عندما تصبح المقاومة هوية

عندما تصبح المقاومة هوية

25 يوليو 2014
+ الخط -


التفاف أهالي غزة حول المقاومة هو الأكبر، والأكثر وضوحاً منذ الانتفاضة الفلسطينية الأولى قبل 25 عاماً، وما نراه من مساندة شعبية للمقاومة، ومطالبتها بالاستمرار حتى تحقيق شروطها، والاستعداد الشعبي الكامل لدفع أي ثمن، ليس عجيباً، فالأمر لا علاقة له بالانتماء السياسي فقط، بل إن المقاومة أصبحت جزءاً أصيلاً من هوية جغرافية. لن تجد أحداً في غزة إلا مصطفاً في خندق المقاومة، داعماً لها، بغض النظر عن انتمائه السياسيّ، وهذا غير ناتج عن برنامج سياسي موحد، ولا نتيجة تبني استراتيجية توحد الجميع، إنما هو نتاج وعي عام اكتسبه الشارع الغزي بالتجربة.

أصبح كل شخص في غزة أكثر خبرة من أكبر محلل عسكري، أو سياسي في العالم، الجميع هناك يدركون، اليوم، أن جميع الخيارات معدومة، ولا توجد ثقة بأي مشروع آخر غير المقاومة، فالمقاومة وحدها القادرة على توفير حياة إنسانية كريمة لهم. هذه القناعة جاءت بعد أن فقدوا الثقة بالعملية السلمية، ومن يمثلها، وفقدوا الثقة بالتعاطف الدولي ومنظمات حقوق الإنسان وقوانينها، والأهم أنهم فقدوا الثقة بالدول العربية التي تستعملهم دائماً لخدمة أجندةٍ، لا تخدمهم.

دفع الغزّيون دماً وعمراً، في ظل حصار وحياة لا تحتمل، حتى وصلوا إلى هذه النتائج، فلا أحد استطاع فتح معبر واحد، ولا أحد وفر لهم أدنى حد من مقومات الحياة، كالماء والكهرباء. يحاول المحللون السياسيون خريجو الجامعات العريقة، وأصحاب التجارب السياسية في الوطن العربي والعالم فهم غزة، لكن من دون جدوى، لأن غزة لا تحتكم لأي معادلة، ولا ينطبق عليها أي قانون سياسي اجتماعي أو اقتصادي، بما فيها من فرادة وتميز، وحالة انسجام بين المقاومة وشعبها. غزة التي تجد فيها الفتحاويين يقفون في وجه قيادتهم في رام الله، ويساندون المقاومة، غزة التي تجد فيها المسيحيين والمسلمين، المسحوقين وأصحاب رؤوس الأموال، الشيوعيين والإسلاميين، جميعهم في خندق واحد خلف المقاومة، يوحدهم مطلب انتصار المقاومة.

غزة التي تحتفل وهي تنزف، لها توقيت خاص، بل لكل حي فيها توقيت لا يحتكم إلى قوانين الطبيعة من شروق وغروب، فالحياة ينظمها جدول الكهرباء، فمن الممكن أن تكون بداية النهار الساعة العاشرة ليلاً، وتنتهي في الصباح. غزة التي تشتري فيها سيارة وتبيعها بعد خمس سنوات من الاستعمال بثمن أعلى من الذي دفعته لشرائها. في غزة البسيطة المعقدة، يعلم الجميع أن نهاية هذه الأزمة ونتائجها سترسم تفاصيل حياتهم على الأقل سنتين مقبلتين، وهم على يقين بأن قوة المقاومة فقط هي من ستحدد شروط الهدنة، وتلك شروط ستكون حياتهم اليومية من كهرباء وماء ومعابر، وهذا لا يترك خياراً لأحد، فالجميع مع المقاومة وكل بيوت غزة، بمختلف الطبقات والانتماءات، مفتوحة للمقاومين، ومع استعداد كامل لمساندة المقاومة بكل ما يتوفر.

المقاومة لم تعد بالنسبة للغزّيين برنامجاً سياسياً، أو طريقة من طرق النضال، المقاومة هي الحياة بالنسبة لهم، المقاومة هي السفر، الدراسة، والعلاج، والأهم أنها أصبحت كرامتهم وجزءاً من هويتهم. لم نسمعهم يناشدون بفتح المعابر، فهم يعلمون أنه سيكون شرطاً من شروط وقف إطلاق النار، وسيكون فتح المعابر نتاج صمود المقاومة، لا بادرة إنسانية تحتكم إلى مزاج الجوار وأجندته. إن تآمر الجميع على هذه البقعة من الأرض فرض على المجتمع الغزّي صياغة مفهوم جديد للمقاومة، سيدرّس لاحقاً في العلوم العسكرية. استطاعت غزة صياغة هذا المفهوم الجديد الذي بات جزءاً من مكوّنات هذه الهوية الجغرافية، نعم هوية، هوية غزية أهم مركباتها المقاومة، وسيتشرّف كل من يؤمن بالإنسانية أن يحمل هذه الهوية.

avata
avata
لؤي عودة (فلسطين)
لؤي عودة (فلسطين)