هل يحافظ العدالة والتنمية المغربي على الحكومة؟!

10 نوفمبر 2014
+ الخط -

كما يعلم الجميع، فلقد كان على حزب العدالة والتنمية المغربي انتظار قوة الدفع الناتجة عن رياح الربيع العربي لكي يظفر بشرف تسيير الشأن العام وحيازته رئاسة الحكومة، بعد مختلف التعديلات التي تم إقرارها استجابة لمنطق المرحلة بدءا بالخطاب التاريخي، إلى تعديل نسخة الدستور الجديد وانتهاء بإجراء انتخابات تشريعية سابقة لأوانها أسفرت عن تربع حزب العدالة والتنمية على عرش النتائج، ولترجع إليه مأمورية رئاسة الحكومة كما نص على ذلك المقتضى الدستوري.

وقد لا نكون نخفي سرا إذا ما قلنا بأن هذه الإمكانية كانت متعذرة من قبل، بحكم الحصار الذي كان مضروبا على الحزب من طرف دوائر السلطة، في ظل التخويف الذي ما فتأت تروجه بعض الأوساط، سواء الداخلية أو الخارجية، من احتمال قلب الحزب ذي الخلفية الإسلامية للطاولة إذا ما تم التمكين له، في ظل سيادة نوع من "الخطاب الدولي" الرافض لأي محاولة للتنفيس عن الإسلاميين والميل إلى اعتبارهم تيارا واحدا متشددا، مهما اختلفت تعبيرات هذا التيار. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل لقد ساهم عدم النضج الذي طبع سلوك عينة من هذه التيارات بفعل استخدام قراءات سطحية لبعض النصوص الدينية، والتي أدت بهم إلى اعتبار الديمقراطية صنيعة غربية، كما أنه بفعل انعدام أجواء الحرية وسيادة القمع والاضطهاد فقد اختار هذا التيار أسلوب التخفي والعمل السري لمواجهة الرفض "برفض مضاد" ولجوئه إلى استخدام لغة العنف والتفجير، كما حصل ذلك مع ضربات القاعدة في الحادي عشر من سبتمبر في قلب أميركا والنسخة المغربية لهذا الحدث وسط العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء.

على عكس هذا المنحى الصدامي، كان حزب العدالة والتنمية المغربي قد شق لنفسه مسارا مغايرا من حيث اختياره بشكل مبكر نهج الاعتدال والإصلاح التدريجي من داخل المؤسسات، مع الصبر على ذلك، بعد تجارب النقد الذاتي والمراجعة التي سبق أن قامت بها قيادات هذا التيار. كما اهتدى الحزب إلى الأدوار التكاملية التي بإمكان العمل المدني والاجتماعي أن يسديها لحركية الفعل الإسلامي كواجهات هامة لا تقل أهميتها عن ساحة الفعل السياسي.

وعلى الرغم من كون حصة استفادة الحزب من الفعل الديمقراطي كانت ضعيفة مقارنة مع استفادة الأطراف السياسية الأخرى، إذ كان القبول به يندرج في إطار تفعيل استراتيجية الدولة لاحتواء هذه التيارات وتلميع صورتها وإعطاء نوع من الرمزية للانتخابات التي تُجرى في البلد مع إظهار بأن التيار الإسلامي متحكم فيه، وبكون النموذج التنموي المعتمد لم يترك أية فرصة للإسلاميين للتغول. إلا أنه وربما في جانب من "ذكاء" حزب العدالة والتنمية كونه جارى السلطة في منطقها واختياراتها، بحيث قَبل شروط اللعبة، بالرغم من كونها مجحفة في حقه، وبدا كأنه يراهن ويدرك بأن للزمن مفعوله، وقد يكون جزءا من العلاج، وبأن التصرف بعقلانية وروية ليس بإمكانه إلا أن يعود بالنفع عليه وعلى أنصاره، من حيث التسلل بهدوء كالريح المنعشة، فعلاوة على الانفتاح والحضور المجتمعي المدني وعلى التماسك التنظيمي ومساهمته الإيجابية في العديد من المحطات والمحافل التي يكون حاضرا فيها، استفاد الحزب من ضعف خصومه الذين بدوا كأن الشيخوخة والفرقة قد نالت منهم، ولم يعودوا يضطلعون بحقيقة المهام والأدوار التي أسندت إليهم.

حين رن الجرس، وجد الحزب الإسلامي نفسه واقفا في المكان الصحيح، وأخذ زمام التسيير لحكومة مهندسة بالشكل الذي لم يكن يعطي لرئيسها إمكانية التسيير إلا بالتوافق مع أكثر من حزب سياسي، حتى لا يحلق وحيدا عاليا، وحتى تبقى رجله مشدودة وخاضعة لمنطق السلطة وفق الرسم والمجال الذي تم تسطيره له. ومع حجم الإكراهات وبالنظر للظرفية الاقتصادية الصعبة التي يمر بها البلد، والمتزامنة مع  الأزمة الدولية التي تعصف بأوروبا، وكذا للإرث التدبيري الثقيل للماضي، فقد وجد الحزب الإسلامي نفسه في وضعية لا يحسد عليها، لكونه أصبح يشكل أملا بالنسبة لقاعدة عريضة من الناخبين توسّمت في الحزب خيرا، من حيث ثقتها فيه، وفي قدرته على الخروج بوضعيتها من النفق المظلم، إلا أن الحزب، وربما تقديرا منه لدقة المرحلة فقد اختار الإقدام على بعض القرارات الجريئة التي تخدم الدولة والخزينة وتنعش الاقتصاد الوطني على المدى المتوسط، إلا أن ثمارها لن تصل مبكرا إلى الفئات الفقيرة التي تشكّل الوعاء الانتخابي لأي حزب سياسي.

إذا استطاع الحزب الحفاظ على مكانته في تدبير المرحلة القادمة، فسيكون قد ضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، سيكون قد استطاع تجاوز "الصعوبة الديمقراطية" المتمثلة في المحافظة على السلطة، إذ الصعوبة غالبا ما تكون مرتبطة بالحفاظ على مكتسب التسيير أكثر من البلوغ إليه، واستطاع كسب رضى الجزء الكبير من الناخبين، وأساسا كسب حياد السلطة، أكثر من ذلك سيكون التيار الإسلامي قد استطاع أن يشكل فعلا "الاستثناء في ساحة الوطن العربي" بحكم قدرته على الحفاظ على السلطة، في زمن تتحدث فيه هذه الأخيرة لغة الانقلاب، كما لو أن التاريخ وكأنه راجع إلى الخلف، وكل الخوف ألا يرجع بنا إلى زمن الحصار والتحكم.

avata
avata
سعيد الزغوطي (المغرب)
سعيد الزغوطي (المغرب)