويعيد اللحمة بينهم لمحاولة استعادة الرمق الأخير من ثورة يناير التي لم يعد لها ذكر سوى في دستور الانقلاب، بعدما تم استبعادها من مسودته الأولى. وربما تكون الفترة القليلة المقبلة حتى يناير/كانون الثاني 2015 (الذكرى الرابعة للثورة) آخر فرصة لدى الصف الثوري لتناسي الخلافات والاتهامات التي ساهمت المخابرات والمماراسات في إذكائها، من أجل استعادة ثورة يناير السليبة.

وستكون واحدة من التداعيات الأخرى خاصة بالبرلمان المقبل الذي تجري انتخاباته قريباً. وربما هذا يفسر أسباب تأجيلها، مرات، حتى خروج مبارك ونجله جمال، رئيس لجنة السياسات في الحزب الوطني المنحل، لهندسة المقاعد فيه، بمساعدة أحمد عز الذي بدأ يعد لذلك. هنا تثور تساؤلات: هل ستختلف ترشيحات مبارك عن ترشيحات السيسي؟ وهل يمكن أن نشهد خلافاً سياسياً واستقطاباً بين فلول الحزب الوطني، بزعامة جمال مبارك وعز، ومؤيدي السيسي؟ أغلب الظن أن الإجابة بالنفي، لعدة أسباب، منها أنه ليس لدى السيسي حزب، كما أن مبارك اعتبر السيسي أنسب شخص لرئاسة مصر، ورموز مبارك، مثل عمرو موسى وأحمد شفيق، هم من أبرز رؤساء الأحزاب حالياً، ما يفسر أسباب حديث شفيق عن عودته من الإمارات قريباً.

ومن غير المتوقع حدوث خلافات واستقطابات سياسية بين مبارك والسيسي، كما يروج متفائلون، بل أغلب الظن، ومن تتبع سير الأحداث، ثمة تنسيق عال بين المؤسسة العسكرية والرئاسة، وبإشراف المخابرات، كما حدث في كواليس تنحّي مبارك، وقد يكون تنسيق بينهم فيما هو أبعد من ذلك، من قبيل أن يكون جمال مبارك خليفة السيسي في انتخابات 2018، الأمر الذي طرحته صحفٌ وثيقة الصلة بالأمن والمخابرات.

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.